عندما هاجر سيِّدنا عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى المدينةالمنورة، وكان حينها فقيرًا لا يملك شيئًا، آخى النبي عليه الصلاة والسلام بينه وبين سعد بن الربيع رضي الله عنه، والذي عرض عليه -تعبيرًا عن فرحه بهذه المؤاخاة- أن يشاطره ماله، لكن ابن عوف رفض ذلك، شاكرًا له هذا النبل والكرم، وقال له عبارته الشهيرة : دُلَّني على السوق. ومن الغد ذهب عبدالرحمن بن عوف إلى سوق المدينة، فباع واشترى وربح، واستمر في ذلك إلى أن نما ماله وعُدَّ من كبار تجّار وأثرياء الصحابة. كان هذا الصحابي وقتها لا يملك إلا الإرادة، وهي التي أوصلته -بعد توفيق الله- إلى ما وصل إليه من ثراء. وهذه الإرادة هي التي يحتاجها شبابنا في الوقت الحاضر حتى يستطيعوا أن يلجوا إلى ميدان التجارة والعمل الحر ويستفيدوا من الفرص الواعدة التي يفيض بها سوق المملكة. نعم قد تواجه الشاب في البدايات عوائق؛ كتوافر التمويل اللازم، وتعقيدات بعض الإجراءات الحكومية، والتثبيط من الهمة الذي قد يلقاه من بعض أصحابه، والمنافسة غير العادلة من العمالة الوافدة التي تمكنت من التغلغل في الكثير من الأنشطة التجارية تحت غطاء التستر، إلى غير ذلك من العوائق، ولكن هذا كله يمكن أن يواجهه الشاب بكل ثبات إذا توافرت لديه مثل تلك الإرادة. على الشاب أن يدرك أن فرص تحقيق الذات وتكوين النفس تكون أكبر في ميدان العمل الحر، فهي أكبر من الفرص التي تحققها الوظيفة الحكومية، وحتى أكبر من الفرص التي ينالها من الوظيفة في القطاع الخاص. لماذا يتنازل الشاب عن نصيبه المشروع والمستحق في هذا الكنز (ميدان العمل الحر في بلده) ويتركه ليستفيد منه الوافد القادم من أقاصي الدنيا، أليس جحا أولى بلحم ثوره كما يقال !؟. ومع أنه قد ظهرت مؤخرًا تجارب ناجحة لشباب اقتحموا هذا الميدان، لكنها لا تزال محدودة مقارنة بالكم الهائل من الفرص الواعدة التي يزخر بها سوق المملكة. دُلَّني على السوق: كانت تلك هي الأيقونة وكلمة السر التي جعلت من عبدالرحمن بن عوف يدخل قائمة كبار أثرياء المدينةالمنورة، حتى قال أحدهم : "إنّ أهل المدينة كانوا عِيالًا على عبدالرحمن بن عوف؛ ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم، ويَصِلُ ثُلثًا. وهي ذات الوصفة القادرة بإذن الله بأن تحقق لك -أيها الشاب- مستوى من المعيشة يفوق ذلك المستوى الذي تحققه لك الوظيفة الحكومية ووظيفة القطاع الخاص وبمراحل. فهي وصفة لا تاريخ نهاية لها، وصالحة للتطبيق في كل مكان.