البريد يصدر طابعًا تذكاريًا لأمير مكة تقديرًا لإسهاماته في تعزيز التنمية الثقافية والاجتماعية    مشيداً بخطط الاستثمار والنهج الاستباقي.. صندوق النقد يؤكد قوة السعودية في مواجهة التحديات الاقتصادية    موجز    أصدقاء البيئة تستثمر طاقات الطلاب بمبادرة بيئية لحماية غابات المانغروف    مكالمات الاحتيال المستمرة    خلافات تعرقل جلسة برلمان ليبيا في بنغازي    رحب بالجهود الأمريكية للتسوية في أوكرانيا.. الكرملين يحذر من التصعيد النووي    بعد تصاعد التوترات بين قسد وقوات حكومية.. واشنطن تدعو للحوار في منبج والسويداء    ضمن كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. Team Falcons يمنح السعودية أول ألقابها    ابن نافل أتعب من بعده.. وإساءات نجيب    يقام في سبتمبر المقبل.. النصر والأهلي يواجهان القادسية والعلا في كأس السوبر للسيدات    أم تخفي طفلتها بحقيبة سفر تحت حافلة    تغيير التخصص الجامعي وآثاره السلبية والإيجابية    حفلات زفاف بفرنسا تستقبل الضيوف بمقابل    بعد الانكسار    خطوة يومية!    «إثراء» يختتم البرنامج الصيفي ب 5 أفلام قصيرة    المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025 ينطلق غدًا في الرياض    الدقيسي    تنفيذ مبادرة "غرس الشتلات" في منتزه قرضة بفيفا    "سلمان للإغاثة" يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحة العامة في محافظة عدن    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    ارتفاع مشاهدات المسلسلات السعودية    غزة : قصف مستمر واستهداف للمدنيين ومنتظري المساعدات    الاتفاق يواصل تحضيراته للموسم الجديد .. والفرنسي"ديمبيلي" يبدأ رحلة العودة    السعودية تحقق أول ألقابها في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    كلنا مع الأخضر    ولي العهد ورئيس الوزراء الكويتي يستعرضان العلاقات التاريخية وأوجه التعاون    الدرعية تحتفي ب"ترحال".. قصة وطن تُروى على المسرح    الحراثة التقليدية    إصدار معماري يوثق تطور المسجد النبوي عبر العصور    51.9 مليار ريال زيادة سنوية بإيرادات قطاع التشييد والعقارات    سفير سريلانكا: المملكة تؤدي دورًا عظيمًا في تعزيز قيم التسامح وخدمة الإسلام عالميًا    روائح غريبة تنذر بورم دماغي    علامات واضحة للاعتلال النفسي    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي أحد المسارحة    أمير الشرقية: تسخير التقنية وتجويد الخدمات يعكسان توجه الدولة لرفع كفاءة العمل الحكومي    أمير تبوك يبارك حصول مجمع مباسم الطبي على شهادة "سباهي"    سقوط لعبة .. الأسئلة الصعبة    12 نجمة إنجاز سلامة مرورية للشرقية    911 يستقبل 93 ألف مكالمة في يوم واحد    أبها تحتضن غداً أنشطة برنامج "حكايا الشباب" بمشاركة عددٍ من الأكاديميين والرياضيين    وكيل إمارة جازان يرأس اجتماع الاستعدادات للاحتفال باليوم الوطني ال 95    ندوة تاريخية تكشف أسرار تحصينات المدينة المنورة    الشؤون الإسلامية في جازان تبدأ تركيب وسائل السلامة في إدارات المساجد بالمحافظات    السفارة في في بريطانيا تتابع واقعة مقتل الطالب السعودي    أمير جازان يرأس الاجتماع الدوري للجنة الدفاع المدني بالمنطقة    إسقاط 61 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    وثيقة تاريخية تكشف تواصل الملك عبدالعزيز مع رجالات الدولة    لا تدع أخلاق الناس السيئة تفسد أخلاقك    طرح تذاكر مهرجان الرياض للكوميديا    جبال المدينة.. أسرار الأرض    إحباط 1547 صنفاً محظوراً    إجلاء 386 شخصا من السويداء    «هلال مكة» يفعل مسارات الجلطات القلبية والسكتات الدماغية    رؤية 2030 تكافح السمنة وتعزّز الصحة العامة    15 مهمة لمركز الإحالات الطبية تشمل الإجازات والعجز والإخلاء الطبي    من حدود الحزم.. أمير جازان يجسد التلاحم بالإنجاز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ والانقسام الفكري!
نشر في الرياض يوم 17 - 07 - 1438

فجوة رهيبة ومقيتة في مجتمعاتنا العربية بين الفكر والتاريخ في عصر المعلوماتية الرهيب مما يشكل انقساما حادا في البنية الفكرية العربية حتى أصبحنا نموج فيما نطلق عليه (ثقافة الجنوح) ولا نعني هنا بكلمة الجنوح بالانحراف وإنما أعني بها الميل على طرف واحد كما جاء في المعجم الوسيط. فتقسم البشر حتى أصبحنا في دائرية مقيتة!
والميل على طرف واحد أصبح ظاهرة تجتاح عالمنا فلا تدع فرصة للتمازج الفكري وحتى المجتمعي وهي ظاهرة جد خطيرة إذا لم نتعرض لها بالدراسة والتحليل.
لم يعد هناك بيننا من يؤمن بأفكار الطرف الآخر وقد يصل الأمر إلى تحقيرها وتسفيهها فنعمل دون أن نعي على تصدع البنية الاجتماعية من خلال تصدع البنية الفكرية والتي هي بدورها تنتج الحضارة والمعرفة وهذا يتجلى لنا إذا ما أمعنا النظر في تعدد الفكر في عدد مهول من القنوات الفضائية وكل قناة تميل على طريق واحد، دون وعي بما يخلق شرخا في البناء الفكري العام لمنهجية التفكير نفسه وسلامة تلاقحه لإنتاج فكر ناضج متوهج متماسك ومستنير؛ فينكفي كل فرد على قارعة ما يراه بحسب مهنية المرسل في استلاب الفكر والعقل. ومن هنا نجدنا نعاني من ظاهرة كبيرة لاستلاب الوعي العام.
إن ما هالني هو ما صرح به لي أحد الشباب وهو من صناع التسويق المحلي والعالمي وخبير في هذا المجال حين قال وهو يضع نفسه كمثال لبني جيله: نحن لا نقرأ لأحد بعينه لأنه لم يعد هناك ثقة في أحد! ثم قال: نحن لا نشاهد التلفزيون أو نتابع أخبارا، فقط عالمنا هو الإنترنت!..
دعونا نتأمل في رأي البعض في الفلسفة على سبيل المثال: سنجد أن هناك آراء تصل إلى حد الرفض لمجرد ذكر هذه الكلمة، لأنها فكر غربي كما يرونه دون غيرهم، بالرغم من أن هناك فلاسفة عربا ومسلمين بنيت على أفكارهم بلاد العالم في كل المناحي، لكن الجنوح الفكري الحاد لا يريد أن يتمازج مع المفهوم ومع الفكر ومع الفلسفة لكي يختار في نهاية الأمر ما يراه مقنعا، وهو ما نسميه في علم النقد (الذهنية الناقدة) التي تحلل وترصد بدون مصادرة لتصل إلى قناعة في نهاية المطاف بل أصبح الرصيد الضئيل جدا هو ما يكفيه طيلة عمرة ليتشبث به فموت وجدانه وعقله اتجاه كل ما هو جديد من علوم معرفية والآية الكريمة تقول (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). فالجنوح في هذه الحالة يمحق المعرفة ويميت خلاياه الذهنية إن جاز التعبير.
سأل رجل ابن رشد وهو في محنته الثالثة: "هل مازلت تقرأ كتب القدماء؟ (يقصد الفلسفة اليونانية). فأجابه ابن رشد: نعم أقرؤها، فما يتبع شريعتي قبلته وشكرتهم عليه، وما يختلف مع شريعتي رددته إليهم وعسرتهم عليه". كما أن الحديث الشريف يقول: (من تعلّم لغة قوم أمن مكرهم) والفكر لغة، والمعارف لغة، وحضارات الشعوب لغة، وكل إيماءة لغة، فهل نجنح على طرف واحد دون الإبحار في كل شيء لكي ننتقي ولكي نختار ولكي ننقي معارفنا وحضارتنا وقيمنا وعاداتنا وأيضا لكي ندافع بعلم عن هذه الممتلكات الغالية التي تتعرض للزيف وللتدجين؟
إن ما هالني هو ما صرح به لي أحد الشباب وهو من صناع التسويق المحلي والعالمي وخبير في هذا المجال حين قال وهو يضع نفسه كمثال لبني جيله: نحن لا نقرأ لأحد بعينه لأنه لم يعد هناك ثقة في أحد! ثم قال: نحن لا نشاهد التلفزيون أو نتابع أخبارا، فقط عالمنا هو الإنترنت!
إن هذا في رأينا هو منتهى الجنوح! فهل شاهد صديقنا الشاب كل ما يطرح على كل القنوات العربية والعالمية من معارف علمية؟ وهل قرأ لكل المفكرين العرب وغير العرب حتى يصدر هذا القرار هو وجيله لكي ينكفي على ضوء متسرب من مكان لا يعرفه، بل يجب ألا يثق به، فمرسله خلف ستار غامض؟ فهذا هو الجنوح أو الميل على جانب واحد كما في معنى الكلمة (جنحت السفينة: أي خرجت من الماء وغرست في الأرض) وهذا المعنى يصور لنا تحجر الفكر ضد أي فكر آخر وهذا ما مهد الطريق لعصابات الفكر التي تسرق العقول وتسطو عليها لتحيل بعض شبابنا إلى قتلة وسفاحين ومدمرين لأنفسهم ولأوطانهم.
من الذي أسس لهذا الجنوح؟ ومن هو صانع هذه المياه الضحلة التي نشبت فيها أقدام شبابنا بل ومثقفينا؟ من ينقذنا من عمق الوحل الذهني الذي قسمنا إلى أطياف تتناحر على اللاشيء؟ ثم يأتي الناتج بيدين خاليتي الوفاض وينتهي الأمر إلى تحطيم البنية الحضارية العربية التي هي أصل الحضارات! والتي قال عنها وليفريد ويثسغر بعين المحلل الفاحص والدارس الخبير وليس مجرد مصور يعبر الصحراء: "عندما كنت مع العرب كنت أتمنى أن أعيش كما يعيشون، وبما أنني رحلت عنهم الآن فإني مطمئن إلى أن مجيئي إليهم لم يغير من نمط الحياة التي كانوا يحيونها" ثم يقول: "أشعر بالأسف لأني أدركت أن الخرائط التي وضعتها ساعدت آخرين – ربما تكون لهم غايات أخرى – في أن يروا تلك البلاد ويفسدوا أهلها الذين أضاءت روحهم الصحراء ذات مرة كشعلة من لهب".
ألا ترون كيف يتحدث هذا الرجل العالم عن العرب؟ ذلك لأنهم كانوا رجالا دهاة! والدهاء العربي علامتهم البارزة والمميزة، ومفهوم الداهية هنا لا يعني المصيبة أو الكارثة وإنما فيما تعارف عليه العرب على أن الداهية هو حنِك الفكر جيده، وهو ما يسمى في العلوم الحديثة (الذهنية الناقدة) أي غير الجانحة وغير المتحجرة وغير المنزوية والمنطوية على حفنة من الأفكار التي لا تسمن ولا تغني من جوع! حتى نصل إلى ما وصلنا إليه من تمزق العراق وهدم سورية وحرب اليمن وتقسيم ليبيا فماذا تبقى؟
إنه نتاج هذا الجنوح الفكري الذي يصل إلى حد الكراهية لمن يختلف معه! أمر مخيف إذا لم نجلس سويا على حصيرة الفكر، نتدارسه سويا حتى يصل كل منا إلى درجة الاقتناع وندع المياه تتحرك لتحمل سفينة الفكر إلى شاطئ آمن في ظل هذا الاضطراب غير المحتمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.