خلال الأسبوع الماضي، أسعدني حضور ورشة عمل «كود بناء المساجد بالمملكة» بحضور ومشاركة أكثر من 150 مختصّاً بالعمارة والتشييد من الأكاديميين والمختصين من مختلف مناطق ومحافظات المملكة. وقد ناقشت الورشة ستة محاور رئيسة للوصول لمسجد المستقبل الذي لا يكون تصميمه يعتمد فقط على اختيار طرز تكون مبنية على التكرار والرتابة من خلال إعادة إنتاجها، بل كمبنى حضري ديني يكون الماضي فيه جذر للحاضر وكلاهما يصنعان المستقبل الذي يعبران من خلاله عن روح العصر ومتطلبات الجيل الذي ينتمي إليه. وقد تضمنت هذه المحاور النقاط التالي: التخطيط العمراني لبناء المسجد، والتصميم المعماري لبناء المسجد، والأحكام والأنظمة المتعلقة ببناء المسجد، وتشغيل وصيانة المسجد، والتقنيات المتعلقة ببناء المسجد، ومكملات وكماليات بناء المسجد، وما أود التركيز عليه هنا هو محور التشغيل والصيانة كونه يقع في مجال تخصصي الأكاديمي والعملي، في اعتقادي التعامل مع المنشآت الدينية كالمساجد بشكل عام له شيء من الخصوصية يختلف عن باقي المنشآت الأخرى كالتعليمية والصناعية والسكنية، كونها أماكن يجب أن تساعد على توفير الوحدة والتواصل والإحساس بالآخر وإضافة جو روحاني يساعد على التأمل والخشوع. لهذا السبب قد يكون من الصعب التفكير في المساجد باعتبارها «منشأة» عادية فقط. ولهذا، وللوصول لمسجد المستقبل لا بد أولاً من الانتقال من فكر الصيانة والتشغيل الذي يعتمد على التعامل مع المشكلات وقت حدوثها أو الانتظار حتى حدوث العطل، إلى فكر إدارة المرافق كمفهوم شامل لإدارة المنشآت الدينية. بشكل ألا يقتصر الدور على الصيانة والتشغيل بل تتعداه إلى مراحل أبعد من ذلك لدعم الوظيفة الأساسية للمسجد وضمان راحة وسلامة وكفاءة البيئة المبنية عن طريق دمج الأشخاص والمكان والعمليات والتكنولوجيا من أجل إطالة عمر المساجد والمحافظة على حالة تشغيلية جيدة تضمن جودة الأنظمة مع تحقيق الحل الأمثل بين مستوى الخدمات المقدمة والتمويل المتاح وإدارة المخاطر التي يمكن أن تحدث عن ذلك. ثانياً، التأكيد على أهمية الأخذ بمعايير إدارة المرافق خلال مراحل التصميم من خلال تحليل قابلة الصيانة للمساجد، ونقصد هنا بمفهوم قابلية الصيانة أو التصميم من أجل الصيانة هو مجموعة من المدخلات التي تساعد في اختيار تصاميم المساجد بشكل أن تكون هذه التصاميم ذات كفاءة تشغيلية وصيانة عالية، ومن هذه المدخلات الوصولية للأنظمة، ومتانة المواد المستخدمة، سهولة تنظيف المواد، وتوافر المواد، والتوحيد القياسي لأجزاء التصميم لسهولة التعامل معها في المستقبل، والبساطة والمرونة، والنمطية التي تساعد على التمدد المستقبلي، وذلك لتحسين أداء المباني وتقليل تكلفة دورة الحياة خلال فترة ما بعد الإشغال والتقليل قدر المستطاع من وقت وعدد عمليات الإصلاح لاستعادة عنصر إلى فاعليته التشغيلية في فترة محددة من الوقت. تحليل قابلة الصيانة يهتم بالقدرة على عزل العيوب المتكررة وأسبابها وكذلك توفير صيانة سهلة في المستقبل والقدرة على استيعاب التغييرات المستقبلية. ثالثاً، التأكيد على تحليل تكلفة دورة الحياة، وتتعلق تكلفة دورة الحياة بإجمالي تكلفة عمر المسجد بما في ذلك التكلفة الأولية وجميع تكاليف التشغيل والصيانة، نظرًا لأن المالكين والمصممين يهتمون عادةً بالتكلفة الأولية وينسون على الأغلب تكاليف التشغيل والصيانة، مما يؤثر في النهاية على الميزانية المخصصة للصيانة، وخاصة إذا علمنا أنه لم يعد تنفيذ المنشآت يركز على تقديم منشآت بأقل تكلفة، بل أصبح هناك وعي ورغبة أكبر في التفكير بنطاق أشمل بحيث أصبح المهتمون يفكرون بجميع المدخلات التي تدخل في دورة حياة المنشأة سواء كان التنفيذ والتشغيل والتخلص (هدم) بشكل تأخذ تكلفة إنشاء أي مشروع بشكل أعم وأوسع. رابعاً، التأكيد على عقود الأداء في مجال التشغيل والصيانة، والانتقال من نوع العقود المعمول بها حالياً التي تعتمد على أعداد العاملين إلى عقود تعتمد على الأداء. ويتم تعريف التعاقد القائم على الأداء على أنه طريقة تعاقد توفر حوافز أو مثبطات لمقاول الصيانة والتشغيل لتحقيق مستوى خدمة متفق عليها مسبقا بشكل تفصيلي وواضحة للطرفين بغض النظر عن كيفية وتوقيت وطريقة العمل لتحقيق ذلك، هذا النظام من التعاقد يمنح المقاول المرونة في اختيار المواد والأساليب في تقديم خدمات الصيانة والتشغيل وتشجعه على استخدام أساليب جديدة تعزز الابتكار والجودة وتحسين أداء المساجد، كما تضمن عقود الأداء من التخلص من أعمال الصيانة التصحيحية المكلفة والاعتماد بشكل أكبر على الصيانة الوقائية. لذا، يعتبر دور إدارة المرافق دورا تكامليا مع التخصصات الأخرى في بناء كود المساجد بالمملكة الذي سيساهم - بإذن الله - في تطوير وعصرنة مساجدنا عن طريق إحياء دور المساجد الفعال والحيوي داخل البيئات العمرانية بشكل يكون أكثر اهتماماً بحاجات المجتمع وهمومه وتطور العصر ومتطلباته، وبالتالي يجب أن يحقق هذا البناء كل الأهداف السابقة، وألا يقتصر دوره على أداء الصلوات فقط.