من المعلوم لدى كثير من اللغويين، والنقاد، أن (السيمياء)، أو (السيميوطيقا) هي علم العلامات المرتبط بالمعنى، وقد أصبحت اليوم منهجاً علمياً يستخدم في الدراسات، والبحوث، ويطبق على المدونات الأدبية، وقد راج المصطلح عند الغربيين، وتوسعوا فيه، فمنحوه اهتماماً منقطع النظير، حتى ظهرت دراساتهم بشيء من التميز، والجدة، ونبغ في هذا الاتجاه غير واحد، من أمثال: (فرديناند دي سوسير، وشارل ساندرز پيرس، وفلاديمير پروپ، ولويس خورخي پرييتو، وأومبيرتو إيكو، وألخيرداس جوليان غريماس، وتشارلز موريس، ورولان بارت، وتوماس سيبوك)، وغيرهم، ثم تأثر العرب نقديًّا بجهود هؤلاء، وترجموا بعض أعمالهم، كما هو الحال عند الناقد المغربي سعيد بنكراد، ومن نحا نحوه من النقاد. على أن الذي يهمنا الآن هو أن نعود بأصول هذا المنهج النقدي (السيميولوجي) إلى أصله اللغوي العربي المتمثل بكلمة (سيمياء)؛ إذ هي لفظة عربية أصيلة مشتقة من الجذر اللغوي (وسم)، ومن الفعل (سام)، و(سوم)، وقد حصل فيها قلب مكاني؛ حيث قلبت الواو ياءً، فصارت (سيم)، ومنها (سيما)، و(سيماء)، و(سيمياء)، وقد استعملت بالقصر (سِيمَى)، وبالمد (سِيما) مخففة من الهمز، وبعضهم يثبتها مع المد (سيماء)، و(سيمياء)، وهي في كل هذه التحولات الصرفية تشير إلى العلامة. وعندما نتدبر بعض آيات القرآن الكريم نجد هذه الكلمة ترد في نفس المعنى، حيث وردت بهذا المفهوم (العلامة) في أكثر من آية، كما في قوله تعالى: «تَعْرِفُهُم بِسِيمهُمْ لَا يَسَْلُونَ 0لنَّاسَ إِلْحَافًا»، وقوله تعالى: «وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ»، وقوله تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ»، وقوله تعالى: «وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ»، وقوله تعالى: «سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»، وقوله تعالى: «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ»، وأجمع أكثر المفسرين على أن معاني (السيما) هنا تشير إلى العلامة على الشيء. كما جاء هذا المعنى (العلاماتي) في الحديث النبوي الشريف، ففي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: «يَخْرُجُ ناسٌ مِن قِبَلِ المَشْرِقِ، ويَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ تَراقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فيه حتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إلى فُوقِهِ، قيلَ ما سِيماهُمْ؟ قالَ: سِيماهُمُ التَّحْلِيقُ - أوْ قالَ: التَّسْبِيدُ -»، وجاء في شرح الحديث: سيماهم: أي علامتهم، وأوصافهم. وحينما نقرأ كتاب (الكامل في اللغة والأدب) للمبرد (285ه)، وهو أحد أركان الأدب وأعمدته، يطالعنا هذا النص الذي يؤكد ما ذكرنا: «ومعنى قوله: سيما الخسف تأويله علامة، هذا أصل ذا (...) وقال أبو عبيدة في قوله عز وجل: «مسومين»، قال: معلمين واشتقاقه من السيما التي ذكرنا (...) وأما في قوله عز وجل: «حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك» فلم يقولوا فيه إلا قولاً واحداً، قالوا: معلمة، وكان عليها أمثال الخواتيم، ومن قال: (سيما) قصر، ويقال في هذا المعنى: سيمياء، ممدود، قال الشاعر: غلام رماه الله بالحسن يافعاً / له سيمياء لا تشق على البصر واليوم يستعمل أهل الإبل (الوسم) علامة عليها، كما يستعمل (الوسم) اليوم في (تويتر)، ويُقصد به (الهاشتاق) علامة على شيء مهم، وسمة كل شيء علامة عليه، والجمع سمات.