المملكة في تحول وحراك جميل لا بد أن يواكبه تطوير مستمر للتعليم في كل مراحله حتى يوفق بين ما في التراث، وما يتطلبه الوقت الحاضر وما أثبته العلم، بشرط ألا يتعارض مع نص صريح ثابت، وأن يحرص على زرع العادات التي يجب أن يتحلى بها المجتمع.. الثقافة هي الجسر الذي يربط بين الشعوب ويوثق تاريخها، وهي الوسيلة للرقي الحضاري، والفنون من أهم مقوماتها، ومن أفضل الوسائل للرقي بالذوق العام وتهذيب الأخلاق وإيصال الرسائل بأساليب مختلفة. بدعوة كريمة من السفارة اليابانية حضرت ولأول مرة في الرياض حدثاً تاريخياً وضمن برنامج الأسبوع الثقافي الياباني الذي يستضيفه مركز الملك فهد الثقافي الذي أصبح منطلقاً لكثير من الفعاليات التي تؤكد مضي المملكة في تحقيق رؤيتها لعام 2030 ومنها الرقي بالفنون والتواصل الثقافي مع الشعوب المتقدمة، وإقامة الفعاليات الترفيهية داخل الوطن، في جو من الاحترام ومراعاة القيم والضوابط الدينية التي لا تتوافر في بعض الأماكن خارج المملكة، لقد استغرق الدخول إلى المركز أكثر من ساعة للازدحام الشديد، وكثرة السيارات، مما اضطر أكثرهم إلى البحث عن مواقف داخل الأحياء والساحات القريبة من المركز، وقد امتلأت الصالات التي تستوعب أكثر من أربعة آلاف شخص بالجمهور، وهو ما يعني التعطش لمثل هذه المناسبات، وخاصة من الأسر التي وجدت كل تقدير واحترام ومراعاة لخصوصية المرأة وتخصيص أماكن خاصة بها. الشيء الوحيد الذي أثر على جمال الحفل، وأصاب الحضور بالملل هو التأخر في البدء، فقد كان مقرراً له في الساعة الثامنة لكنه لم يبدأ إلا حوالي العاشرة رغم تقديس اليابانيين للوقت، ودقة مواعيدهم، وليس لهم ذنب في ذلك، لكن كل ذلك اختفى حال بدء الحفل، وعاد الجمهور الرائع يتفاعل بكل نشاط وحيوية مع ذلك العزف الرائع والإتقان والتنويع في اختيار المقطوعات الموسيقية العالمية. ومن الجميل أنه كان متاحاً للجميع وبدون رسم دخول، وهنا أسوق بعض الملاحظات لمواكبة التحول الذي تعيشه المملكة في هذا الجانب المهم: أولاً: الفنون بكل أنواعها سلاح ذو حدين وفيها الحسن والرديء، وهذا يعني أن تبادر المدارس والجامعات إلى الاهتمام بها ووضعها ضمن مناهجها لتوجيهها الوجهة الصحيحة والرقي بالذوق العام، ولن يكون من المجدي منعها تماماً وخاصة الموسيقى التي نقول عنها في مناهجنا شيئاً، ونسمع خارج المدرسة شيئاً آخر، الموسيقى حين يهتم بها العالم المتقدم فليس لأنه يرغب في إلهاء أبنائه، أو تشتيت جهودهم وأوقاتهم، لكنه ثبت علمياً فائدة تعلمها، وليس الاستماع إليها فقط، وخاصة تأثيرها على ذكاء الطفل ومساعدته على تعلم اللغة بتنمية الجانب الأيسر من المخ، وزيادة الروابط العصبية في الدماغ مما يساعد على تحسين القدرات المعرفية، وتنشيط الذاكرة، وزيادة الذكاء، ومن يريد معرفة المزيد عن فوائدها الصحية والنفسية فما عليه سوى أن يبحث في محركات البحث، وفي الموسوعة العلمية عن نتائج أبحاث الجامعات، ومراكز الأبحاث في هذا الجانب، وقلما توجد مدرسة في العالم المتقدم لا يوجد بها فصل ومعمل للموسيقى، ومسرح لتقديم المسرحيات الهادفة، ومرسم، ومكتبة كبيرة، وعلى العكس تماماً تؤثر الفنون الرديئة على المنظومة الأخلاقية، ولها آثار سلبية على شخصية الطفل وصحته النفسية، الفنون مثل غيرها مما أوجد الله في هذا الكون حسنها حسن ورديئها قبيح. ثانياً: إذا أردنا أن ننهض بهذا الجانب ونستضيف الفرق العالمية فعلينا أن نحترم الوقت، وأن نصبح مثالاً يحتذى تعرف به المملكة، ولنا في خادم الحرمين الملك سلمان خير قدوة في احترامه للوقت، وحرصه على الوصول دائماً قبل الوقت المحدد بدقائق، لضمان بدء الفعالية في وقتها، لقد عاصرته حين كان أميراً لمنطقة الرياض، وحين أصبح ملكاً للمملكة وكان آخرها رعايته -حفظه الله- لجائزة الملك فيصل العالمية هذا العام حيث حضر قبل الوقت بعشر دقائق، وبدأ الحفل في الوقت المحدد تماماً، وأفضل مكان لتعويد قادة المستقبل على احترام الوقت في مناسباتهم واجتماعاتهم هو المدارس والجامعات، فما يتعلمه الطالب على مقاعد الدراسة، سيطبقه في حياته الخاصة والعامة بشرط أن يجد القدوة من معلميه وأساتذته، وأفضل مكان تعلمت فيه قيمة الوقت هو الطيران، حيث يحسب الوقت بالدقائق والثواني، والاجتماعات تبدأ وتنتهي في موعدها المحدد. المملكة في تحول وحراك جميل لا بد أن يواكبه تطوير مستمر للتعليم في كل مراحله حتى يوفق بين ما في التراث، وما يتطلبه الوقت الحاضر وما أثبته العلم، بشرط ألا يتعارض مع نص صريح ثابت، وأن يحرص على زرع العادات التي يجب أن يتحلى بها المجتمع، إن أراد أن يسير بخطى ثابتة نحو العالم المتقدم.