قاعدة البيانات الإحصائية مهمة للغاية، وتحديداً في اتخاذ القرار الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي، والمستثمر الأجنبي والمحلي يركز على حجم الإنفاق، وهو يرتبط ارتباطاً كاملاً بالتعداد والكثافة السكانية، إضافة إلى التوزيع الجغرافي للسكان.. في 31 مايو، أو قبل عشرة أيام، تم الإعلان عن أرقام الجزء الأول من التعداد السكاني، وتضمنت تفاصيل التركيبة السكانية والسكن والمساكن في المملكة، وسيتم استكمال بقية الأرقام في الربع الأخير من العام الميلادي الجاري، والتي ستشمل التعليم والصحة والعمل والدخل والهجرة والتنوع، واللافت في البيانات المتاحة حالياً، تراجع نسبة السعوديين من إجمالي السكان، فقد كانت نسبتهم 69 % في 2010، وأصبحوا يشكلون ما نسبته 58 % في 2022، ما يعني أن غير السعوديين زادت أعدادهم بنسبة 11 %، وهو أمر متوقع ومطلوب بالنظر إلى المشروعات العملاقة التي تعمل عليها الدولة، ونجاحاتها في المجالات الرياضية والترفيهية والسياحية وغيرها، بالإضافة إلى استقطاب الكفاءات الأجنبية الرائدة، وذلك للاستفادة من خبراتها في تحقيق مستهدفات رؤية 2030، ومعها إتاحة مناخ جاذب ومتفوق للاستثمار الأجنبي، وبالأخص من ناحيتي الفرص المتاحة والتشريعات والتسهيلات المختلفة. خلال الفترة ما بين تعداد 1974 و2022 ارتفعت أعداد السكان في الأراضي السعودية من سبعة ملايين إلى أكثر من 32 مليوناً ومئتي ألف، وبزيادة قدرها 25 مليوناً ومئتي ألف في 48 عاماً، والمملكة، بحسب تعدادها السكاني، تشغل المرتبة الأولى خليجياً والسادسة عربياً والحادية والأربعين عالمياً وفق تقديرات 2021، ولا يغير في السابق ما قامت به هيئة الإحصاء السعودية من مراجعات إحصائية، وقولها بوجود فوارق في تقديرات الأعوام السابقة لأنها لم تكن دقيقة، والفارق الذي أشارت إليه وصل لقرابة مليوني نسمة، وتمت مراجعته بتنفيذ الآلية الجديدة، التي أخذ بها في إحصاء 2022. علاوة على أن مدينة الرياض، الأكثر سكاناً بين المدن السعودية بما يزيد على ثمانية ملايين نسمة، في طريقها لأن تصل إلى 20 مليوناً في 7 أعوام، وبالتالي الدخول في قائمة العشرة الكبار للمدن الأضخم اقتصاداً حول العالم، خصوصاً أن أهل الاختصاص يقولون إن البشرية احتاجت لمئتي ألف عام حتى يصل تعدادها إلى مليار نسمة، ولكنها في هذه الأيام تزيد ملياراً في كل عشرة أعوام، وبالتأكيد الزيادة لا بد وأن يواكبها إنفاق استهلاكي أعلى وبشكل يعزز التدفقات الاستثمارية في المدينة الأهم، وكذلك بنية تحتية تستوعب الاحتياجات المعيشية لهذه الأعداد وبما يبعدها عما قاله بول إريك في كتابه (القنبلة السكانية) ورغم أنها توقعات لم تتحقق، إلا أن الاحتياط واجب من باب الحرص، لأن الارتفاع في الأعداد قد يأتي من الخارج وبأسرع من المتوقع، ومن الشواهد الإحصائية، أن الذكور غير السعوديين في مدينة الرياض، أكثر من السعوديين بمليون نسمة، وعددهم فيها أربعة ملايين. لاحظت أيضاً تفوق أعداد السعوديين على السعوديات في الإحصاءات، وبفارق مئتي ألف نسمة، واستناداً للأرقام الرسمية وصل عدد السعوديين إلى 9 ملايين و500 ألف وبنسبة 50.2 %، بينما توقف عدد السعوديات عند 9 ملايين و200 ألف وبنسبة 49.18 %، وهذا الفارق الديموغرافي ما بين الجنسين غير مريح، إلا إذا تم تعويضه بإقرار تشريعات مؤقتة تتم مراجعتها لتمديدها أو وقفها بمجرد توازن المعادلة، وبحيث تشجع على زواج السعودي من غير السعودية، بجانب منع الزواج بأكثر من سعودية، وتغريم المخالفين بما يتواءم وتجسير هذه الفجوة، وقبل ثلاثين عاماً كان معدل الخصوبة والولادات للمرأة السعودية الواحدة يصل في المتوسط إلى ستة أطفال، ولكنه تراجع في التقديرات اللاحقة وفي إحصاء 2022 إلى ثلاثة مواليد، أو بمقدار النصف، ومن الأسباب المعروفة لانخفاض الخصوبة في العالم؛ الاستقلال المالي والمكاني للمرأة، وخروجها إلى العمل، وتأجيلها لفكرة الزواج أو الارتباط الدائم إلى سن متأخرة. الشيء الآخر هو الدقة في الإحصاء ووصولها إلى نسبة 95 %، ومع أنها في شكلها الخارجي تبدو إيجابية إلا أن الإحصائيين السعوديين يعتبرونها غير كافية، ولا تقترب من المعايير العالمية، لأن هامش خطأ بنسبة 5 % في التعداد السكاني يساوي خطأ في التعداد وتفاصيله قد يطال مليون نسمة من إجمالي عدد السكان، وهم يستدلون بالولايات المتحدة التي لا تقبل بدقة إحصائية تقل عن 99 %، ولدرجة أنها صرفت على التعداد 14 مليار دولار عام 2010، وفي أميركا يقوم مجموعة من المختصين في الإحصاء وفي التركيبة السكانية وفي علمي الاجتماع والبيانات بتقديم قراءاتهم وملحوظاتهم على التعداد، بعد إنجازه وقبل إعلانه، وبأسلوب شفاف وصريح، ولا أعلم إذا كانت الممارسة موجودة في هيئة الإحصاء. قاعدة البيانات الإحصائية مهمة للغاية، وتحديداً في اتخاذ القرار الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي، والمستثمر الأجنبي والمحلي يركز على حجم الإنفاق، وهو يرتبط ارتباطاً كاملاً بالتعداد والكثافة السكانية، إضافة إلى التوزيع الجغرافي للسكان، والذي يهم المستثمرين في تحديد الأماكن المناسبة لاستثماراتهم، واستناداً للإحصاء الجديد، بافتراض دقته، فالمجتمع السعودي في معظمه لم يتجاوز الثلاثينات من عمره، والأفضل أن تكون السياسات والاستراتيجيات والقرارات المختلفة موجهة لهذه الفئة بصورة أكبر.