ثمة مدافعتان أو مجالان من المدافعة بين الخير والشر. أولهما المدافعة الداخلية في النفس البشرية، التي تتطلب تربية الفرد تربية وجدانية وإيمانية عالية لردع نوازع الشر في الذات الإنسانية، والأخرى المدافعة الاجتماعية/ السلطوية في التصدي والعمل على حبس مصادر الشرور في أضيق حيز ونطاق.. بين الخير والشر صراع أزلي. فلا يمكن تصور الحياة خالية من الشر. كما لا يمكن تصورها نموذجاً للخيرية المطلقة. ومحور الخيرية والشرور يبقى هو الإنسان، بكل نزعاته واقترافه وسطوته وانحرافاته وخيريته وسلميته وعواطفه الطبيعية والفطرية. حالة المدافعة بالتعبير القرآني الكريم ليست سوى حالة الصراع الأزلي بين الخير والشر. حيث جاء في القرآن الكريم: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين». وبهذا تصبح المدافعة صراعاً أزلياً بين الخير والشر. فلا حياة ولا نماء ولا سلام ولا قيم أخلاقية فضلى مع انتشار الشرور.. إنه صراع مستمر، جعل الله فيه حياة للناس. وهذه المدافعة رحمة من رب العالمين. فهل يمكن تصور أن تستقيم الحياة دونها.. وهل يمكن التنعم بالخير دون إدراك الشر وآثاره.. وهل يمكن تعميق الولاء للقيم الفضلى بالحياة والشرور تغطي أفق البشر وفضاء الحياة.. حمل الإيمان بالله وبرسالات أنبيائه الخير للبشرية. كان إعلاناً كبيرًا بأهمية الانحياز لقيم الإيمان والرشد والحق والعدل.. مقابل كل ما يخطر على البال من شرور قد تستفحل لتجعل حياة البشر بؤساً وشقاء دائمين. تعيش النفس البشرية صراعاَ داخلياً مستمراً بين الجانب الشرير والجانب الخيّر.. أي أن الخير والشر كلاهما يتصارعان في تلك النفس.. تكون الغلبة للشر في بعض النفوس التي تتوارى فيها نوازع الخير والعكس صحيح أيضاً. لا توجد نفس بشريه كلها محض شر ونفس أخرى كلها محض خير إلا في أندر النادر من الحالات.. والصراع بينهما جزء من بشرية الإنسان، حيث عليه أن يرتقي بنفسه إلى مستوى التزكية ليصل إلى مراحل الخيرية، التي لا تستلم لهوى النفس ولا لرغبات الأرض ولا لفطرة الاستئثار ولا لظلم العباد.. ليس كل الشر اعتداء مباشر على الآخر، كسفك دم أو هتك عرض.. بل بعض الشرور تتغلف بنوع من التبرير، فتمنع حقاً أو تظلم نفساً أو تستأثر بما ليس لها.. وهنا يأتي مفهوم التزكية التي ذكرها القرآن الكريم ليكشف عن هذا الجانب العميق في النفس البشرية «ونفس وما سواها، ألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها». أما الوصول إلى مراتب الكمال الإنساني والخيرية المطلقة فهي أعظم ما يمكن أن يحققه الإنسان في حياته.. ولن تتأتى هذه إلا لذي حظ عظيم من القدرة على تزكية النفس ومقاومة الشهوات ورد نوازع الهوى، وما تزينه النفس مما يتصارع عليه البشر في الأرض. ثمة مدافعتان أو مجالان من المدافعة بين الخير والشر. أولهما المدافعة الداخلية في النفس البشرية، التي تتطلب تربية الفرد تربية وجدانية وإيمانية عالية لردع نوازع الشر في الذات الإنسانية، والأخرى المدافعة الاجتماعية/ السلطوية في التصدي والعمل لحبس مصادر الشرور في أضيق حيز ونطاق. ضعف تزكية النفس أو الترفع بها عن المظالم والشرور، وغياب القدوة، وشيوع نماذج النفاق والتدليس.. لا يقدم للمجتمع ما يُمكِّن من مدافعة الشر بنشر فضائل الخير.. ولذا يضعف دور المواعظ ويتلاشى أثر الخطب ويخفت تأثير الكلام الحسن.. ويبقى النموذج الذي يمشي على الأرض خيرية وبركة ونماء وعطاء هو أكبر محرض على فهم تلك القدرة على تزكية النفس والترقي بها والتأثير الإيجابي في الآخر. المدافعة بين الناس قانون أزلي، جعله الخالق جزءاً لا يتجزأ من طبيعة الحياة.. لن يختفي الشر تماماً في أي مجتمع، ولكن يمكن العمل على عزله وإضعافه وحصاره في أضيق نطاق، فلا يؤثّر على حياة المجتمع وقيمه وما تشده إليه الأخلاق الكريمة وخصال الخير الكبيرة. في مجتمعات كثيرة.. تطورت وسائل تلك المدافعة إلى عمل مؤسسي كبير ومؤثّر، ترعاه برلمانات منتخبة وأجهزة رقابة مستقلة وصحافة حرة ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة.. مما جعل مراقبة الأداء وكشف التجاوز ومحاصرة الخلل، والصراع المستمر حول الأداء وترقيته وملاحقة الجناة وإدانتهم.. كل هذا جعل الإفلات من الجريمة والإخفاق والظلم، وهي من ألوان الشر، صعباً والتغطية عليها أصعب. هذا النموذج نراه يومياً في بلدان انحازت لتفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة والكشف.. ولا يستغرب حينها أن نرى أنها تصحح مساراتها باستمرار لتضمن قوتها وسيطرتها ونفوذها وتقدمها على كثير من الصعد. جعل الله المدافعة خيراً ونماء وصيانة لحق الإنسان بالحياة.. وليس فقط للمؤمنين. أي أن الله وضع قانوناً عاماً للبشرية كافة على اختلاف ألوانها وعقائدها وأجناسها.. فقال: «ولولا دفع الله الناس..» ولم يخص المؤمنين فقط، مما يعني أن هذا القانون الساري على الجميع يؤكد أن تلك الخيرية رهن المدافعة.. ويجسد القول المشهور والمنسوب لابن تيمية هذا المعنى بشكل أو بآخر: «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة». Your browser does not support the video tag.