إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب التخلي عن وزير خارجيته ريكس تيلرسون في هذا التوقيت؛ يعد تحولاً مهماً في القرار السياسي الأميركي تجاه القضايا الدولية، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب الحد من التناقض في الخطاب والتوجهات السياسية بين ترمب وتيلرسون التي وصلت إلى حد الخلاف وليس الاختلاف في وجهات النظر. القرار ليس تغيير أشخاص بقدر ما هو تغيير في السياسة الأميركية مستقبلاً، حيث لا يمكن أن يكون للرئيس رأي ووزير خارجيته رأي آخر يمارسه في دوائر مغلقة لصناعة القرار، ويبدو أن هذا التوجه جاء سابقاً لأهم ملفين أطاحا بتيلرسون، هما: الملف النووي الإيراني، والمحادثات الأميركية والكورية الشمالية المرتقبة بشكل مباشر، فضلاً عن ملفات أخرى في الشرق الأوسط أهمها القضية السورية، والأزمة القطرية، والحرب في اليمن، ومكافحة الإرهاب، حيث لم يكن تيلرسون على توافق مع توجهات ترمب في إدارة تلك الملفات، ووصلت العلاقة بينهما إلى حد الإقالة وليس الاستقالة، وهو ما يفسر أن هناك تغييراً قادماً في السياسة الأميركية لإدارة تلك الملفات على أساس أمني بالدرجة الأولى وليس سياسياً. والدليل أن مايك بومبيو الذي خلف تيلرسون في منصبه أتى من أهم مؤسسة أمنية في أميركا وكالة المخابرات المركزية، فضلاً عن قدرته في إدارة المصالح كرجل أعمال، وسياسي جمهوري خاض عدة انتخابات محلية، وقانوني بالتخصص من أعرق جامعات العالم هارفارد، وهذه الشخصية التي تجمع بين تلك التخصصات والأعمال هو قريب جداً من أفكار وتوجهات الرئيس ترمب، ومنسجم معه في ضرورة صيانة وترميم المصالح الأميركية وفق شعار «أميركا أولاً». هذا الشعار سيتحول إلى أفعال مرتقبة من الإدارة الأميركية، حيث بدا واضحاً أن ثمة نفوذاً لقوى فاعلة مؤثرة في الساحة الدولية مثل روسيا عسكرياً والصين اقتصادياً، والحاجة إلى تعامل مختلف في المرحلة المقبلة؛ فالتحالفات الروسية في الشرق الأوسط التي تمثّل الأزمة السورية منطلقاً لها كانت نتيجة فراغ عسكري قبل أن يكون سياسياً؛ فمهما كان الحوار عميقاً على الطاولة فليس كما هو على الأرض، وهنا استشعر ترمب أن موقفه بالاستمرار في مكافحة الإرهاب ليس كافياً للتبرير لمشروعه في سورية، ولا بد أن يكون هناك فعل عسكري وأمني يوازي التحرك السياسي، وهنا لم يجد سوى بومبيو الرجل المناسب لإدارة ذلك الملف المعقد، والحال ينطبق على الصين التي تتحرك في مشروع اقتصادي كبير عالمياً وصل إلى حد الإغراق للأسواق، رغم أن الأرقام تصل إلى الضعف لصالح أميركا مقارنة بالصين في حجم التجارة العالمية، ولكن لا تزال المخاوف كبيرة لدى الإدارة الأميركية، وهنا كان اختيار بومبيو مناسباً كرجل أعمال بارز في الحفاظ على المصالح الأميركية اقتصادياً. العالم سيشهد تغيّراً كبيراً خلال ما تبقى من ولاية ترمب الرئاسية، وتعيين بومبيو بداية لذلك التغيير، ولكن السؤال الأهم: هل ستبقى أميركا أولاً؟.. والجواب حتماً نعم. Your browser does not support the video tag.