في منطقة الباحة والمناطق المجاورة لها انتشرت قديماً العديد من الأساطير الخيالية التي كانت تصاغ على ألسن الحيوانات والجمادات، فَتُعمِل الخيال لدى ذهن المتلقي وفي الأدب العربي الكثير من الشواهد وكذلك الأدب الأوربي، وقد وظفت الأسطورة كثيراً في الرواية وتم الاقتباس من مسمياتها. ومن القصص الأسطورية القديمة التي تداولها المجتمع قديماً في جنوب وغرب المملكة العربية السعودية، وهي أشبه ما تكون بكليلة ودمنة تلك السلسلة القصصية التي ترجمها عبدالله بن المقفع، وهي مجموعة من الروايات كتبت على ألسن الحيوانات منذ القرن الثامن الميلادي ونقلت على يد ابن المقفع إلى العربية. وقد كانت ثقافة ابن المقفع مزيجاً من الفارسية واليونانية والهندية فهذا يدل على صناعة القصص القديمة وأنها لم تكن مستغربة، وقد يعتمد الكثير من الروائيين والفلاسفة على تلك الأساطير في صياغة أفكارهم وإثراءهم للبناء الروائي. على سبيل المثال: يقول الفيلسوف والروائي التشاؤمي الألماني آرثر شوبنهاور: إن الإرادة هي ذلك القوي الأعمى الذي يحمل العقل المبصر على كتفيه، وهو يعني أن قوة الإرادة بالنسبة للعقل مثلها مثل رجل قوي أعمى يحمل على كتفيه رجلاً كسيحاً معطوب القدمين لكنه يستطيع أن يرى! فكيف توافقت فلسفة شوبنهاور مع إحدى الروايات في منطقة الباحة وما جاورها من المناطق في قصة دويبة تسمى الحلبوب (ذوات الألف قدم ) مع الثعبان وقيل إنه كان "الجد الأعلى في رتبة الثعابين "، وقبل أن نعطي لمحة عن القصة الخيالية التي ترمز للقوة والإرادة وصعوبة اتخاذ القرارات المصيرية، سنقوم أولاً بتعريف أحد أبطال القصة وهي تلك الدودة الضخمة التي تعرف أنها من الديدان الألفية، أو ذوات الألف رجل من شعبة مفصليات الأرجل حيث تمتلك زوجين من الأرجل في كل قسم من أقسام جسدها قدرت اجتهاداً بألف قدم. وكونها كانت تتغذى على نبات الحلبوب فقد سميت بذلك وعرفت لدى الناس أنها دويبة عمياء لا ترى كونها تستمر في سيرها حتى تصطدم أو تبحث عن طريق آخر وإذا شعرت بالخطر فإنها تنطوي على نفسها في شكل حلزوني. تقول الأسطورة القديمة المتوارثة: :إن الثعبان كان كفيف البصر ولكنه يتميز بأن لديه ألف قدم تنقله من مكان لآخر وتمكنه من تسلق الصخور الملساء والأماكن الصعبة، وكان جداً للثعابين حيث تندرج كل أنواعها من سلالته فأبلغته جارته الحرباء بوجود دويبة تسمى الحلبوب حادة البصر ويضرب بها المثل في الإبصار، ثم قادت الثعبان الكفيف حتى وصل إليها بهدية ليصادقها، فقال لها: ماذا لو حملتك على ظهري فأنتِ تبصرين وأنا أتنقل بك بما أملك من أقدام قوية كثر وأجوب بك الأودية والسهول والمرتفعات وتتسلقين بأقدامي وأنا أبصر بعينيك ؟! فوافقت الدودة الألفية (الحلبوب) لذلك العرض التسويقي المقنع، فركبت على ظهر الثعبان لتبصر نيابة عنه كل الأشياء التي يريدها، فتقوم بوصفها له وصفاً دقيقاً وتحدد له زاوية الانقضاض على فريسته، فاتفقا على ذلك وانطلقا، وكانت تصف له الأشياء وكأنه يراها، وعليه أن يفكر هو بقوة ذكاءه في اتخاذ قراراته، ولكن الثعبان سئم من حملها على ظهره، وقد أثقلت عليه، فأنزلها ثم فاوضها في عينيها مقابل الأرجل الألف التي يمتلكها، حتى وافقت ومنحته عيناها وخلع أقدامه، وأصبح زاحفاً حتى تدرب على الزحف لأنه كالكسيح بلا أقدام، أما الحلبوب فقد كثرت عليه الأقدام وأصبح بطيئاً في المشي، وهكذا استمر كل منهما بما قرر يتحول كما يريد بإرادته وعلى "الحلبوب" أن يدفع نتيجة اتخاذه لذلك القرار المصيري الذي لازمه طوال حياته. وفي الحقيقة أن هناك الكثير من الأمثلة للجانب الميثولوجي أو الأسطوري القديم في منطقة الباحة بحاجة إلى جمعها كونها كانت الملهم الفلسفي وظفت كثيراً في البناء والروائي لثراء القصة الأسطورية بالأبعاد النفسية والاجتماعية والفلسفية الهادفة. ذوات الألف قدم أحد الفتيان بجبل شدا: الألفية مسالمة Your browser does not support the video tag.