شهدت الأسواق المالية العالمية أسبوعاً حافلاً آخر كانت فيه تداولات الأسهم العالمية قريبة من أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث انتعشت أرباح الشركات، وحافظت البنوك المركزية على مكانتها الداعمة وسط انتشار كوفيد- 19، فيما يضغط الرئيس الأميركي بايدن لتسريع حزمة المحفّزات التي اقترحها. ووفقاً لتقرير مجموعة ساكسو العالمية، يأتي ذلك بعد أسبوع واحد فقط من المعاناة التي عاشتها البورصة جرّاء التصحيح القصير والحادّ الناجم عن مخاوف من قدرة الهجمات التي حفزها المشتركون في منصة ريديت، والتي استهدفت الأسهم المباعة على المكشوف والفضّة، على زعزعة استقرار الأسواق، وإطلاق شرارة اندفاعٍ على السيولة مماثل لما شهدناه خلال المراحل الأولى من أزمة كوفيد- 19 في عام 2020.، وارتفعت تداولات السلع بوجود جيوب من الضعف تركّز أغلبها في المعادن الثمينة، حيث عانت الفضّة من تصحيح كبير بعد المحاولة الفاشلة لفرض مأزق وهمي على عمليات البيع على المكشوف، وزاد تصحيح الفضّة من ضعف الذهب الذي عانت تداولاته في الحدّ من ارتفاع الدولار، الذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ أكتوبر، وتأثّرت بالقفزة المتجددة في عائدات السندات على خلفية ارتفاع التوقعات بالنمو والانتعاش في الولاياتالمتحدة الأميركية، بدلاً من مخاوف ارتفاع التضخّم. ومع ذلك، يتجه التضخّم فعليّاً نحو الارتفاع كما يتضح من ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود، فضلاً عن الاختناقات في خطوط الإمداد والنقل العالمية، والتي تؤدي إلى ارتفاع التكاليف؛ حيث ازدادت تكاليف نقل البضائع في الحاويات من الصين إلى بقية دول العالم بنسبة بين ثلاثة إلى أربعة أضعاف، ما فرض تكلفة إضافية على أسعار السلع الغذائية المرتفعة أصلاً مثل فول الصويا والذرة، ويشكل التضخّم نقطة تركيز نثق بأنها ستواصل النموّ خلال الشهور المقبلة، لا سيما فور أن تبدأ الأرقام الرئيسة بمعاكسة الارتفاع السنوي في تكاليف الوقود، والذي بدأ في أبريل الماضي. كما شهد قطاع الطاقة أسبوعاً قويّاً، حيث ارتفعت تداولات النفط الخام بنسبة 8 %، وازدادت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 17 % بناء على توقعات الطقس البارد والانخفاض الأسبوعي الكبير وغير الاعتيادي في المخزونات. وفي الوقت نفسه، تتجه أسعار برميل خام برنت نحو المقاومة عند 60 دولاراً أميركياً، بما يمثل ارتداداً بنسبة 61.8 % من الذروة في عام 2018 إلى المستوى المنخفض في عام 2020، ويستند ذلك إلى تشديد السوق القائم على التوقعات بالتزام أوبك بلس بدعم المزيد من مكاسب الأسعار عبر تقييد الإمدادات العالمية، بينما تتحسّن توقعات الطلب مع زيادة انتعاش حركة التنقل العالمية بفضل التوصل إلى لقاح. ويبقى الطلب على المضاربة قوياً، مع دعم إضافي يتمثل في الرغبة المستمرة بالمخاطرة، والتي شوهدت في أسواق البورصة المرتفعة. وتستند الأسعار في السوق إلى الاعتقاد بأن انهيار الأسعار في العام الماضي، إضافة إلى زيادة تركيز المستثمرين على الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، قد تُحدِث عجزاً في المستقبل جرّاء نقص الاستثمارات الموجّهة للاستكشاف. لكن قبل الوصول إلى تلك المرحلة، ينبغي أن يشهد الطلب العالمي انتعاشاً نحو معدلاته في العام الماضي عند 100 مليون برميل يومياً، بدلاً من 94 مليون برميل يومياً في الوقت الراهن، بينما تعود أوبك بلس ببطء إلى مستوى إنتاج 7 ملايين برميل يومياً الذي ما زال محدوداً. وخلال الشهور الستة الماضية، ارتفع مؤشر بلومبرغ للسلع الزراعية، والذي يتتبّع أداء تسع سلع زراعية لفول الصويا والحبوب والسلع الخفيفة، بنسبة 41 % ووصلت أعلى مستوياتها في أربع سنوات تقريباً. وتمثلت الدوافع الرئيسة للزيادة في تداولات بورصة شيكاغو من الذرة (+66 %) وفول الصويا (+56 %)، وقد وصل كلاهما لأعلى مستوياتهما في سبع سنوات، واستند الارتفاع الحادّ إلى توجّه الصين نحو شراء فول الصويا والذرة مؤخراً في إطار مساعيها لاستعادة احتياطها من الحبوب، والمخاوف من الطقس الجاف في أميركا الجنوبية، والضريبة التي فرضتها روسيا على صادرات القمح، والإنتاج الأقل من المتوقع للمحاصيل الرئيسة في الولاياتالمتحدة الأميركية، وعلاوة على كل ذلك، تشهد الأسواق مزيجاً من قوة الزخم والأساسيات المحفّزة لحجم قياسيّ من المضاربات في المحاصيل الرئيسة، بينما دفعت الاضطرابات المستمرّة في قطاع الشحن أسعار شحن الحبوب والبذور الزيتية نحو أعلى مستوياتها منذ أكتوبر 2019. ودفعت هذه التطورات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة للتحذير من قدرة المسار الحالي للأسعار على إحداث مشكلة كبيرة للدول الفقيرة التي تعتمد على الاستيراد؛ حيث أظهر مؤشرها لأسعار الغذاء أطول خط ارتفاع شهري منذ عشر سنوات، بعد أن قفز بنسبة 4.3 % في يناير لإظهار زيادة سنوية تجاوزت نسبتها 10 %.