أتى تفسير القهوة في قاموس اللغة العربية، بأنها الشراب المغلي واللبن المحض، أما بعض القواميس فذهبت لتفسر القهوة بالخِصْب، أما اليوم فاللفظ أخذ منحى اللقاء، بوصفها مقهى ومحفلاً للتلاقي، ليتطور إلى مناخ يومي وضروري، وعند البعض طقس شرب ومزاج لا يمكن الاستغناء عنه. وكل له ذائقته في القهوة وله نكهته الخاصة، فأغلبنا يستمع بمذاق القهوة وبطعمها المُر، وهي أيضاً تضفي نكهة خاصة للمساء على الرغم من مرارتها إلا أنها تعطينا نكهة حلوة وطعماً سائغاً شرابه. كذلك هي الحياة لن تستطيع معرفتها حتى تتذوقها وتنتقي نكهتك الخاصة فيها... فغالباً في تداول الأيام نواجه أحداثاً وأقداراً تجعل الثواني ثقالاً والدقائق دهراً وربما تكون عقبات تواجهنا في هيئة أشخاص يضفون بعضاً من المرارة على أيامنا، ولكنهم دون أن يشعروا أنهم قد أضافوا لنا في رصيد تجاربنا مزيداً من الخبرات والمعارف في كيفية التعامل مع الحياة. وكما أننا تعاملنا مع مرارة القهوة بمعادلتها بحلاوة التمر والحلوى، نجد أن للحياة جوانب كثيرة نستطيع أن نستشعر حلاوتها أو نضيفها نحن لنعطيها هذا المذاق، فهناك دائماً قبسٌ من النور يضيء جزءاً من الطريق والجزء الآخر تضيؤه إرادتنا والرغبة في البقاء. فما من أحد إلا مر بتجربة مريرة ودرس قاسٍ خرج منه مثقلاً بالهموم وكسير النفس فانشغل به عن ملذات ما أحلّ الله لنا، وجعل نفسه حبيسة خلف قضبان الهم والكدر وكآبة الواقع واهماً أو متوهماً أن الدنيا ذات مذاق سيئ ينشر سلبيته وسواده حيثما حلّ. فعلينا أن نتعلم مهارة العيش وفن التعايش، والبحث عن سبل السعادة، فلا سلام دائم ولا ظلام قاتم. فالإنسان بصورة فطرية جُبل على العيش على هذه الدنيا يسعى جاهداً للبحث عن حياة مثالية خاليةٍ من المنغصات والنوائب، وهذا جزء ٌمن الوهم لا يمكن تطبيقه على الواقع، ولكنه يستطيع تطويع أحداثها إلى حد كبير لصالح ما يرسمه عقله من أهداف ويوجهه وعيه لتحقيقها تبعاً لتقدمه العمري وتطوره الذهني. فالحياة لن تنتظر أحداً.. من استطاع أن يتطور ويلحق بالركب فقد فاز ومن فاته فسوف يتيهُ في الصحراء ويتخبط في الطريق وقد يصل أو ينتهي أمره وكأنه لم يكن. فعلينا أن نفهم إشارات الحياة ورسائلها المستمرة، وكيف أنها قد تعطي بعضاً من الرموز كمساعدة منها لفك شفرة الحياة والنجاح والعيش الرغيد. نحن لا تهزمنا أحلامنا ولكن تهزمنا أنفسنا عندما تتهاوى أمام أول مشكلة أو عقبة لا نحسن مواجهتها، ولابد أن نعرف أنها منظومة رسمها لنا الخالق قبل أن يخلقنا، نحن من يعيشها بكافة تفاصيلها فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط. قال الشاعر إبراهيم أبو اليقظان: إن الحياةَ كجنةٍ قد أقفلَتْ مفتاحَها الأوصابُ والأنصابُ من يجتهد يبلغْ ومن يصبر يصلْ وينله بعد بلوغِه الترحابُ