تتردد بكثرة تعابير (الاستثمار في الإنسان) أو صناعة الإنسان، أو الإنسان هو الركيزة الأولى للتنمية، دون أن تتضح ملامح هذا الإنسان الحلم أو الطموح. ولعل هذا يرجع إلى غياب ملامح الثقافة الإنسانية التي تحتفي بالفرد كقيمة مستقلة موقدة للهب الحضارة، فحينما تحجب الإرادة، وتقمع الفردانية الخلاقة، ويطمس التميز، يتلاشى معها الإنسان ليضحى به على مذبح الجماعة. إذا لصناعة الإنسان لابد أن نسأل المحاضن التي تصنع الانسان الذي نعول عليه، وننتظر دخول المستقبل بالمفاتيح التي يمتلكها. سنتجاوز الان الكثير من المحاضن التي يمر بها الفرد لدينا في بدايات حياته، فهي مازالت تمارس نفس الأدوار التقليدية في حجب التفرد ومنع كسر النموذج وحصار الابتكار، لتعود إلى قولبة الأفراد داخل نفس النمطيات المتداولة. لكن ماذا عن مرحلة التعليم الجامعي.. ماذا يحدث هناك؟ ما طبيعة النشاطات التي تنقل الوعي من صفوف الكتاتيب والتلقين إلى مراحل النضج والوعي والإرادة. ما البرامج والخطط التي تجعل من المؤسسات الأكاديمية أحد أبرز حقول الاستثمار في الإنسان؟ على اعتبار أن مؤسسات التعليم العالي هي العقل الجمعي الذي تتبلور داخله الرؤى والأفكار المستقبلية، هي المكان الذي يمد المجتمع بالنخب، وهو الذي يقدم الخطط والتصورات ويعالجها على محكات الاختبار والقياس، فالجامعات من المفترض أن تكون المشاعل التي تضيء حيرة الدرب. كم مبادرة تبنت مؤسسات التعليم العالي لربط الفرد بمحيطة، وهمومه؟ فإذا توغلنا في بعض الجامعات في جانبها النسائي سنجد أن الأمر سيصبح مركباً، فالهيئات الإدارية في الجامعات مشغولة عن جميع ماسبق في البحث عن السبيل الأمثل للتجريم والتبكيت والتلويح بالطالبة كمشروع خاطئة!! وليست ثروة استثمارية يترقبها الوطن بأجمعه، ثروة تملك الوعي والإرادة واستقلالية القرار. فعلى أدنى المستويات (عملية ذهابها وإيابها من الجامعة) فلا يكفي أن المواصلات بحد ذاتها تشكل أزمة للنساء، ولكن الطالبة الجامعية تعامل كسجين يقع تحت الإقامة الجبرية، فهي لا تستطيع أن تخرج من الحرم الجامعي دون بطاقة بها صورة السائق ورقم إقامته السارية ورقم السيارة. ما التصور الذي تضمره الجامعة عن طالباتها عبر هذا الإجراء؟ على حين أن واقع الأمر يشير إلى أنها تدين نفسها، وفشلها الذريع في تعزيز إرادة الإنسان المكلف السوي المخير بين الخير والشر. المؤسسات الأكاديمية تعلن عن واجهة تصيب بالخيبة والخذلان تداري سوأتها بالمزيد من الإجراءات البوليسية ضد الإنسان. فما هو مشروعك لجعل الأفراد قيمة استثمارية يترقبها الوطن؟ ولو حتى على مستوى بناء الشخصية تعزيز الثقة بالنفس الاحتفاء بالمبادرات والابتكارات، بدلاً من زراعة مخافر بوليسية عند البوابات تتفحص وجوه السائقين.