الأخضر السعودي 18 عاماً يخسر من مالي    الإبراهيم: تشجيع الابتكار وتطوير رأس المال البشري يسرعان النمو الاقتصادي    النفط يستقر فوق 88 دولاراً.. وأسهم أمريكا تتراجع    «الرابطة» تُدين استمرار الاحتلال ارتكاب جرائم الحرب في غزة    الإبراهيم: إستراتيجياتنا تحدث نقلة اقتصادية هيكلية    الراقي في اختبار مدرسة الوسطى.. الوحدة والفيحاء يواجهان الحزم والطائي    ميندي وهندي والنابت مهددون بالغياب عن الأهلي    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    أدوات الفكر في القرآن    4 نصائح طبية عند استعمال كريم الوقاية من الشمس    الملك يغادر المستشفى بعد استكمال فحوصات روتينية    بيع "لوحة الآنسة ليسر" للرسام كليمت بمبلغ 32 مليون يورو    الأوبرا قنطرة إبداع    في ذكرى انطلاقة الرؤية.. مسيرة طموحة لوطن عظيم    الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج طلبة «كلية الأعمال» في جامعة الفيصل    حزب الله يطلق عشرات الصواريخ على إسرائيل ردّاً على مقتل مدنيين    تهدئة التوتر بين القوتين الاقتصاديتين في العالم    اللهيبي تُطلق ملتقى «نافس وشركاء النجاح»    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    لا تستعجلوا على الأول الابتدائي    "5 ضوابط" جديدة بمحمية "الإمام تركي"    سوناك وشولتس يتعهّدان دعم أوكرانيا "طالما استغرق الأمر" (تحديث)    مين السبب في الحب ؟!    مشاهدات مليارية !    أهلاً بالأربعين..    مساعد رئيس مجلس الشورى تلتقي بوفد من كبار مساعدي ومستشاري أعضاء الكونغرس الأمريكي    النفع الصوري    حياكة الذهب    هلاليون هزموا الزعيم    إجراء أول عملية استبدال ركبة عبر «اليوم الواحد»    زراعة 2130 شجرةً في طريق الملك فهد بالخبراء    166 مليار ريال سوق الاتصالات والتقنية بالسعودية    مسبح يبتلع عروساً ليلة زفافها    "إكس" تطلق تطبيقاً للتلفاز الذكي    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    اكتشاف بكتيريا قاتلة بمحطة الفضاء الدولية    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    961 مليونا ً لمستفيدي «سكني»    أمير الشرقية: القيادة تولي العلم والتنمية البشرية رعاية خاصة    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    دورة تأهيلية ل138 مستفيداً ومستفيدةً من برنامج الإعداد للابتعاث    مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب    رسالة فنية    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    الإسباني "خوسيلو" على رادار أندية الدوري السعودي    عيدية كرة القدم    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    جاسم أحمد الجاسم عضو اتحاد القدم السابق ل"البلاد": الهلال يغرد خارج السرب.. وحديث المجالس وضع" هجر" في مهب الريح    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    قطاع القحمة الصحي يُنظّم فعالية "الأسبوع العالمي للتحصينات"    أمير عسير يواسي أسرة آل جفشر    أمير حائل يرفع الشكر والامتنان للقيادة على منح متضرري «طابة» تعويضات السكن    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته ال 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14    أمير تبوك: عهد الملك سلمان زاهر بالنهضة الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أميركا تنتخب.. والعالم يترقب
نشر في الرياض يوم 02 - 11 - 2020

باتت انتخابات الرئاسة الأميركية، المقرر إجراؤها اليوم، والتي سيختار فيها الأميركيون بين المرشح الجمهوري الرئيس الراهن دونالد ترمب، والمرشح الديموقراطي جو بايدن، الحدث الرئيس في وسائل الإعلام الدولية، لما تحمله من تأثير على الاقتصاد العالمي، وعلى سياسات القوى العظمى، والصراعات التي تعتمر في العالم.
وأضحى الناخب الأميركي أمام اختيار صعب بين المرشحين مع تضارب نتائج مراكز الاستطلاع الأميركية بين مؤكدة لانتصار المرشح الجمهوري، وأخرى مشجعة لحظوظ المرشح الديموقراطي.
وما يعنينا في دراستنا هذه الإجابة على السؤال الأكثر طرحاً وتداولاً: هل ستتغير السياسة الأميركية تبعاً لتغيير الإدارات الرئاسية، أم أن الإدارات السابقة واللاحقة محكومة بسياسة معدة مسبقاً من قبل البنتاغون الذي ترسم سياساته دوائر مختصة، وتقوم على تنفيذها الإدارات المتعاقبة؟
كما ستتطرق الدراسة إلى إنجازات وإخفاقات الإدارة الراهنة، وتحليلات استشرافية لسياسة كلّ من المرشحين، داخلياً وخارجياً.
أولاً: الإنجازات والإخفاقات الداخلية
اختلفت سياسية الرئيس ترمب عن سلفه باراك أوباما، حيث كرّس اهتماماته داخلياً حول الأمن وقضايا الاقتصاد على حساب الكثير من القضايا الدولية التي اتسمت بالتأرجح وعدم الاستقرار منذ توليه السلطة في 20 يناير 2017م.
أ. الإنجازات الداخلية:
تكمن نجاحات سياسة الرئيس ترمب على الصعيد الداخلي في الملف الاقتصادي، من خلال المؤشرات التي تبيّن تراجع معدل البطالة عند مستوى 3,7 % كأقل مستوى له منذ السبعينات، مع خلق الكثير من الوظائف، وتجاوز الناتج المحلي الإجمالي حاجز العشرين تريليون دولار، ما يمثل 25 % من الاقتصاد العالمي.
كما اتخذ الرئيس ترمب سياسة فعالة من أجل تحفيز الإنتاج الأميركي، لتغطية الاحتياج الداخلي، بعد أن تعرضت السوق المحلية الأميركية لمنافسة حادة من المنتجات المستوردة، خصوصاً من الصين.
فالإنجازات التي حققها نلمسها من خلال الخطاب السنوي «حالة الاتحاد» الذي يُعدّ إحدى القنوات الرئيسة لمخاطبة الرأي العام، أشاد الرئيس ترمب أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي (مجلسي النواب والشيوخ) في مبنى الكابيتول في 4 فبراير 2020م، بقوة الاقتصاد الأميركي، إذ يُعدّ هذا الخطاب السنوي إحدى القنوات الرئيسة لمخاطبة الرأي العام، ومن هنا يتبين أن الرئيس الأميركي استثمر الخطاب كجزء لإطلاق حملة إعادة ترشحه.
الانتخابات الأميركية وأثرها على السياسة الدولية
ب. الإخفاقات الداخلية:
على الرغم من كلّ ما حققته إدارة الرئيس من نجاح غير مسبوق لانتعاش الاقتصاد الأميركي، إلاّ أنّ هناك ملفات معقدة تقف كتحدٍّ يواجه الرئيس ترمب في الانتخابات، ويتصدرها ملفا كورونا والعنصرية:
1 - ملف كورونا
فقد تعامل الرئيس ترمب مع انتشار فيروس كورونا بشكل سيئ أدى إلى تفاقم الأعداد وازدياد الإصابات في جميع الولايات، في المقابل الحفاظ على قوة الاقتصاد.
فلم يشكّل الرئيس ترمب منذ بداية الأزمة لجنة لدراسة الحالة ومدى خطورتها؛ بل شكلّت تصريحاته عاملاً خطيراً ومساعداً على تفشي الوباء.
وقد غرّد في 24 يناير 2020م على حسابه في تويتر: «كل شيء سيعمل بشكل جيد»، ثم صرّح في 30 يناير 2020م في خطابه في ميتشغان: «الأمور تحت السيطرة بشكل جيد، ولدينا خمس حالات، وهي مشكلة صغيرة، وسوف يتعافون».
كما اتسمت تصريحاته بعدم الانضباط في التعامل مع الأزمة، فقد صرح في 31 يناير 2020م أن أزمة تفشي المرض سوف تنتهي في 10 من فبراير، وبعدها تنبأ بانتهاء الأزمة بحلول الربيع واعتدال الجو مع بداية أبريل، بينما انعكست الحال بتفشي المرض وازدياد الوضع سوءاً، ثمّ صرّح في 19 فبراير 2020م أن الوضع سوف يتحسن تدريجياً، في حين أعلنت منظمة الصحة العالمية أن المرض تفشى في 30 دولة، وأصبح يتضاعف بصورة كبيرة، بينما كان الرئيس ترمب مهتماً بسوق الأسهم وغير مبالٍ بخطورة الوضع.
وصرّح الرئيس في 29 فبراير 2020م «أننا لا حاجة لنا بتغيير أي شيء نفعله في حياتنا اليومية، ولا تزال المخاطر منخفضة....»، على الرغم من تحذيرات وكالة الاستخباراتية الأميركية مع بداية انتشار كورونا داخل الصين من مخاطره واحتمال انتقاله إلى الولايات المتحدة، إلاّ أن الرئيس قلل من خطره ووصفه بأنه «خدعة ديمقراطية» لمحاولة عزله.
بينما في بداية مارس 2020م أكد خبراء أميركيون أن عدد الإصابات بكورونا قد تصل إلى 215 مليون أميركي، وربما يتجاوز عدد الوفيات المئة مليون، وعلى الرغم من خطورة الوضع إلاّ أنّ الرئيس ترمب ما زالت الأولوية لديه الاقتصاد، متجاهلاً هذه الأرقام الكبيرة، حتى قال أخيراً في 16 مارس 2020م: «عند التحدّث عن فيروس كورونا فهو ليس تحت السيطرة في أي مكان بالعالم...»، وبدأ يلقي اللوم على الصين بشأن إخفاء المعلومات الحقيقية حول كورونا، في حين أعلن الرئيس الصيني في 20 يناير 2020م أن الفيروس يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وأنه من أخطر الفيروسات ولديه القدرة على الانتقال بين البشر سريعًا.
وأجرى أخيراً اتصاله بحكومة الولايات في 31 يناير 2020م للتنسيق مع الحكومة الفيدرالية للتنسيق حول الإجراءات المستجدة، وحرص على جعل الاقتصاد متماسكاً أمام الجائحة، فقام بتأجيل مدفوعات الضرائب من دون فوائد أو عقوبات، ثم وقّع على قانون العائلات الأولى، الذي يوفر الاختبار مجاناً، وإجازة مرضية مدفوعة الأجر.
وعلى الرغم من التحوّل في موقفه عندما أعلن حالة الطوارئ، وقانون الإنتاج الدفاعي الذي يسمح له بمطالبة الصناعات الكبرى بتحويل إنتاجها نحو صناعة الأجهزة الطبية لمواجهة الوباء، بالإضافة إلى ظهوره شبه يوميا لتقديم إحاطات إعلامية بحضور مسؤولي القطاع الصحي، إلا أنها جاءت متأخرة.
لذلك اتسمت سياسة الرئيس ترمب للتعامل مع الجائحة بالضعف والتخبط منذ بدايتها؛ لأنه تعامل معها من منطلق انتخابي وشخصي بحت، ما أفقده القدرة على تسيير الأزمة.
2 - خطاب العنصرية
منذ تولي الرئيس ترمب السلطة في 20 يناير 2017م، وهو يعمل على تغذية الانقسام العرقي والتعصب بين الأميركيين، وذلك لما تحتويه خطاباته وتصريحاته وتغريداته على تويتر من مفردات عنصرية، تجلت أبرزها في 15 يوليو 2019 قائلاً: « من المثير للاهتمام أن نرى عضوات ديمقراطيات تقدميات بالكونغرس، أتين أصلاً من بلدان تُعدّ حكوماتها كارثية تماماً، ومن بين الأسوأ أو أكثر فساداً وفقداناً للكفاءة في العالم، يتحدثن بصوت عالٍ وبشراسة إلى الشعب الأميركي، أعظم وأقوى دولة على وجه الأرض، عن كيف يجب أن ندير حكومتنا».
كما وجه انتقادات لاذعة لعضوات بالكونغرس من الحزب الديمقراطي مشككاً في انتمائهم، وطالباً منهن العودة إلى بلدانهن الأصلية: «إن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ستكون سعيدة للغاية لترتيب سفر مجاني سريعاً لهن»، فأثارت تغريداته انتقادات واسعة، حيث علّقت ميغان ابنة السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين: «هذه عنصرية».
واستمراراً لاستهداف أعضاء الكونغرس من أصول إفريقية، انتقد رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب إيليا كامينجز، واصفاً منطقته الواقعة في «بالتيمور» ب «فوضى مثيرة للاشمئزاز، وموبوءة بالفئران والقوارض».
ومع اندلاع أعمال العنف في 11 و12 أغسطس 2017م بمدينة شارلو تسفيل بولاية فيرجينيا بين متظاهرين من القوميين البيض ومحتجين مناوئين لهم، ودهس سيارة لأشخاص معارضين لمسيرة لليمين المتطرف، صرح ترمب بأن المسؤولية تقع على الطرفين، وهو ما أدى إلى إثارة موجة غضب بين أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز (بيو) للأبحاث في أبريل 2019م، أن 56 % من الأميركيين يقولون إن ترامب جعل العلاقات العرقية داخل الولايات المتحدة أسوأ مما كانت عليه في السابق.
كما استغل الديمقراطيون للفوز بالانتخابات حالة الغضب من تزايد جرائم العنصرية داخل المجتمع وخاصة عقب مقتل مواطن من أصل إفريقي «جورج فلويد» على يد شرطي في ولاية مينيسوتا، وانتشار الاحتجاجات في عدة ولايات سرعان ما تحولت إلى مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وهذا ما أستغله الديمقراطيون سياسياً ضد الرئيس ترمب بعدما فشلوا في عزله في فبراير 2020م بواسطة مجلس الشيوخ، وفي الوقت نفسه استثمار لمحاولة جذب أصوات الأميركيين السود لصالحهم في الانتخابات، خصوصاً عندما دعا جو بايدن إلى مواجهة الظلم العنصري، قائلاً: «إن الوقت قد حان لإلقاء نظرة فاحصة على الحقائق غير المريحة».
ثانياً: الإنجازات والإخفاقات الخارجية
ينطلق الرئيس ترمب من عقلية قومية استناداً إلى مبدأ «أميركا أولاً»، ويعدها أساس التحرك في سياسته الخارجية، كما جاء في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 24 سبتمبر 2019م، والذي تبنى فيه الفكر الواقعي منهجاً لترسيخ فكرة المصالح على القيم والمبادئ، مشيراً إلى أن «المستقبل لا ينتمي إلى المنادين بالعولمة بل ينتمي إلى الوطنيين»، ثم بيّن رؤيته لمستقبل النظام العالمي قائلاً: «إن سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في الواقعية القائمة على المبادئ تعني أننا لن نظل رهائن للمعتقدات القديمة والإيديولوجيات التي فقدت مصداقيتها»، ما انعكس ذلك في طريقة تعامله مع المنظمات الدولية، والأطراف كافة دون تمييز ما بين صديق أو عدو، واتضح ذلك من خلال تعامله مع الدول الأوروبية التي يعدها حليفاً في الناتو، وفي الوقت نفسه خصماً تجارياً.
لذلك تعامل الرئيس ترمب مع قضايا السياسة الخارجية يقوم على الربط بين الانخراط فيها ومقدار المنافع الاقتصادية، غير مدرك أن المصالح الاستراتيجية ترتكز على مبدأ تبادل المصالح لا على المنفعة المادية ومنطق الصفقة، ما أدى إلى تراجع الدور الريادي المؤثر للولايات المتحدة.
أ. الإنجازات الخارجية:
لا شك أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015م، يعدّ أهم الإنجازات السياسية الخارجية للرئيس ترمب، ثم احتواء الملف الصيني كما يراه الناخب الأميركي.
1. الملف الإيراني
يُعدّ توقيع باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران بالنسبة للرئيس ترمب بمثابة الخطأ الفادح والمهين، ويرى أن المفاوضين الإيرانيين تفوقوا على الأميركيين، وأن إيران دولة إرهابية مارقة تقود محور الشر، وتسعى لتقويض الأمن الإقليمي، وأنها مسؤولة عن الميليشيات الإرهابية المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط، كما نادى بضرورة تشكيل تحالف إقليمي ضد المشروع الإيراني.
ويُعدّ الملف الإيراني من أعقد الملفات التي تعاملت معها الإدارة الأميركية الراهنة، خصوصاً بعد الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في عهد باراك أوباما، ولكن في المقابل لم تظهر للرئيس ترمب سياسة واضحة في التعامل مع هذا الملف، ودليل ذلك إسقاط إيران لطائرة أميركية من دون طيار، على الرغم من توعده بضرب إيران مباشرة، ولكن ذلك لم يحدث، وسحب تصريحه قائلاً: «لقد وجدت أنني سأقتل العشرات بقراري هذا، فكيف نقتل العشرات نتيجة لإسقاط طائرة مسيرة»، وقد تكرر ذلك الموقف أيضاً في ملف مضيق هرمز، حيث صرح ب «أنه لن يسمح بالتمدد الإيراني بالمنطقة».
لذلك نلمس من خلال تصريحاته المتضاربة عدم الجدية في التعامل مباشرة مع إيران ومحاسبتها على مكائدها في المنطقة، باستثناء فرض العقوبات الاقتصادية.
لكن في المقابل أوفى الرئيس ترمب بوعده في حملته الانتخابية بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ودعا إلى إجراء مفاوضات جديدة معها تأخذ في الحسبان سياسة طهران في الشرق الأوسط، واغتال قائد فيلق القدس الإرهابي قاسم سليماني، كما مارس ضغوطاً قصوى عليها من خلال تطبيق المزيد من العقوبات.
1. الملف الصيني
من وجهة نظر الناخب الأميركي أن سياسة الرئيس ترمب تجاه الصين تُعدّ مرضية وناجحة، وحدّت كثيراً من الخطر الصيني على الاقتصاد الأميركي إلى حدّ ما.
لذلك نقول إنّ الملف الصيني هو ملف اقتصادي خالطته السياسة، بدءاً من إشعال الرئيس ترمب حرباً اقتصادية على الصين، والتي ظهرت في مؤتمر قمة العشرين في طوكيو، عندما منع بيع منتجات الشركات التكنولوجية الأميركية لشركة (هواوي) الصينية، مدعياً أن هذا الأمر يؤثر على الأمن القومي الأميركي، ما أدى ذلك القرار إلى هبوط الصادرات الصينية في الولايات المتحدة بنحو 16 % نتيجة التعريفة الجمركية التي فُرضت عليها، ثم أصدر الرئيس ترمب أمراً واجب النفاذ للشركات الأميركية العاملة في الصين إلى الانسحاب من السوق الصيني ردّاً منه على فرض الصين من جهتها تعريفة جمركية على المنتج الأميركي، ثم اتبع ذلك بتغريدة قائلاً: «لا نريد الصين وأننا أقوياء بدونهم».
كما شهدت لاحقاً العلاقات الأميركية - الصينية تصعيداً في التوتر بسبب الخلاف حول فيروس كورونا الذي أطلق عليه الرئيس ترمب (الفيروس الصيني).
ب. الإخفاقات الخارجية:
كان الرئيس ترمب يأمل في تخفيف عبء التزامات السياسة الخارجية الأميركية من خلال إعادة تشكيل المؤسسات العالمية، ودفع حلفائها نحو «استقلال» أكبر.
1. ملف المنظمات الدولية
شنَّ الرئيس ترمب أكثر من مرّة هجوماً معلناً على المنظمات الدولية كافة، وانتقد آليات عملها، ودعا إلى إصلاحها على نحو ما يراه يحقق مصالح للولايات المتحدة.
وتبين ذلك من خلال انتقاده لنسب توزيع حصص تمويل ميزانية منظمة الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن بلاده هي واحدة من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة، ومع ذلك تدفع 22 % من ميزانية المنظمة، ما عدّه عبئاً غير عادل من حيث التكلفة، كما عارض حلف (الناتو) على توزيع نسب الإنفاق على الدفاع، حاثاً الدول الأوروبية في الحلف على زيادة إنفاقها على الدفاع إلى 2 % من إنتاجها المحلي بحلول عام 2024م.
وأيضاً أوقف عام 2017م أي تمويل مستقبلي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فضلاً عن وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأنروا».
كما أعلن انسحابه من عدة تعهدات دولية منذ أن أدى اليمين في يناير 2017م تكريساً لمبدأ «أميركا أولاً»، وانسحب من الشراكة عبر المحيط الهادئ، وأيضاً من اتفاقية باريس للمناخ في يونيو 2019م، الانسحاب من اليونسكو في نوفمبر عام 2019م، ثم الانسحاب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 2018م.
كذلك انسحب من منظمة الصحة العالمية في 7 يوليو 2020م، على خلفية إدارتها لأزمة كورونا.
1. الملف الأوروبي
ساعدت سياسة الرئيس ترمب الخارجية على إضعاف وربما انفضاض عُرى التحالف الدولي (الناتو) الذي قطباه الرئيسان الولايات المتحدة وأوروبا إلى درجة كبيرة بسبب حسابات الرئيس ترمب المادية، ما ساعد على تغوّل قوى ناشئة، وذلك بسبب الخلل في التوازن الدولي وتخلي القطب الواحد عن دوره في السياسة الدولية.
كما نحت سياسة الرئيس ترمب باتجاه دول شرقي أوروبا على فكرة الاعتماد على نفسها، وأن تحل مشكلاتها الإقليمية وحدها دون تدخل أميركي، وأن الولايات المتحدة لا تدافع إلاّ عن الدول التي تدفع، ما زعزع الأسس التي تقوم عليها الالتزامات الأمنية الأميركية تجاه أوروبا، خصوصاً أن أوروبا ما تزال تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة في مجال الردع النووي، والقوة الجوية، والمدرعات، والمعلومات الاستخبارية، والخدمات اللوجستية، ونتيجة هذا من المتوقع أن تبحث الدول الأوروبية عن طرق جديدة لحماية نفسها.
1. الملف الروسي
حسب الساحة السياسية الأميركية وبمختلف توجهاتها السياسية ترى أن روسيا الاتحادية منذ مطلع القرن الحادي والعشرين لا تزال تتجاوز حدودها بسياساتها العدائية تجاه الغرب.
فقد شنت عام 2007م هجوماً إلكترونياً على أستونيا، وشنت في عام 2008م حرباً على جورجيا، وضمت في عام 2014م شبه جزيرة القرم، ثم استضافت المنشق عن وكالة الأمن القومي الأميركية أدوارد سنودن، ولم تتوقف عن ذلك التجاوز إذ وسعت قاعدة طرطوس البحرية على الساحل السوري في العامين 2015 و 2016م، وجعلت من قاعدة حميم السورية الجوية قاعدة جوية محمية بال (إس 400)، ثم أخذت تتصرف وكأنها قوة احتلال حقيقية على الأرض السورية دون أي حساب للمصالح الأميركية والأوروبية، وبعد ذلك وصولها إلى ليبيا جنوب البحر الأبيض المتوسط الذي يعدّ منطقة نفوذ غربية صرفة، كل ذلك لم تتخذ الولايات المتحدة وحلفاؤها أي مساعٍ للحدّ من تزايد هذا النفوذ المتنامي، ما دفع السياسيون والمتابعون الغرب بإلقاء اللوم جراء ذلك على سياسة الرئيسين باراك أوباما وترمب على حدٍّ سواء.
1. الملف الكوري الشمالي
أملاً في نزع السلاح النووي الكوري الشمالي اختار الرئيس ترمب الحوار معها، لكن هذه المساعي لم تقدم جديداً رغم اجتماعه مرتين مع الرئيس الكوري الشمالي في سنغافورة في 12 يونيو 2018م، وفيتنام 27 فبراير 2019م، وعدّ الرئيس ترمب توقف كوريا الشمالية عن التجارب النووية قمة الإنجاز.
وصرّح قائلاً: «إنّ المنطقة الآن أصبحت أكثر أماناً»، ليفاجئ الرئيس الكوري الشمالي العالم بإشرافه شخصياً على إطلاق صواريخ بالستية، ما يؤكد فشل اجتماعي الرئيس ترمب مع نظيره الكوري الشمالي الذي أعطاه الاجتماع شرعية لدى واشنطن، في حين أنه عاد إلى ما كان عليه من قبل.
1. ملف الشرق الأوسط
تعهّد الرئيس ترمب بالحفاظ على أمن إسرائيل وبقائها وتفوقها العسكري كسابقيه من الرؤساء الأميركيين، كما تعهد منذ اليوم الأول لرئاسته أن تُعامل إسرائيل وكأنها مواطن من الدرجة الأولى.
لذلك اعترف رسمياً بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل في 6 ديسمبر 2019م، وعليه خالف كل الإدارات الأميركية السابقة التي عارضت جعل القدس عاصمة لإسرائيل، وأدركت أن هذا القرار يخالف القانون الدولي، ويؤدي إلى استمرار الاضطرابات في الشرق الأوسط.
بايدن لإعادة توزيع القوى في المنطقة والعالم وترميم التحالفات القديمة
وبهذا التصرّف فقدت الولايات المتحدة موقعها كوسيط محايد في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
أما أزمة الشعب السوري الذي هُجّر نصفه، وقُتل ما يقارب المليون منه، قام به نظام دمشق وحلفاؤه، فلم تشغل الرئيس ترمب من قريب أو بعيد، بل كثيراً ما كان يبدي تخوفه من بديل النظام، كما عجز عن التفريق بين المعارضة المعتدلة والمعارضة المتشددة، فتوسعت إيران وميليشياتها في المنطقة العربية من البصرة إلى بيروت مروراً ببغداد والموصل وحلب ودمشق، ناشرةً الخراب والدمار في حواضرها وبواديها.
وفيما يخص العلاقات الأميركية - الخليجية، استمرت الولايات المتحدة بعلاقة منسجمة مع دول الخليج، التي تعتبر حلفاء واشنطن الأكبر في المنطقة العربية، وأكبر مشترين للأسلحة والخدمات العسكرية الأميركية.
بينما اللافت للنظر أن الرئيس ترمب لم يضغط بالشكل المطلوب على الرئيس التركي رغم تدخلاته في الشؤون الداخلية للدول العربية.
وكان لعلاقة الرئيس ترمب، ونظيره التركي أثر سيئ في الكثير من الملفات، حيث ذكر جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق، هذه العلاقة في كتابه «الغرفة التي شهدت الأحداث»، بالقول: «كلّ اتصال هاتفي بين أردوغان وترمب، كان يعني غزو تركي جديد في المنطقة».
وفي المقابل استطاع الرئيس ترمب أن يحقق إنجازاً كبيراً من خلال رعايته اتفاقيات سلام بين دول عربية وإسرائيل.
وعلى الرغم من سياسات الرئيس ترمب الخارجية التي تتصف بغلبة المصالح على المبادئ، إلا أنه يعدّ بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين أكثر ثقةً وصدقاً وعهداً ووضوحاً من سابقه الديمقراطي باراك أوباما.
كما أن الإنجازات الداخلية الاقتصادية، والإنجاز الخارجي بانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران غطت على إخفاقاته الداخلية الصحية أمام الناخب الأميركي، وتجاه حلفائه التقليديين.
بايدن ليس الحمامة التي تنتظرها إيران
استشراف سياسة بايدن
يُمكن التنبّؤ بسياسات المرشح الديمقراطي جو بايدن الداخلية والخارجية فيما لو فاز في الانتخابات الأميركية، بناء على مجموعة من المعطيات في سياسة الحزب الديمقراطي الداخلية والخارجية، وإرث بايدن السياسي الطويل، إضافة إلى البرنامج الانتخابي الذي وعد بتطبيقه.
أولاً: سياسة بايدن الداخلية
لن تتغير سياسة المرشح الديمقراطي جو بايدن، بخصوص دعم المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة، لكنه قد يُعيد توزيع القوى في العالم والشرق الأوسط.
وسيدعم بايدن الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، ويعدها العمود الفقري للاقتصاد الوطني، ويبني سياساته الداخلية كافة بناء على ذلك.
واتخذ بايدن جملة «إعادة البناء بشكل أفضل»، كشعار لحملته الداخلية، ووعد ناخبيه برفع الحد الأدنى للأجور.
كما قال في وقت سابق: إن «تحويل قطاع الكهرباء الأميركي لإنتاج الطاقة من دون أن ينجم عنه تلوث كربون... سيكون أكبر محفز لخلق وظائف وللتنافسية الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، لهذا السبب سنصل إلى قطاع كهرباء خالٍ من تلوث الكربون بحلول عام 2035م».
وفيما يخص الرعاية الصحية، قال: «إنه سيدعم خيار التأمين الصحي للجميع».
ثانياً: سياسة بايدن الخارجية
يتخذ بايدن كالحزب الديمقراطي بمختلف اتجاهاته اليسارية واليمينية من أفكار المدرسة المثالية ممزوجة بأفكار بالمدرسة الواقعية أساساً لأفكاره في السياسة الخارجية، فهو يؤمن بالعمل ضمن المؤسسات الدولية، وإيمانه بالتجارة الحرة المفتوحة بين جميع دول العالم، وتفضيل الدبلوماسية كأداة في السياسة الخارجية على القوة العسكرية، وكذلك يؤمن بنشر الديمقراطية داخل الدول دون أي تدخل عسكري.
حيث يقول: «بوصفي رئيساً، سوف أرفع مستوى الدبلوماسية باعتبارها الأداة الرئيسة للسياسة الخارجية الأميركية، وسأعيد الاستثمار في السلك الدبلوماسي، الذي أفرغته الإدارة السابقة من محتواه، وأعيد الدبلوماسية الأميركية إلى أيدي خبراء حقيقيين».
لكن في الوقت نفسه لن يستطيع بايدن قطعاً، التراجع عن كل خطوات الرئيس ترمب المحققة، حال فوزه، ولكنه سيحاول من خلال القوة الناعمة إعادة التوازن للعلاقات السياسية والتجارية مع الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط.
ويمكن الإشارة إلى مجموعة من الملفات التي سيتطرق لها بايدن في سياسته الخارجية في حال فوزه بانتخابات الرئاسة، ومن أهمها:
أ. ملف المؤسسات الدولية
سيسعى بايدن إلى إصلاح الضرر وإعادة بناء التحالفات التقليدية، والمؤسسات الدولية، والدعوة إلى التجارة الحرة المفتوحة بين جميع دول العالم، والعودة إلى منظمة الصحة العالمية، والحفاظ على الالتزامات الأميركية الخاصة بالحد من انتشار الأسلحة، وإعطاء الدبلوماسية الأميركية الأولوية في أدوات السياسة الخارجية، وعدم استخدام القوة العسكرية إلا للدفاع عن المصالح الأميركية.
ورأى بايدن أن الانسحاب من اتفاق باريس بشأن المناخ بمثابة تهديد رئيسي للأمن القومي، وهو ما يعني أنه في حالة فوزه فإن العقوبات الأميركية يمكن أن تطال الدول التي لا تحترم الإجراءات الخاصة بهذه الاتفاقية.
وأيضاً من أجندة بايدن العودة إلى السياسة الأطلسية التقليدية، كما ستصبح السياسة الخارجية الأميركية مع الحلفاء أكثر تهذيباً.
ويرى بايدن من خلال توجهاته أن من الضرورة دعم حلف شمال الأطلسي بقوة، عندما قال: «إنه التحالف العسكري الوحيد الأبرز في تاريخ العالم، وهو الأساس الذي مكننا من الحفاظ على السلام والاستقرار على مدى السبعين عاماً الماضية، إنه جوهر أمننا الجماعي، والأساس الذي تمكنت الولايات المتحدة من خلاله ممارسة مسؤولياتها في الأنحاء الأخرى من العالم، كذلك يجب على جميع الدول في الحلف الالتزام بمخرجات قمة ويلز التي لها أهداف كمية ونوعية على الحلفاء للوفاء بها بحلول عام 2024م، وكلاهما مهم لتقوية الحلف، ويجب على الحلفاء الوفاء برفع التزامهم الحالي بما لا يقل عن 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل الدفاع عنهم في منظومة الحلف».
ب. الملف الروسي
لن يكون هناك أي تغيير ولا تحسن في العلاقات الأميركية - الروسية بصرف النظر عمّن سيفوز في الانتخابات، بل سيتم الدفع في اتجاه مزيد من الحدّ من التسلّح، والتصدي للمصالح الروسية في القطب الشمالي تحت شعار حماية النظم البيئية في تلك البقعة من العالم.
كما يرى بايدن أن محاولة روسيا لضم شبه جزيرة القرم أمر غير قانوني، وأن عدوانها المستمر على أوكرانيا هو انتهاك لحرمة الحدود الأوروبية والسيادة الأوكرانية، كما سيحشد الحلفاء الأوروبيين لفرض تكاليف حقيقية على روسيا، حتى تفي بالتزاماتها بموجب الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مينسك، وسيدعم عمليات الانتشار لحلف الناتو في بولندا ودول البلطيق لتعزيز أمن الأوروبيين من العدوان الروسي حال حدوثه،
كما سيحث الأوروبيين على إنفاق المزيد من الأموال على الدفاع، وتنويع مصادر الطاقة، للتقليل من مخاطر الاحتكار الروسي لمصادر الطاقة، ويرى أن الولايات المتحدة ستكون منفتحة للتعاون مع روسيا في المصالح المتداخلة، كالاتفاق النووي الإيراني، واتفاقية ستارت الجديدة بشأن الأسلحة النووية، وإنهاء الحرب في سورية.
ج. الملف الصيني
ستبقى المواجهة الأميركية - الصينية قائمة بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات، لأن بايدن يعلم أن الخلافات بينه والرئيس ترمب خلافات تكتيكية، حيث يوجد إجماع من الحزبين على ضرورة احتواء الصين.
وسيتجه بايدن إلى سياسة جذب بكين إلى المؤسسات الدولية، تحت رعاية الولايات المتحدة، وسيتصرف في هذا الجانب باسم القيم ومصالح المجتمع الدولي، كما سيقوم بالضغط على الصين المتهمة بزيادة انبعاثات الكربون في المناخ، وانتهاك حقوق الإنسان، والملكية الفكرية، وحرية الملاحة، إضافة إلى المشروعات التي تنفذها في مبادرة الحزام والطريق.
كما يرى صعود الصين تحدّياً خطيراً، وممارساتها التجارية مسيئة، وربما إذا استمرت في صعودها التكنولوجي قد تتقدم على الولايات المتحدة.
وفي المقابل يرى بايدن أن الولايات المتحدة والصين تمتلكان أكبر اقتصادين في العالم، ولا بدّ من التعاون المعزز والمنافسة المسؤولة.
كذلك سيعمل على إعادة تنشيط الولايات المتحدة كقوة في المحيط الهادئ، وتعميق العلاقات مع أستراليا واندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية، لبعث رسالة لبكين أن واشنطن لن تعود إلى الأسفل، وأن العالم الحر سيتحد في مواجهة استبداد التكنولوجيا الصينية.
د. ملف الشرق الأوسط
ستبقى العلاقات الأميركية - الإيرانية متوترة بصرف النظر عمّن سيفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وإن حدث تغيير سيكون محدوداً جداً، لضغوط هائلة من حلفائها في المنطقة، ليس للحدّ من طموحات إيران النووية فحسب، وإنما أيضًا للحدّ من نفوذها الإقليمي.
وعلى الرغم من النبرة التصالحية للحزب الديمقراطي، إلاّ أن تصريحات مستشار بايدن للسياسة الخارجية أنتوني بلينكن أكدت أن الولايات المتحدة ستتفاوض على صفقة أطول وأقوى، بالتنسيق مع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
في حين صرّح مستشارون آخرون أن إدارة بايدن، في حال فوزه، لن تنضم مرة أخرى إلى الاتفاق النووي دون إجراء تعديلات كبيرة عليه للوصول إلى اتفاق أقوى.
ولذلك، سيشكّل برنامج إيران الصاروخي، إلى جانب أنشطتها الإقليمية، تحدياً لخفض التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران حتى لو فاز بايدن بالرئاسة.
وصرّح بايدن، قائلاً: «محاسبة الحكومة الإيرانية والانضمام إلى اتفاق دبلوماسي لمنع إيران المسلحة نووياً، إذا عادت إيران إلى الامتثال لخطة العمل المشتركة الشاملة، باستخدام الالتزام المتجدد بالدبلوماسية للعمل مع حلفائنا لتعزيز وتوسيع الاتفاق الإيراني، والدفع ضد أفعال إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار».
وبموجب المعطيات الراهنة، لن يعود بايدن، لسياسات أوباما الناعمة مع إيران، حيث لا يقبلها أحد من المؤسسات الحكم، بل يعمل على الوصول إلى اتفاق جديد، يقلص النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي حال عدم إذعانها، ستستمر سياسة «الضغوط القصوى» على إيران.
أما بالنسبة لإسرائيل فإنها في مركز اهتمام حملة بايدن، مثل أي رئيس أميركي آخر، مع الاستمرار بالدعم اللا محدود لها، لكن مع تشجيع الحوار الدبلوماسي، وطرح خيار حلّ الدولتين، لرفضه سياسة الضم.
وقد أدلى بايدن في عام 1986م في قاعة مجلس الشيوخ، قائلاً: «لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحنا في المنطقة».
ولدى بايدن التزام قوي بأمن إسرائيل، لكنه مارس الضغط على كل الحكومات الإسرائيلية من أجل تحقيق السلام مع الفلسطينيين، وانتقد نهج ترمب الأحادي الذي دعم الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، ودعم إبقاء السفارة الأميركية في القدس، ودعم حلّ الدولتين، كما يقول بايدن: «إن على إسرائيل أن توقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة، وأن تقدم المزيد من المساعدة لغزة، في حين يتعين على القادة الفلسطينيين أن يوقفوا تمجيد العنف والسعي إلى استعماله في حل قضيتهم».
كما صرح بايدن في مايو 2020م، قائلاً: «بغرض تحقيق السلام الفلسطيني - الإسرائيلي من الضروري أن تعود الولايات المتحدة إلى الحوار مع الجانب الفلسطيني، والسعي لدى إسرائيل وحثها على عدم القيام بأي خطوات تقوض إمكانية إقامة الدولتين... وسأعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ومكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، واستئناف المساعدات الأمنية والاقتصادية للفلسطينيين والتي أوقفتها إدارة ترمب».
وفي الشأن التركي، سينتهي شهر العسل بين الرئيس ترمب وأردوغان على الأرجح في حال فوز بايدن، والذي ستركز إدارته على العقوبات الاقتصادية والتعامل القانوني مع تركيا، بالرغم من أن العلاقات الاستراتيجية بينهما ستبقى في منحاها الطبيعي، وإن تخللتها المشكلات من وقت لآخر.
كما سيسعى بايدن لأن يضع حداً للتدخلات التركية في سورية والعراق وليبيا وشرق المتوسط، خصوصاً أن بايدن صرّح بأنه سيدعم المعارضة التركية ضد حزب العدالة والتنمية.
وفيما يخص، العلاقات الأميركية – الخليجية، يتضح أن لا شيء سيتغير بشكل جذري مع بايدن، حيث تكمن المصلحة الأميركية في الاستمرار بعلاقة منسجمة مع دول الخليج، التي تعتبر حلفاء واشنطن الأكبر في المنطقة العربية، وأكبر عملاء لشراء الأسلحة والخدمات العسكرية الأميركية.
كما أن بايدن يعي تماماً أن المملكة العربية السعودية حليف استراتيجي مهم للولايات المتحدة، ولا يمكن الاستغناء عنه، أو الضغط عليه، لاتخاذ سياسات معينة، خصوصاً مع وجود ملك الحزم والعزم وشخصية قوية مثل محمد بن سلمان - حفظهما الله -، وأيضاً من غير الممكن وقف بيع الأسلحة للمملكة، لأنها قد تغير وجهتها، وهذا الأمر يسبب ضرراً فادحاً بشركات السلاح الأميركية، خصوصاً أن تلك الشركات تمتلك لوبيات ضخمة داخل الإدارات الأميركية، إضافة إلى ملف شائك من العلاقات الاقتصادية والاستثمارات بين الجانبين لا يمكن فصله بسهولة، وإن بدر من بايدن بعض التصريحات فإنها مجرد أفكار وبرامج انتخابية لا أكثر.
كما وصف بايدن الأوضاع في البلدان التي تنتشر فيها القوات الأميركية، بأنها معقدة، ولا يمكنه التعهد بسحب القوات الأميركية منها بشكل كامل.
كما أنه لا يرى فائدة من حماية حكومة أفغانستان، لأن جهد الولايات المتحدة سيذهب سُدى.
إذاً نستنتج مما جرى تقديمه في حال انتصار المرشح الديمقراطي جو بايدن أن سياسته ستكون وفق توجهات الحزب الديمقراطي وممارساته وأفكاره المعروفة، والتي تُصنف في إطار المزج بين توجهات المدرستين المثالية والواقعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.