«الفصام هو اضطراب عقلي حاد يفسر فيه الناس الواقع بشكل غير طبيعي، قد يؤدي الفصام إلى مزيج من الهلوسة والأوهام والفكر المضطرب» *** في روايته الجديدة الصادرة حديثاً بعنوان «فصام» يرسم الدكتور إبراهيم الخضير شخصية تدور في فلك الأمراض النفسية التي يصاب بها بعض الأفراد في أي مجتمع، فهو ببراعة وبحكم تجربته الطويلة مع تطبيب وعلاج حالات كثير لا يخرج في هذه الرواية عما مارس وخبر من جراء الممارسة، إضافة إلى الدراسة والتخصص حتى نال درجته العليا في الطب النفسي، ففي الدخول إلى السرد الحدثي يبدأ بطبيب حديث التخرج ينضم إلى فريق عمل طبي من المتخصصين في الطب النفسي، وفي المشفى يكون له بالتكليف الأولي مراقبة بعض المرضى كما يرسم له المشرف عليه، لكونه من الأطباء الصغار حديثي التخرج، وشخصية طبيبه الحديث هذا ترافق الرواية من البداية حتى النهاية حيث تتداخل أحداث دينية واجتماعية فيها الجد والزيف من الواقع بشكل كبير يتخلله بعض المستمد من الخيال المكمل للمشهد السردي في مساره المتتالي، فالمشرف عليه من الأطباء الكبار يوجهه ويمازحه وكأنه من أبنائه وهو يسير على ما يشار له أن يفعله. لفت نظر هذا الطبيب المتدرب والحديث التخرج مريض حوّل إلى القسم بسبب سلوكيات غريبة وأفكار وتخيلات غير واقعية، معلقاً «أتى به حارسان سلماه دون تعليق واستلمته، وكان المريض ينظر إلي بريبة ولم يتكلم حاولت أن أشجعه على الحديث ولكن دون فائدة»، يستمر الطبيب الحديث التخرج مع محاولاته المستمرة أن يستمر تكليفة بمعالجة هذا المريض، وينجح وتتطور العلاقة بين المريض واسمه عنبر مع طبيبه وتنشأ الصداقة التي تخطت المستشفى إلى خارجه وممارسة الحياة العامة، إذ يطلب من المشرف أن يرافق مريضه الذي بدأت بوادر شفائه واستجابته للعلاج في رحلة إلى المدينة أو القرية التي يقطنها أهل المريض ويصحبه بسيارته هو الذي لا يعرف إلا المدن التي تعلم فيها، ويتعرف على أهل المريض وأقاربه، ويرى في شخص مريضه بعض التصرفات العجيبة بالرغم من احترام أهل بلدته له ولقبه ب»الشيخ عنبر»، إمام وخطيب جمعة، ومعالج وراق للحالات المرضية التى تصيب البعض وتوصف باللبس ودخول الجن في بعض الرجال أو النساء، وقد اشتهر عند النسوة في هذا المكان بنجاحاته الدائمة، وبأنه مريض يداوي الناس وهو عليل، تكون حالة التعجب التي تحمل في جرابها الكثير من علامات بل حالات الاستغراب، فعنبر دجال يوهم الناس بأنه متدين شديد الورع وهو مخادع كذاب كما اتضح للطبيب المرافق الذي شهد الغرائب في رحلته، ويعود للمشفى مع مريضه ويصف شيئاً من المشاهد لرئيسه المشرف ويترك بالتجاوز الكثير، وتتكرر الزيارة مع مريضه للقرية، ولكن هذه المرة دون علم من رئيس القسم والدكتور المشرف على تدريبه الذي نصحه وحذره من الاهتمام بالمريض خاصة مريض النفس خارج نطاق العلاج وحاول ولكنه استمر وذهب هذه المرة ليكتشف الكثير خاصة عندما أصابت الحالة الغريبة مريضه الذي صحبه وعائلته إلى خارج المنزل وقام بذبح ابنته بالسكين أم ناظري الطبيب المرافق وأفراد الأسرة الخاصة بالمريض، ويدخل في مشكلة لا حل لها إذ يستدعى أمنياً كشاهد على الحدث المؤلم الغريب، وعندما قال للعمدة، إنه سارح في موضوع قتل عنبر لابنته - سويِّرْ - بادره العمدة: «كلامك صحيح يا دكتور الأمر هذا خطير ولا نعرف كيف سينتهي.. الشيخ عنبر مثلما تعرف رجل ملتزم ويستفيد منه أهل الوادي، يعالج المرضى ويساعد النساء الضعيفات اللاتي يعانين عيناً أو مساً أو حسداً أو لا ينجبن، فهو لا يقصر عندما تحتاج إليه هؤلاء النسوة المسكينات» وفيها يتخيل الطبيب بعض الممارسات الشاذة التي ارتكبها عنبر أمام عينيه بلا وجل مع بعض النسوة، وخطبته في المسجد يوم الجمعة أمام جهلة بكلام لا يمت للدين بصلة، وإمامته للمصلين وهو جنب، وغير ذلك من المشاهد القذرة التي لا يمكن لإنسان مهما أوتي من الجنون أن يفعلها، يتهم ولا يبرأ ولكن يخفف العقاب بأن يعفي من عمله الرسمي كطبيب، وتطلب زوجته الطلاق وينفذه، ويبقى معلقاً يسترجع الماضي الذي ذهب مع صحبته عنبر الذي تلاشى واختفى حيث نفّذ القصاص بشخص آخر.. كيف صار ذلك؟ الكل محتار والرواية في نهايتها لم تكتمل بعد حيث نتوقف عند الصفحة 416، وتبقى النهاية غامضة بسبب تقصير الناشر في مراقبة الطباعة بالمتابعة والتأكد قبل التوزيع، فصارت الرواية كما رحلة جوية سهلة الإقلاع ممتعة التحليق ولكن الهبوط لم يكتمل بملامسة العجلات المدرج.. فهل يكمل لها الهبوط الناشر بإضافة الصفحات المتبقية في طبعة متداركة، ومن حق الكاتب أن يطالب بطباعة سريعة يستدرك فيها الخطأ المهني الشنيع؟، ولكن مع هذا فالرواية اللا مكتملة جسدت موهبة وقدرة ثقافية محاطة بإطار فني رفيع في كتابتها البارعة، وهذا ما تعود عليه المتلقي من الطبيب الأديب إبراهيم حسن الخضير في كتاباته الروائية السابقة.