تعتبر المراكز التجارية (المولات) أحد أهم الملامح التي تميز المدن المزدهرة اقتصادياً وتجارياً، فضلاً عن تصميمها كأحد المعالم المعمارية في المدن، فالتصميم المعماري الفخم يظل إحدى السمات الرئيسية للمراكز التجارية، فكثير من المراكز تُبنى على أحدث التصاميم المعمارية التي تحاكي الطراز العالمي الحديث مما يجعلها قبلة لأصحاب المحال التجارية الفخمة والشركات التي لا تتردد في اختيار أحد مباني هذه المراكز كمقار لها. نمط استثماري جديد تعود فكرة المراكز التجارية في السعودية إلى ما قبل 48 عاماً، حيث شهدت العاصمة الرياض إنشاء أول مركز تجاري بمواصفات حديثة وهو مركز مكة التجاري، وبعد نجاح التجربة أخذت مشاريع المطورين العقاريين في صناعة المراكز التجارية في الزيادة في مختلف مدن السعودية كأحد الشواهد على قوة الاقتصاد السعودي. وتتصدر العاصمة الرياض التي يقدر عدد سكانها بنحو 8,6 ملايين نسمة ومعدل نمو يزيد على 7 في المئة المدن السعودية في عدد المجمعات التجارية والتي يبرز آخرها «الأڤنيوز - الرياض» الذي يعّد من أضخم المشاريع التجارية المتعددة الاستخدامات في السعودية، وسيتضمّن واحداً من أكبر مراكز التسوّق في العالم. وجهة رئيسية للعائلات ويعتبر قطاع تجارة التجزئة في السعودية السوق الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، حيث مثلت منفردة حوالي ثلثي مبيعات التجزئة في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2018م وسط توقعات بنمو قطاع التجزئة السعودي بمعدل سنوي مركب 5 % بين عامي 2019م و2021م. ويعكس ذلك فرادة الهيكل الديموغرافي في المملكة والذي يعد بيئة خصبة للإنفاق في قطاع تجارة التجزئة، ولا سيما بفضل تواجد شريحة سكانية كبيرة من فئة الشباب، وكما هو الحال في باقي دول الخليج؛ هناك ثقافة سائدة بالمجتمع السعودي تقوم على تفضيل المجمعات التجارية باعتبارها وجهة رئيسية لقضاء أوقات الفراغ وممارسة الأنشطة الاجتماعية والترفيهية والرياضية، حيث يدفع المناخ الحار بالخليج عمومًا إلى زيادة الطلب على بيئة المراكز التجارية مكيّفة الهواء. تجارة التجزئة ويعد قطاع تجارة التجزئة من أبرز المستفيدين برؤية المملكة 2030، وهي الخطة الطموحة التي تنفذها المملكة لتنويع الاقتصاد وتطوير القطاعات غير النفطية، حيث تلتزم الحكومة وفق رؤية 2030 بخلق مليون فرصة عمل إضافية للمواطنين السعوديين. ويقع قطاع التجزئة في القلب من الجهود الرامية لتعزيز النموّ في السنوات القادمة حتى عام 2030، وهو الهدف الذي سيتم تحقيقه من خلال تيسير نمو القطاع عن طريق اجتذاب العلامات التجارية المحلية والإقليمية والعالمية، مع التركيز على تأسيس المراكز المنظمة والكبيرة ذات الطابع العصري. وقد بُذلت جهود مضنية لتطوير وتنمية قطاع الترفيه السعودي وزيادة معدلات الإنفاق العائلي على الخدمات والمنتجات الترفيهية والثقافية. وتنظر الجهات المختصة بتنمية قطاع تجارة التجزئة في المملكة إلى مراكز التسوق باعتبارها الوجهات المثالية لتطوير محاور الترفيه، بما في ذلك إطلاق دور السينما التي تم زيادة عددها حديثًا، وهو ما يعكس إيجابًا نمو عدد مرتادي المراكز والمجمعات التجارية. تطوير قطاع التجزئة وضمن مبادرة تطوير ورفع جودة المتاجر في قطاع التجزئة التي أطلقتها وزارة التجارة وتهدف إلى العمل على رفع وتطوير جودة متاجر التجزئة في مختلف قطاعاتها الفرعية والعمل على تحديد مواصفات ومعايير تضمن جودة المتاجر والمنتجات المعروضة فيها بما يضمن سلامة المعروض وحماية المستهلك لتقديم خدمات أفضل للعميل وزيادة المردود على الاقتصاد، كما سيتم تطوير هذه المتاجر من خلال توفير فرص للمستثمر الأجنبي في دخول قطاع التجزئة من خلال منح الامتياز التجاري أو الدخول بوكالات عالمية في السوق السعودي بما يضمن خلق فرص أكثر للمنافسة والحصول على العملاء وتحفيز المتاجر المحلية لمواكبة هذه المواصفات، وبالتالي تطوير المتاجر بشكل كبير، كما تهدف المبادرة في المساهمة في تمكين المواطن السعودي والمواطنة السعودية من العمل من خلال توفير حلول تمويلية من صناديق التمويل الحكومية بدون فوائد أو من البنوك التجارية بفوائد ميسرة تضمن الاستمرارية وسوف يتم العمل على إعطاء هذه التسهيلات حسب الأولية في المناطق بحسب الأهمية والتشبع في كل منطقة والربحية. مرونة قطاع التجزئة وقد تصدرت المملكة دول مجلس التعاون الخليجي وفي المرتبة 12 عالمياً لتطور تجارة التجزئة وفقاً للمؤشر العالمي والصادر عن كيرني، شركة الاستشارات الإدارية الرائدة عالمياً، ما يؤكد مرونة قطاع التجزئة في المملكة نتيجةً للإصلاحات الحكومية. وتصنّف الدراسة 35 دولة ناشئة تبعاً لمجموعة تضم 26 عاملاً وأربعة متغيرات رئيسية لتحديد الأسواق المتنامية والجذابة والخالية نسبياً من المخاطر. وحققت التغييرات في اللوائح المنظمة لعمل قطاع تجارة التجزئة في المملكة مزيداً من الشفافية في العمليات وسهّلت على الشركات الجديدة دخول السوق، وساهمت إجراءات الحوكمة القوية مع الالتزام بتعزيز قوانين حماية المستهلك في زيادة الاستثمار الأجنبي، ما أدى إلى زيادة المتاجر التقليدية وارتفاع معدل نمو المبيعات بنسبة 3.5 %، كما دفعت الاستراتيجيات التطلعية التي اعتمدتها مؤسسة النقد العربي السعودي لإلزام تجار التجزئة بقبول المدفوعات الإلكترونية نحو تسريع عملية اعتماد نظم الدفع الرقمية، ما عمل على الحدّ من التحيّز نحو المدفوعات النقدية. ومن المتوقع أن تبلغ قيمة سوق التجارة الإلكترونية 21 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025، مدفوعةً بالاستراتيجيات متعددة القنوات التي اعتمدها تجار التجزئة خلال الأزمة الصحية العالمية. تحول المولات إلى مدن وأوضح عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبدالله بن أحمد المغلوث بأن رؤية المملكة 2030 تشكل نقطة تحول في صناعة وإدارة وتشغيل المراكز التجارية في المملكة بعد أن تطورت الأسواق التجارية في المملكة خلال العشرين عاماً الماضية لتصل إلى حالة من النضج، ثم إلى ظاهرة التخصص والتكامل حيث تحولت المولات إلى مدن تسوق تشمل كافة السلع التي تتطلبها الأسرة تحت سقف واحد. وبيّنّ أنّ التوسع الكبير الذي تشهده مدن المملكة الكبرى زاد من صناعة مراكز التسوق فيها خصوصاً الرياض، مما أثمر عن ولادة العديد من المراكز التجارية على مدى السنوات العشر الماضية تجاوزت تكلفة إنشائها أكثر من 70 مليار ريال، وأصبحت المدينة الواحدة تضم العديد من المراكز الكبيرة مما زاد من التنافس بينها؛ الأمر الذي دفع العديد من ملاّك ومديري تلك المراكز إلى الابتكار في وسائل التسويق والترويج لها، بما في ذلك استقطاب أكبر الماركات العالمية والمطاعم والمراكز الترفيهية، لجذب المزيد من الزوار. مراكز شمولية جاذبة وتعد المراكز التجارية من أكثر الجهات تفاعلاً مع التحولات الاقتصادية في المملكة، وخاصة مع رؤية 2030 حيث إنها واكبت التغيرات الاقتصادية فأصبحت معها مراكز جذب أكثر منها مجرد نقاط بيع كما كان الحال قبل عقدين، والتغيير في أسلوب التسويق جاء نتيجة طبيعية للمنافسة وانتشار المراكز. وساهمت البيئة الطبيعية للمملكة، ودخول البلاد لفترة طويلة من الأجواء الصيفية في جعل المراكز التجارية مكاناً تلتقي فيه الأسر. فالمراكز لم تعد مراكز بيع، بل أماكن للترفيه والتجمع، وملتقى لفعاليات مبادرات الرؤية وخاصة في مجال الترفيه فأصبحت نقاطاً لجذب المواطنين والوافدين. نظرة شمولية وبات ينظر حالياً للمراكز بنظرة شمولية أكبر؛ مما سيتطلب من المراكز أن تكون مخرجاتها في بيئة العمل ونوعية الخدمة على درجة تناسب متطلبات جودة الحياة والمحافظة على البيئة، كما قد نرى المراكز تساعد على ترسيخ ثقافة الرياضة سواء باحتوائها على مراكز رياضية أو حتى توسعة الممرات بداخلها لتساعد على رياضة المشي، وكذلك في تعزيز الوعي الصحي. ومن الناحية الاقتصادية ساهمت المراكز التجارية أكثر من أي قطاع آخر في عملية التوطين كون معظم الوظائف فيها لا تتطلب خبرات عالية وتخصصات دقيقة ونادرة. وأوضح د.المغلوث: "ولرؤية المملكة تأثير كبير على كافة قطاعات الاقتصاد، وإن المراكز التجارية كنشاط تطوير عقاري تعد من المتأثرين الرئيسيين إيجاباً لأن هناك نشاطات عديدة أضيفت للاقتصاد في الترفيه تحديداً، حيث تعتبر المراكز التجارية أحد اللاعبين الرئيسيين في تقديم خدمات الترفيه، وتأتي المراكز التجارية كأحد أهم الوجهات لتنفيذ الحملات التوعوية والمبادرات المجتمعية للجهات الحكومية وغير الربحية. كما تعد الوجهة المفضلة للحملات الإعلانية للشركات والبنوك؛ إذ افتتح الكثير من مراكز خدمات العملاء داخل مراكز تجارية لتحقق اتصال مباشر بالعملاء والمستهلكين، ومع تحقيق المراكز التجارية لكل تلك المتطلبات الرامية لتمثيل رؤية 2030 واقعاً يعاش على أرضها نأمل أن تكون تجارتها مثالاً يحتذى لبقية القطاعات". ألعاب الأطفال إحدى أهم خدمات المولات مراعاة البيئة في التصاميم