في هذا الوقت العصيب لم يعد الالتزام خياراً بل واجباً وطنياً يستدعي تكاتف جميع فئات وشرائح المجتمع وذلك لتجنيب الوطن المخاطر والسيناريوهات الكارثية التي تعيشها في هذا الوقت دول عالمية متقدمة علينا من الناحية الطبية.. ليست معركتنا الوحيدة مع فيروس كورونا المستجد 19؛ هذا الوباء الذي بات خطراً حقيقياً يهدد العالم أجمع؛ بل معركتنا الحقيقية التي كشفتها الأيام الماضية مع المسؤولية والحس الوطني والشراكة المجتمعية؛ المسؤولية المُعزّزة لقيمة المواطَنة الحقّة؛ ونعني بها ذلك الشعور الذي يستبطن وعينا وإدراكنا لقيمة الوطن وأهمية الحفاظ على سِلْمه المجتمعي والتعاون فيما بيننا بما يُحقّق أهداف القيادة الراشدة التي كرّست وتكرّس كل جهدها في سبيل صون المجتمع وأمنه وسيادته واستقراره وتحقيق رفاه شعبه وصونه من كل تهديد يهدّد مكتسباته ومقدراته ومن ضمنها صحّة مواطنيه والمقيمين في وطننا الغالي العزيز؛ هذا الوطن الذي يكتسب خصوصية متفرّدة إن على المستوى الجيوسياسي أو الاقتصادي أو الديني والتي تضعه في مكانة خاصة تضاعف من قيمته والتزاماته محلياً وإقليمياً ودولياً. وتتضاعف أهمية وقيمة المسؤولية الوطنية واستحقاقها الأخلاقي والأدبي وحتى الإنساني؛ في هذا الظرف الراهنيّ والمُستوجِب للانخراط الحقيقي غير المتراخي مع جهود الدولة العظيمة؛ فقد شاهدنا وشاهد العالم أجمع، موقف قيادتنا العظيمة التاريخي والمتفرّد والاستباقي من حيث الإجراءات الاحترازية والتحرّك السريع المذهل الذي عكس وعياً عظيماً باستشعار الخطر الداهم وكذلك الحرص على سكّان المملكة جميعهم مواطنين ومقيمين وزائرين. حرصٌ تبدّى بجلاء ووضوح في إجراءات متعاقبة اتخذتها القيادة منها منع التجمعات بأنواعها ووقف رحلات الطيران وإيقاف الدراسة وتعليق العمرة والاكتفاء برفع الأذان في المساجد، كل هذا سعياً لمحاصرة هذا الوباء الشرس؛ وشدّدت التحذيرات على ضرورة منع المخالطة لمنع تفشي العدوى، وعززت أسباب حماية صحة السكان وسلامتهم، وفي الوقت ذاته عوّلت القيادة على وعي المجتمع الذي يقع على كاهله دعم تلك الجهود بالالتزام التام بكامل التعليمات؛ ومن أهم تلك التوجيهات الكلمة الأبوية الحانية والبالغة الصدق والشفافية من لدن خادم الحرمين الشريفين الذي صارح المواطنين والمقيمين، بأن الواقع في ظل جائحة كورونا صعب والمستقبل على مستوى العالم قد يكون أصعب؛ وأن اجتياز هذه المرحلة يعتمد على الإيمان بالله تعالى ثم التزام المواطن والمقيم بما تصدره الدول من قرارات وما تتخذه من إجراءات وتوجهه من تحذيرات؛ إلاّ أنه -للأسف- عكس الواقع المشاهَد استمراراً لحالة من اللامبالاة والتهاون من بعض فئات المجتمع بموضوع المخالطة، ورصدت الأخبار عدم الالتزام من البعض بالتعليمات الداعية إلى البقاء في المنازل وعدم مغادرتها إلا في حالات الضرورة القصوى والابتعاد عن التجمعات، والتي من شأنها عرقلة الجهود الحثيثة الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس ومحاصرته؛ فانطبق على تلك الجهود قول الشاعر: متى يبلغ البنيانُ يوماً تمامُهُ إذا كنت تبني وغيركَ يهدِمُ إنّ قراءة واقعية لحديث وزير الصحة د. توفيق الربيعة الذي اتّسم بشفافية بالغة يأتي امتداداً لخطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي أكد خلاله أن المملكة كما العالم تعيش مرحلة صعبة وأن المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة عالميًا وأن المسؤولية الجماعية هي السبيل لتخطي كل ذلك؛ فهل بعد هذه المكاشفة عذر لأحد لاستشعار المسؤولية والخطر الداهم المُهدّد للجميع؟ جميعنا -بلا استثناء- أمام مسؤولية تاريخية للقيام بأدوارنا وواجبنا تجاه وطننا وقيادتنا وديننا وتجاه من نُحب؛ أن ننبذ اللامبالاة وأن ندعم بكل ما أوتينا من قوّة، جهود حكومتنا الرشيدة التي لم تألُ جهداً ولم تدّخر طاقة في سبيل مكافحة ومحاصرة هذا الوباء؛ وهي جهود من الوضوح والقوة والفاعلية والاستثناء ما جعلها الأنموذج الأرقى والأنجع والأعظم إنسانية على مستوى العالم؛ ولا تحتاج لتأكيد أو إيضاح؛ إنما يبقى أن ندرك بضمير يقظ وروح متفاعلة أنّ نجاعة الجهود وتحقيق الأهداف لا بد أن يرفده التفاعل الوطني الحقيقي الذي لا يتراخى لا يستهتر ولا يبدّد جهد قيادته العظيمة؛ سيما وأننا رأينا الإنفاق التاريخي غير المسبوق لتجاوز هذا الوباء؛ حيث اعتمدت القيادة 47 مليار ريال منذ بداية انتشار الفيروس وحتى نهاية السنة المالية، لرفع جاهزية القطاع الصحي وتأمين الأدوية وتشغيل الأسرة الإضافية، وشراء أجهزة طبية ومستلزمات صحية مطلوبة مثل أجهزة التنفس الاصطناعي وأجهزة وعينات الفحوص الاستكشافية، وتأمين كوادر طبية وفنية من الداخل والخارج. وإزاء هذا الإنفاق وهذه الجهود وما استتبعه من مكاشفة أعلنها وزير الصحة وإشارته إلى أربع دراسات تتوقّع ارتفاع حالات الإصابة من عشرة آلاف إصابة حتى مئتي ألف؛ فلا خيار أمام الجميع سوى رفد جهود الدولة بشكل حقيقي، عبر الالتزام بالتعليمات التي تصدرها الدولة في هذا الوقت العصيب لم يعد الالتزام خياراً بل واجباً وطنياً يستدعي تكاتف جميع فئات وشرائح المجتمع وذلك لتجنيب الوطن المخاطر والسيناريوهات الكارثية التي تعيشها في هذا الوقت دول عالمية متقدمة علينا من الناحية الطبية، وذلك في ظل معاناة العالم من عدم توافر معروض كافٍ من الأجهزة والمستلزمات الطبية. حفظ الله وطننا من كل مكروه وأدام عزّ قيادتنا وأزال هذه الغُمّة وكشفها عن الجميع.