معظمنا يواجه مشكلة في الصراحة سواء في صراحتنا مع الآخرين أو العكس، وفي الوقت نفسه لا ينفر بعضنا من المجاملة والنفاق واللف والدوران، وحتى من يريد منا أن يرد أو أن يعبر عن رأيه بلا مواربة فإنه يواجه بالاستياء أو الغضب والعداوة، وإذا حاول أن يتفادى رد الفعل الغاضب بتلوين كلامه وتجميله أو استخدام أسلوب اللباقة في قول الفكرة، أو بالتعبير بشكل غير مباشر فإن الشخص الذي أمامه قد لا يفهم المراد، أو أنه يفهمه ويتظاهر بعدم الفهم، وبالتالي تبقى المشكلة أو الوضع قائماً. ليست الصراحة مع الغير هي المشكلة فقط، فالمعضلة الأكبر هي في الصراحة مع النفس، وربما يكون ذلك هو موطن الداء وأصل البلاء، فالتفكير في القول أو في الرد بصدق مع النفس سيقرر مدى قناعة الشخص بكلامه واستعداده لتقبل كل ما سيترتب عليه من نتائج، وسيدفع الآخر للتفكير في حالة المتكلم وتفهّم الوضع أو الحالة التي تدفعه للصراحة، ولذلك يقال في الانجليزية «ضع نفسك في حذاء شخص ما» بمعنى ضع نفسك في موقفه لتحس بما يشعر لعل ذلك يدفعك لفهم فكره أو فعله أو قراره، لذلك وقبل أن يطلب الشخص من الآخر طلبا ما أو ينهاه عن فعل ما عليه أن يأخذ بالاعتبار الوضع والحالة. يحدث كثيراً في العمل أن تتقدم الموظفة لرئيستها بطلب ما أو تشكو من أمر، وعندما يتبين عدم أحقية الطلب أو الشكوى لا تتقبل الرد، فتعادي رئيستها وتتهمها بالتعسف وسوء المعاملة حتى لو شرحت لها أن النظام لا يسمح أو أن الشكوى غير منطقية وغير قانونية، وتلجأ بالمقابل إلى طرق ملتوية لتحقيق طلبها، وللأسف فإنها تجد من يحقق لها ما تريد لمصلحة أو علاقة ما، ولذلك تلجأ بعض الرئيسات لتحقيق المطالب رغم عدم قناعتهن تفاديا للحرب الشعواء التي ستشن عليهن لأنهن يدركن ما سيحدث بالخفاء، ولذلك يستمر مسلسل الفوضى واختراق الأنظمة والتلاعب بها. هذا الأمر ينسحب على العلاقات الأخرى، بين الأزواج والأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، وهذا ما يتسبب أحيانا في المشكلات، فالكلام الذي يخشى التصريح به في لحظات الهدوء تفاديا لرد الفعل، فإنه يتحول أحيانا إلى تصفية حسابات وتبادل اتهامات في مواقف الغضب. يجدر أن نتدرب ونربي أبناءنا في البيت والمدرسة على التعامل الصريح وخصوصا في الموضوعات الجادة طالما أن منبعه المحبة والصدق والمصلحة.