ولي العهد ورئيس وزراء الكويت يستعرضان العلاقات وأوجه التعاون    بكين تصدر أعلى مستوى تحذير مع توقع هطول أمطار غزيرة    مفردات من قلب الجنوب 8    أسعار الذهب تبلغ أعلى مستوياتها منذ 24 يوليو    المالية ترحب بتقرير مشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي    تطوير شامل لطريق الأمير فيصل بن بندر شمال الرياض    وكيل إمارة جازان يرأس اجتماع الاستعدادات للاحتفال باليوم الوطني ال 95    مؤشر الأسهم السعودية يغلق على ارتفاع    ندوة تاريخية تكشف أسرار تحصينات المدينة المنورة    شرطة كامبريدج: اتهام شاب بريطاني بقتل الطالب محمد القاسم    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة أحد المسارحة    الفرق السعودية تستعد لآسياد البحرين للشباب بمعسكر في كازاخستان    أمير جازان يرأس الاجتماع الدوري للجنة الدفاع المدني بالمنطقة    أمير جازان يستقبل مدير الاتصالات السعودية بالمنطقة ويطّلع على تقرير الاستدامة لعام 2024م    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة أحد المسارحة    الشؤون الإسلامية في جازان تبدأ تركيب وسائل السلامة في إدارات المساجد بالمحافظات    تحولات لبنان المنتظرة: البداية من جلسة الثلاثاء    القيادة تهنئ ممثل الملك في جزر كوك بذكرى يوم الدستور لبلاده    تأسيس جمعية المعادن الثمينة والأحجار الكريمة غير الربحية    إسقاط 61 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    وثيقة تاريخية تكشف تواصل الملك عبدالعزيز مع رجالات الدولة    دعم الجماهير كان حاسمًا.. ونطمح لحصد المزيد من البطولات    مقتل عنصر أمني وسط خروقات لوقف النار.. هجوم مسلح يعيد التوتر للسويداء    غارات جوية تثير موجة غضب في ليبيا    إحباط تهريب مخدرات في جازان وعسير    استعرضا سبل تبادل الخبرات والتجارب.. وزير العدل ونظيره العراقي يوقعان برنامج تعاون تشريعي    توقيع اتفاقية لدعم أبحاث الشعاب المرجانية    رئيس هيئة الترفيه يعلن طرح تذاكر مهرجان الكوميديا    مسرحية «طوق» السعودية تنطلق في «فرينج» الدولي    تأهيل وتمكين الطلاب للمنافسة في المحافل العالمية.. المنتخب السعودي يحصد 3 جوائز في أولمبياد المعلوماتية الدولي    تدشين كتاب "حراك وأثر" للكاتبة أمل بنت حمدان وسط حضور لافت في معرض المدينة المنورة للكتاب 2025    جددت التزامها باستقرار السوق.."أوبك+": 547 ألف برميل زيادة إنتاج الدول الثماني    تصعيد إسرائيلي.. ورفض فلسطيني قاطع.. عدوان منظم لإعادة احتلال غزة    لا تدع أخلاق الناس السيئة تفسد أخلاقك    "سعود عبدالحميد" إلى لانس الفرنسي بنظام الإعارة لمدة موسم واحد    نادي الحريق يتصدر تايكوندو المملكة ب87 منافساً    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    حرائق أوروبا تسبب خسائر وتلوثا بيئيا واسعا    جبل السمراء.. إطلالة بانورامية في حائل    استعراض أنشطة التراث أمام سعود بن جلوي    اعتماد أكاديمي كامل لبرنامج نظم المعلومات في جامعة حائل    المدينة المنورة.. صحية مليونية للمرة الثانية    جبال المدينة.. أسرار الأرض    عدم ترك مسافة بين المركبات أبرز مسببات حوادث المرور    الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في (18) موقعاً    «هلال مكة» يفعل مسارات الجلطات القلبية والسكتات الدماغية    رؤية 2030 تكافح السمنة وتعزّز الصحة العامة    15 مهمة لمركز الإحالات الطبية تشمل الإجازات والعجز والإخلاء الطبي    تأثير الأمل في مسار الحياة    آل الصميلي يحتفلون بزواج الشاب محمد عبدالرحمن صميلي    الفيحاء يخسر أمام أم صلال القطري برباعية في أولى ودياته    فريق قوة عطاء التطوعي يشارك في مبادرة "اليوم العالمي للرضاعة الطبيعية"    من حدود الحزم.. أمير جازان يجسد التلاحم بالإنجاز    قربان: المعيار المهني للجوالين يعزز ريادة المملكة في حماية البيئة    مجمع إرادة بالدمام ينفذ مبادرة سقيا كرام    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران عضو مجلس الشورى المدخلي    فرع الشؤون الإسلامية بجازان ممثلاً بإدارة المساجد في الريث يتابع أعمال الصيانة والتشغيل في الجوامع والمساجد    المولودون صيفًا أكثر اكتئابًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوبنهاور: التفاؤل من رحم التشاؤم الميتافيزيقي
نشر في الرياض يوم 28 - 08 - 2008

مؤخرا فقط تمت ترجمة المجلد الأول من كتاب "العالم إرادة وتمثلا" وهو الكتاب الرئيس للفيلسوف الألماني آرتور شوبنهاور. وتعتبر هذه الترجمة إحدى إنجازات المشروع القومي للترجمة بمصر الذي يعنى وبشكل مميز بترجمة أهم كتب الفكر والفلسفة الغربية يشرف على هذا المشروع المفكر المصري جابر وعصفور ويعمل فيه طاقم عمل ميز بحق. تكمن قيمة هذا الكتاب في أنه يحوي مجمل فلسفة شوبنهاور والذي هو احد أهم الفلاسفة الألمان وأحد أوسعهم تأثيرا.
شوبنهاور تلميذ لكانط وأستاذ لنيتشه وهذا بحد ذاته يستدعي التوقف فكلا الفيلسوفين يمثلان في تاريخ الفلسفة إضاءة مهمة. ماذا أخذ شوبنهاور من كانط وماذا أعطى لنيتشه؟ أرجو أن تتم إجابة هذا السؤال في سياق قراءة شوبنهاور التي ستكون على حلقتين، الأولى ستتحدث عن شوبنهاور وبعض جوانب فلسفته بشكل عام والثانية ستكون تفصيلية أكثر. خصوصا أن لدينا إضافة إلى كتابنا هذا كتاب عن شوبنهاور صدر حديثا هو كتاب "شوبنهاور وفلسفة التشاؤم" للكاتب اللبناني وفيق غريزي وهو صادر عن دار الفارابي
2008.ولد شوبنهاور في 22شباط 1788في أسرة ميسورة وتوفرت له ظروف العيش المناسب للتعليم والدراسة فقد كان أبوه مصرفيا ثريا وأمه مثقفة وكاتبة. درس شوبنهاور اللغات اليونانية واللاتينية وتميز فيها وفي العشرين من العمر التحق بالجامعة لدراسة الطب ولكنه عدل عن هذه الدراسة بعد مرور سنة فقط واتجه للفلسفة. وفي عام 1813رحل شوبنهاور إلى رودلشتات وأنجز رسالته الدكتوراه عن "الجذر الرباعي لمبدأ العلّة الكافية" ولكنه لم يستطع بعد ذلك العمل كأستاذ جامعي واتجه إلى الاستقلال والبحث الفردي.
شوبنهاور وأمه
لا يخلو كتاب عن شوبنهور من التحدث عن قصته مع أمه وانطلاقا من هذه القصة ترد الكثير من التأويلات والتفسيرات لحياته وفلسفته، وبصراحة أشعر أن هذه النقطة بالذات أصبحت حكاية متداولة ولا تخضع للنقد والتحليل بل يغلب عليها استمرار المتداول والرغبة في الحصول على التفسيرات البسيطة. إلا أنه رغم الحذر من هذه التفسيرات إلا أن ما جرى بين شوبنهاور وأمه أمر ليس بالعادي. ففي سنة 1805انتحر والد شوبنهاور وسبب هذا الانتحار خلاف كبير بينه وبين أمه "يوهنّا هنريت تروزينر". بعد وفا الأب انتقلت الأم والابن إلى فيمار وهناك فتحت الأم صالونا أدبيا وأصبحت تعقد علاقات ثقافية متعددة مع أبر المثقفين الألمان في ذلك الوقت من مثل غوته والأخوان شليجل وغيرهم. إلا أن الأم والابن لم يكونوا على وفاق ربما لاشتباه الابن في سلوك أمه أو لسبب آخر لم يدم الأمر طويلا حتى أدى إلى قطيعة نهائية حتى الموت. يحكى أن أم شوبنهاور سخرت يوما من كتابه "الجذر الرباعي" وقالت أنها كانت تعتقد أنه كتاب في الأعشاب الطبيعية ورد عليها قائلا "سوف يقرأ الكتاب يا أماه حتى بعد أن تختفي كتبك من صناديق القمامة". توفي شوبنهاور في 21أيلول
1860.شروط لقراءة الكتاب
ينصح شوبنهاور بقراءة هذا الكتاب مرتين على أن تتم القراءة الأولى بصبر. في المقدمة يظهر إحساس شوبنهاور من موقف الناس منه فهو يشهر بإهمال مقصود له فهو يرى أن التجاهل التام له كان حيلة أساتذة الفلسفة في عصره ولذا فهو يقول في المقدمة أن من يقرأ الكتاب ليجد فيه ما هو متوافق مع السائد في عصره فلا يتعب نفسه بالقراءة لأن ما في الكتاب يختلف تماما مع السائد والمتداول. ولذا يضع شوبنهاور ثلاثة شروط لقراءة الكتاب أولها قراءته مرتين والثاني أن يقرأ بحث "عن الجذر الرباعي لمبدأ العلة الكافية" كمقدمة للكتاب اما الشرط الثالث فهو التعرف على كانط أولا باعتباره "أهم ظاهرة قد تجلت في الفلسفة منذ ألفي سنة" كما عبّر شوبنهاور في المقدمة الأولى للكتاب. طبعا لا يفهم من الشرط الثالث أن شوبنهاور كان بمثابة التلميذ التابع لأستاذه كانط فقد نقده كثيرا وحصص لهذا النقد جزءا من الكتاب ولكنه يعترف بقيمة كانط والتحول الذي تم من خلاله على الفلسفة بعامة، عموما سنتعرف على هذه العلاقة بشكل أكبر في الجزء الثاني من القراءة.
شوبنهاور والتشاؤم
كثيرا ما يعرف شوبنهاور بفيلسوف التشاؤم ولكن هذه العبارى تحتاج إلى مسائلة ونقاش فما هو التشاؤم الذي يطرحه شوبنهاور؟ هل هو التشاؤم المتداول كثيرا بمعنى أن يتوقع الإنسان التوقعات السيئة دائما ويفقد الإحساس بالجميل في الحياة والمبهج، الشعور الذي يجعل من الحياة مؤلمة وسوداوية أي أنه تشاؤم سيكولوجي أم أن تشاؤم شوبنهاور له معنى آخر. أقنعني كثيرا طرح الأستاذ سعيد توفيق في مقدمة الكتاب حين وصف تشاؤم شوبنهاور بالتشاؤم الميتافيزيقي.فليس لهذا التشاؤم علاقة ضرورية بالمزاج الخاص بل هو موقف معرفي من العالم. هو معرفة مؤداها أن هذا العالم، عالم لا يحتوي معنى يستحق العيش وأن الإرادة التي توجه الإنسان وتحركه هي إرادة عمياء بلا منطق، عالم مليء بالشرور والآلام. داخل هذه المعرفة يمكن أن يفهم الإنسان الأحداث، بل حياته بأكملها وبالتالي فإن هذه المعرفة تعين الإنسان على الحياة وتحميه من الصدمات وخيبات الأمل التي قد يقع فيها ومن هنا يمكن أن نرى التفاؤل داخل هذا التشاؤم، بمعنى الوعي بطبيعة هذا العالم وبالتالي السكون والهدوء تجاهه والتخلص من الفزع والصدمات ومن هنا نفهم علاقة شوبنهاور بالفلسفة الهندية التي تقدس الزهد عد التشبث بالحياة لن هذا التشبث بالذات هو سر كل آلام الإنسان. تشاؤم شوبنهاور هذا ليس مجرد مشاعر تجاه الحياة والآحرين بل هو بناء فلسفي يبدأ من نظرية في المعرفة ونقاش معمق لأبرز الآراء في المعرفة والتعرف وبالتالي فإن تشاؤم شوبنهاور هو تشاؤم يمكن مناقشته بالعقل والمنطق وليس بالأدوية النفسية وإلا لما اعتبر فيلسوفا بل من أهم الفلاسفة.
شروط العبقرية الفلسفية
يرى نيتشه أن شوبنهاور قد توفرت لديه في وقت مبكر من حياته كل الخصائص التي تخلق العبقرية الفلسفية، وهي: تحرر الشخصية والمعرفة المبكرة بالطبيعة البيشرية، والتحرر من التربية المدرسية، ومن التحديدات القومية، والتحرر من الاضطرار إلى كسب القوت اليومي ومن الارتباط بالسلطة، وفي كلمة واحدة: الحرية. استوقفني هذا المقطع كثيرا فهذه الشروط التي يضعها نتشه للعبقرية الفلسفية مثيرة للدهشة. فلو أخذنا بالمفهوم العكسي لتوصلنا من حلالها لتفسير لإخفاق الكثير من المشاريع الفلسفية أو قصورها. فتحرر الشخصية، الشرط الأول يتعلق في البداية بالطفولة وبالتالي فهو ليس بإرادة الشخص وقد يستغرق الكثير من الوقت والجهد للوصول إليه كما أن المعرفة المبكرة بالطبيعة البشرية تقي الإنسان من التورط في الكثير من الأفكار التي ليست سوى نتيجة سذاجته وحسن نيته لا أكثر. أيضا التربية المدرسية التقليدية تعيق تفكير الإنسان فهي لا تفعل إلا وضع القيود والضوابط التي تعيق عمل العقل والتفكير. أما التحديدات القومية فالمفكرين العرب أبرز الشواهد على هذه الإعاقة، فباسم القومية العربية تورطت الكثير من العقول العربية في أفكار محدودة تخلت عن البحث عن الحقيقة من أجل الدفاع عن عرق معين ولو على حساب الحقيقة. أما الكسب اليومي والفقر فهي تستهلك وقت الإنسان وجهده ويصبح الباقي للتفلسف محدود جدا ولا يكفي لإنتاج فلسفة واضحة المعالم أما الارتباط بالسلطة فهو الفخ الخطير الذي يخسر المثقف عند الوقوع فيه حريته الفكرية وقدرته على النقد. وفي الختام صدق نيتشه حين قال أن الشرط الأساسي للتفسف هو الحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.