احتفل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأنصاره أمس الاثنين بالفوز الانتخابي الذي مكَنه من تمديد حكمه ليدخل عقدا ثالثا بينما استعدت المعارضة التركية، التي كانت متفائلة في فترة من الفترات بإمكانية الفوز، "لأيام صعبة". ووصف منافسه كمال كليتشدار أوغلو الانتخابات بأنها "أكثر انتخابات غير عادلة منذ سنوات" لكنه لم يشكك في النتيجة. ومنح الفوز الانتخابي أردوغان تفويضا لمواصلة سياساته التي تسببت في الآونة الأخيرة في استقطاب في تركيا وتعزيز موقع بلاده كقوة عسكرية في المنطقة. واعتُبرت الانتخابات أكبر تحد سياسي يواجهه أردوغان إذ كانت المعارضة واثقة من قدرتها على الإطاحة به والتراجع عن السياسات التي ينتهجها بعد أن أظهرت استطلاعات رأي أن أزمة الارتفاع الحاد في تكلفة المعيشة أضعفت موقفه. لكنه تمكن من الحصول على 52.2 بالمئة من الأصوات بينما حصل كليتشدار أوغلو على 47.8 بالمئة. وعزز ذلك من صورته كشخص لا يُهزم في دولة أصبح الانقسام فيها عميقا وأعاد هو تشكيل سياساتها الخارجية والاقتصادية والأمنية. واحتفلت صحف موالية للحكومة، هي جزء من مشهد إعلامي يغلب عليه التأييد لأردوغان ودعم حملته الانتخابية، بفوزه. وجاء عنوان صحيفة الصباح التركية "فاز رجل الشعب... فتحنا الباب لقرن تركيا". وقالت صحيفة حريت اليومية بجوار صورة للحشود الضخمة التي اجتمعت خارج القصر الرئاسي في العاصمة أنقرة خلال الليل لتستمع لخطابه بعد الفوز "النصر حليف أردوغان مجددا... والرابحة هي تركيا". وقال أردوغان للحشود "الرابحة هي ديمقراطيتنا... الوقت قد حان لوضع خلافات وصراعات فترة الانتخابات جانبا ولأن نتحد حول أهداف أمتنا". وهبطت الليرة لمستوى متدن قياسي جديد أمام الدولار وسجلت 20.065. وفقدت العملة التركية 90 بالمئة من قيمتها في العقد المنصرم بسبب أزمة في العملة وتضخم منفلت. والخسائر الأحدث في قيمة العملة مدفوعة بالغموض الذي يكتنف ما يعنيه فوز أردوغان للسياسة الاقتصادية. وألقى معارضون لسياساته بمسؤولية الانخفاض الحاد في قيمة العملة على نهج اقتصادي غير تقليدي اتبعه شمل خفض أسعار الفائدة وهو ما كانت المعارضة قد تعهدت بالتراجع عنه. وقال أردوغان إن التضخم الذي بلغ ذروة 24 عاما وسجل 85 بالمئة العام الماضي قبل أن يبدأ في التراجع هو القضية الأكثر إلحاحا بالنسبة له في تركيا. أيام صعبة تولي أردوغان الحكم لخمس سنوات أخرى تعتبر ضربة كبرى للمعارضة التي اتهمته بتقويض أسس ديمقراطية وبالاستحواذ على سلطات أكبر فأكبر للرئاسة وهي اتهامات ينفيها. ورغم أنه دعا للوحدة، واصل أردوغان الضرب على وتر أساسي استخدمه في حملته الانتخابية واتهم كليتشدار أوغلو والمعارضة بالتحيز لإرهابيين دون أن يقدم دليلا. والحزب الرئيسي الموالي للأكراد هو ثالث أكبر حزب في البرلمان وهو من بين أحزاب المعارضة المناهضة لأردوغان ومتهم بأن له صلات بمسلحين أكراد وهو ما ينفيه ذلك الحزب. وقال أتيلا يسيلادا المحلل لدى جلوبال سورس بارتنرز "بالنسبة للمعارضة فالأيام القادمة صعبة جدا" متوقعا المزيد من التحركات القضائية بحق الحزب الكردي، وقال إن من غير الواضح إن كان تحالف المعارضة سيبقى كما هو. وستقلق هزيمة كليتشدار أوغلو على الأرجح حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي إذ تسببت صلات أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إثارة مخاوفهم. وهنأ بوتين "صديقه العزيز" أردوغان بالنصر. وكتب الرئيس الأمريكي جو بايدن على تويتر "نتطلع لمواصلة العمل معا كحلفاء في حلف شمال الأطلسي على القضايا الثنائية والتحديات العالمية المشتركة". وتعرضت العلاقات الأمريكية مع تركيا لعدة عقبات منها رفض أردوغان انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي وعلاقة أنقرة الأوثق بموسكو والخلافات المتعلقة بسوريا. مشكلات اقتصادية فوز أردوغان مدد حكمه الأطول لتركيا منذ أسس مصطفى كمال أتاتورك دولة تركيا الحديثة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية قبل قرن وهي ذكرى لها أثر سياسي قوي من المقرر أن يتم إحياؤها في أكتوبر. وناشد أردوغان، زعيم حزب العدالة التنمية الذي له جذور إسلامية، الناخبين بخطاب قومي ومحافظ في حملة انتخابية خلافية حولت الانتباه بعيدا عن المشكلات الاقتصادية. وقال كليتشدار أوغلو، الذي تعهد حال فوزه بوضع البلاد على مسار أكثر ديمقراطية وتعاونا، إن التصويت أظهر إرادة الشعب على تغيير الحكم السلطوي "الذي كل ما يعنيه هو أن تقف الدولة على ساقي رجل واحد". وأربك أداء أردوغان القوي معارضيه الذين اعتقدوا أن الناخبين سيعاقبونه على استجابة الدولة التي اتسمت في البداية بالبطء لكارثة الزلازل التي حلت بها في فبراير شباط وقُتل فيها أكثر من 50 ألفا. لكن بعد الجولة الأولى في 14 مايو والتي شملت انتخابات برلمانية، خرج حزب العدالة والتنمية بأكبر عدد من الأصوات في عشرة أقاليم من أصل 11 ضربتها الزلازل مما ضمن له التمتع بأغلبية برلمانية مع حلفائه. الليرة تهبط لمستوى متدن قياسي (رويترز)