ينظر إلى الفساد على أنه مرض ينهك الدول والمجتمعات والمؤسسات عندما يتفشى فيها، وهناك من ينظر إليه على أنه عرض أو مجموعة أعراض تخفي وراءها مرضاً أو جملة من الأمراض، ومع اختلاف وجهة النظر فإن الفساد في الحالتين مسألة خطيرة ومدمرة يجب أن يبحث في جذورها وأسبابها ومعالجة تلك الأسباب وتأثيراتها والحد منها. تجليات الفساد تظهر بصور وأنواع وأحجام مختلفة سواء على الصعيد الفردي أو المجتمعي أو المؤسساتي، وبنظرة عابرة على سلوك البعض منا نجد أنهم يرتكبون سلوكيات خاطئة دون توقف عند أضرارها على اعتبار أنها أفعال بسيطة وليس لها تأثير، فعلى سبيل المثال يعتبر انتهاك أنظمة المرور نوعاً من الفساد، حيث تجد السائق لا يجد مشكلة بأن يقود سيارته على الرصيف ويتجاوز السيارات أو ينتقل إلى الجانب الآخر من الشارع بلا مبالاة لأنه على عجلة من أمره، ويقلده غيره وكأنه فعل مقبول، يحدث ذلك بلا أي تفكير بالمثال السيئ الذي يعطى للأبناء، ناهيك عن احتمال تعريض حياته وحياة الآخرين للخطر. السماح لمثل هذه السلوكيات بأن تحصل تحت مبررات المصلحة الشخصية الآنية حتى لو رآها البعض صغيرة تفتح الباب لأشياء أخرى تصل أحياناً إلى تجاوزات وأخطاء كبيرة، عندها يبدأ الاعتلال يزحف على أنظمتنا بكل أنواعها. تنطلق بعض تلك السلوكيات من شعور بالحاجة الماسة لعمل شيء ما بشكل أسرع أو تجنب أمر، أو الحصول على خدمة أو منفعة أو امتياز، ولا يكون عند الشخص إحساس بأنه يعمل عملاً خاطئاً، وحتى لو اعتبره خاطئاً فله مبرراته، فهو يريد أن يحصل على ما يعتبره حقاً له، وهنا تكمن المشكلة وهي الإحساس بالأحقية في الحصول على الشيء حتى لو بأسلوب غير نظامي أو أخلاقي لأنه لم يحصل عليه وفق النظام، وفي المقابل هناك من يستفيد من الوضع غير النظامي الذي تسير فيه التعاملات على اختلاف مستوياتها ويحصل من محتاجي الخدمات وطالبي المصالح على منافع لقاء إنجاز الخدمات، أو تسريعها، ومع التغاضي والتساهل واستمرار الفوضى يتفاقم الوضع. الفساد حلقة مفرغة لا يعرف طرفاها، ولكن فهم العوامل والدوافع والظروف يساعد على تفكيكها.