وزير الإسكان يشهد توقيع اتفاقية تطوير وإنشاء 589 وحدة سكنية في ضاحية الفرسان بقيمة تقارب مليار ريال    السعودية ترحب بنتائج تقرير اللجنة المستقلة بشأن أداء "الأونروا"    33 مليون مصل بالمسجد النبوي في رمضان    «الرابطة» تعلن تعديل مواعيد المواجهات للجولات الأربع الأخيرة ب «دوري روشن»    ضبط يمني في عسير لترويجه (20) كجم «حشيش»    في السعودية.. 99% نمو انتشار استخدام الإنترنت.. 44 جيجا بايت استهلاك الفرد في الشهر    الصفدي: السعودية والأردن تعملان سويا لوقف الحرب على غزة    أمير حائل يرفع الشكر للقيادة بعد موافقة مجلس الوزراء على منح المتضررين من أهالي قرية طابة مبالغ تعويضية    وزير الدولة للشؤون الخارجية يودع سفير كازاخستان    "تقييم الحوادث" يفند مزاعم استهداف (منزل مدني) في مديرية الجراحي بمحافظة (الحديدة)    أمير منطقة تبوك يتسلم شهادة اعتماد تبوك مدينة صحية من معالي وزير الصحة    أمير الشرقية: دعم القيادة الرشيدة كان له أكبر الأثر في اكتمال مشروع توسعة وتطوير مطار الأحساء الدولي    بتوجيه أمير عسير.. انطلاق برنامج "حياة" للإسعافات الأولية في مدارس التعليم بالمنطقة    صندوق النقد يدشن مكتبه الإقليمي بالرياض    نائب أمير مكة يزور مقر الأكاديمية السعودية اللوجستية بجدة    افتتاح تطوير وتوسعة مطار الأحساء    إتاحة رخص الأشياب غير الصالحة للشرب إلكترونياً    بمشاركة 65 متدرباً ومتدربة على مستوى المملكة: تدريب المعلمين والمعلمات على منهجية STEAM بتعليم عسير    أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج 7784 خريج وخريجة من جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    أمير القصيم يؤدي صلاة الميت على الفهيد    انطلاق اعمال وورش العمل للمؤتمر السادس عشر للمستجدات في طب الأطفال بمشاركة متخصصين على مستوى المملكة    لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الأمريكية في مجلس الشورى تلتقي بوفد من الكونجرس الأمريكي    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    الشورى يطالب بتمكين موظفي الحكومة في ريادة الأعمال    مساعد رئيس مجلس الشورى تلتقي بوفد من كبار مساعدي ومستشاري أعضاء الكونجرس الأمريكي    «الموارد»: 77% نسبة الصلح في الخلافات العمالية.. و4 محاور لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    خادم الحرمين الشريفين يجري فحوصات روتينية في «تخصصي جدة» لبضع ساعات    مبتعثة تنال جائزة تحدي الأمن السيبراني    بمشاركة نائب رئيس الوزراء البريطاني .. الرياض تستضيف مبادرة (great futures) في مايو المقبل    المرصد وحزب الله : إيران تقلص الوجود العسكري في سورية    النائب العام يُقرّ إنشاء مركز برنامج حماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    ترشيح "واحة الإعلام" للفوز بجائزة الأمم المتحدة لمشروعات منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات "WSIS 2024"    الأرصاد: الفرصة ما تزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته ال 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14    حارس العين: حاولت تهدئة اللعب بإضاعة الوقت    جيسوس: الحكم حرمنا من ركلة جزاء واضحة    «تأشير» ل «عكاظ»: 200 مركز لخدمات التأشيرات في 110 دول    فائدة جديدة لحقنة مونجارو    علامات ضعف الجهاز المناعي    أمير تبوك: عهد الملك سلمان زاهر بالنهضة الشاملة    أضغاث أحلام    الدرعية تكشف تفاصيل مشروع الزلال    شاهد | أهداف مباراة أرسنال وتشيلسي (5-0)    «خيسوس» يحدد عودة ميتروفيتش في «الدوري أو الكأس»    يوفنتوس يبلغ نهائي كأس إيطاليا بتجاوزه لاتسيو    إشادة عالمية بإدارة الحشود ( 1 2 )    دورة حياة جديدة    مبادرة 30x30 تجسد ريادة المملكة العالمية في تحقيق التنمية المستدامة    تفاهم لتعزيز التعاون العدلي بين السعودية وهونغ كونغ    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يبحثان التعاون والتطورات    طريقة عمل ديناميت شرمب    طريقة عمل مهلبية الكريمة بالمستكه وماء الورد    متى تصبح «شنغن» إلكترونية !    سعود بن نايف يشدد على تعريف الأجيال بالمقومات التراثية للمملكة    محافظ الأحساء يكرم الفائزين بجوائز "قبس"    أتعبني فراقك يا محمد !    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة 45 من طلبة جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    أخضر تحت 23 يستعد لأوزباكستان ويستبعد مران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرناس بن عبدالرحمن.. «ذيب وخطيب»
«قاضي القصيم» وقائد مقاومة أهالي «الرس» لقهر حصار «إبراهيم باشا» وجيش الغزاة
نشر في الرياض يوم 27 - 02 - 2015

عُرف كأحد أشهر رجالات القرن الثالث عشر في وسط الجزيرة العربية، توفي والده وله من العمر سبع سنين، فتولى تربيته -أمير الرس آنذاك- «سعد الدهلاوي»، وذلك بوصية من أبيه الذي أوصى أيضاً أخته الكبرى به، وفعلاً قام الاثنان بتنفيذ وصية أبيه بصدق وأمانة، فنشأ نشأة طيبة في بيئة حسنة، وقرأ القرآن في كُتاب (الرس)، ثم طلب العلوم الشرعية، وتميز بين أقرانه، كما عكف على علوم اللغة العربية، وقرأ على مشايخ عصره في (الرس) و(عنيزة)، وتنقل في مدن ومناطق (القصيم) يطلب العلم عند الشيوخ والعلماء، فدرس على تلاميذ الشيخ «عبدالله بن عضيب» إلى أن سافر ل(الدرعية)، بعدها عاد ليصبح قاضياً ومعلماً في عدة مدن، إلى أن جاء «إبراهيم باشا» بحملته العسكرية، فكان من أقوى وأذكى من تصدوا له -بشهادة الباشا نفسه-؛ ذلك هو الشيخ «قرناس بن عبدالرحمن بن قرناس بن حمد بن علي بن محمد بن علي بن راشد المحفوظي»، من قبيلة «العجمان» من «يام»، الذي ولد في بلدة (صبيح) -إحدى بلدات القصيم- عام 1191ه.
قرأ على يد الشيخ «صالح بن راشد الحربي»، وكذلك قرأ على يد الشيخ «حمد بن معمر» و»عبدالله» و»علي» ابني الشيخ «محمد بن عبدالوهاب»، قال عنه المؤرخ «ابن ضويان»: «ابتدأ طلب العلم على الشيخ عبدالعزيز بن رشيد قاضي الرس وعلى عبدالعزيز بن سويلم قاضي بريدة، ورحل إلى الدرعية عام (1216ه) للتزود من العلم والاستفادة، فقرأ على علمائها»، كما قال عنه الباحث «قبلان بن صالح القبلان» «لازمهم في الأصول والفروع والحديث ورجاله والتفسير، حتى نبغ في فنون عديدة، وقد وهبه الله فهماً ثاقباً، وكان قوي الفهم حاضر البديهة، ثم توجه إلى مكة للحج ثم جاور فيها، فقرأ على علماء المسجد الحرام في الأصول والفروع، والحديث والمصطلح، ثم رحل إلى المدينة فقرأ على علماء الحديث ورجاله والتفسير وتحصل على الإجازة بسند متصل».
نال ثقة الإمام «عبدالله بن تركي» فتولى عدة مناصب قضائية وأرسله الإمام سعود إلى جيوشه المرابطة في المدينة
رحلته في العلم
كان الشيخ "قرناس" عالماً فقيهاً قرأ على يد العلماء وتخرج من مدرسته عدد من المشايخ من أهل الفضل والعلم قال عنه المؤرخ "ابن ضويان": "ابتدأ طلب العلم على الشيخ عبدالعزيز بن رشيد قاضي الرس وعلى عبدالعزيز بن سويلم قاضي بريدة، ورحل إلى الدرعية عام (1216ه) للتزود من العلم والاستفادة، فقرأ على علمائها"، وكان الشيخ "عبدالعزيز بن رشيد" خالاً للشيخ "قرناس"، وهو الذي كان يتولى "قرناس" ويتابع تعليمه، ويحثه على متابعة العلم والعمل به، كما أنه قرأ على يد الشيخ "صالح بن راشد الحربي" الذي توفي بعد حصار(الدرعية) عام 1233ه، وكذلك قرأ على يد الشيخ "حمد بن معمر" و"عبدالله" و"علي" ابني الشيخ "محمد بن عبدالوهاب".
علاقته بمشايخه
وعن علاقة الشيخ "قرناس" بمشايخه يقول الباحث "قبلان بن صالح القبلان" "لازمهم في الأصول والفروع والحديث ورجاله والتفسير، حتى نبغ في فنون عديدة، وقد وهبه الله فهماً ثاقباً، وكان قوي الفهم حاضر البديهة، ثم توجه إلى مكة للحج ثم جاور فيها، فقرأ على علماء المسجد الحرام في الأصول والفروع، والحديث والمصطلح، ثم رحل إلى المدينة فقرأ على علماء الحديث ورجاله والتفسير وتحصل على الإجازة بسند متصل"، ونقل عن محمد ابن الشيخ قرناس قوله يصف والده "وكان يكتب كتابة حسنة ونسخ بيده عدة كتب وكانت له فراسة قوية في استخراج الحقوق وكان صلباً في الدين قوياً في تنفيذ الأحكام وانتشر صيته لانفراده أخيراً بعد أقرانه".
كما ذكره "ابن بشر" في (عدد قضاة الإمام تركي بن عبدالله) وأنّه حينها كان قاضياً لكافة مدن (القصيم)، وذلك بقوله: "وعلى القصيم قرناس صاحب بلدة الرس"، وكان قبل حملة الباشا قد تولى عدة مناصب قضائية، وأرسله الإمام سعود بن عبدالعزيز إلى الجيوش المرابطة بالمدينة المنورة قال ابن بشر: "وأرسل إليهم –يعني الجيوش المرابطة بالمدينة– الشيخ العالم قرناس بن عبدالرحمن صاحب الرس المعروف بالقصيم، فأقام عندهم قاضياً ومعلماً، كل سنة يأتي إليهم في موضعهم ذلك".
خطوطه ووثائقه
وقد عرف عن الشيخ "قرناس" -رحمه الله- بحسن الخط، فكان ينسخ الكتب ويعلق عليها؛ مما أشغله عن التأليف والبحث، -كما قال عنه القبلان-: "كان حسن الخط جداً.. كما توجد وثائق بعقارات في المدينة بقلمه، وكان عمدة بالتوثقات فيها وفي الرس، أفنى عمره في الكتابة، خط كتباً كثيرة، وهمش عليها من تقارير مشايخه، ومما يمر عليه أثناء مطالعته"، أما "ابن بسام" فيصفه بأنّه "يكتب كتابة حسنة، ونسخ بيده عدة كتب".
وقال عنه "القاضي" في (روضة الناظرين): "وكان حسن الخط جداً، وتوجد لدينا مخطوطات بقلمه النير الفائق"، مضيفاً "معظم هذه الكتب والشروحات النفيسة آلت إلى ابنه "محمد القرناس"، ثم آلت إلى ابنه "صالح"، ثم آلت إلى أبنائه -الذين ليس فيهم طلبة علم-، فتلفت بسبب الأمطار التي سقطت على (الرس) سنة 1376ه"، وهذه السنة هي ما يسميها أهالي (نجد) "سنة الغرقة" أو "سنة الهدام"، التي سقطت فيها الأمطار الغزيرة، لا سيما في (القصيم) و(سدير) ومعظم أقاليم "نجد"، وقد صورتها كاميرات الإعلاميين والهواة آنذاك، ولا زالت بعض صورها متناقلة بين الناس، لاسيما أنّها كانت في عهد الملك "سعود"، حيث انتشرت عدسات المصورين مع بداية عهد بناء الدولة، وفعلاً كان للوديان وهدام البيوت صوراً مهولة، حيث ذكر "القاضي" أنّه في هذه السنة "سقطت دار محمد، وهم في سفر، وبقي المنزل سنتين لم يحرك، وعند بناء البيت لم يهتموا بالمخطوطات التي تلفت، بل رميت مع النفايات".. والحقيقة أنّ جزءاً لا بأس به من هذه الوثائق والمخطوطات ظل –وما يزال– بيد بعض المهتمين بها، كما بقي جزء يسير لدى أحد أحفاد الشيخ.
مهام متعددة
عدد "ابن ضويان" في ترجمته للشيخ قرناس المهام التي تولاها قبل "حملة الباشا" على الجزيرة العربية، قائلاً: "..وفيها -أي عام 1227ه- ولي القضاء في الخبراء، ولم تطل مدته، ورجع إلى الرس، ولم يزل فيها إلى أن استولى عليها إبراهيم باشا عام 1232ه، إلى أن بلغه أنّ الباشا توجه إلى القصيم –في طريقه إلى مصر-، فحينئذ استتر منه وانحاز إلى قرية النبهانية غربي القصيم، فكان يأوي إليها ليلاً، ويظل نهاره في غار في جبل –وهو جبل أبان الأسمر، والذي يعرف الآن بغار قرناس-، ولم يزل كذلك إلى أن سافر الباشا، وغابت عسكره، فرجع إلى وطنه، وصار قاضياً على القصيم كله، إلى أن تولى الإمام فيصل بن تركي، فعين أبابطين في قضاء عنيزة، فمن ذلك انفصلت عنه ثم انفصلت بريدة عن ولايته حينما ولي قضاءها تلميذ قرناس الشيخ عبدالله بن صقيه واستمر قرناس على قضاء الرس وملحقاته إلى أن توفى".
ومن هذا يتضح أنّ الشيخ "قرناس" عمل بعد إجازته وتمكنه من العلم في (المدينة المنورة) بتكليف من الإمام "سعود بن عبدالعزيز"، ثم ولي قضاء (الخبراء)، ثم (الرس)، ثم تولى الدفاع عن بلدته بعد أن جرح أميرها وحاصرها الباشا، إلى جانب السرية التي أرسلها الإمام "عبدالله بن سعود" لمساعدة المدينة المحاصرة بقيادة "حسن بن مزروع"، الذي رد على رسالة الباشا حين طلب تسليم المدينة، وهدد بأنه سيأتي ويأخذها عنوة إن لم تسلم له طوعاً، فما كان من "حسن بن مزروع" إلاّ أن رد عليه بقوله: "تعال خذها"، وبهذا أعلن هو وأمير البلدة والأمير "تركي الهزاني" -الذي كان أيضاً من أمراء السرية- التحدي أمام قوات الباشا، وبعد هذه الأحداث والبطولات التي سطرها الشيخ "قرناس" إبان حصار (الرس)، تم اختياره قاضياً ل(القصيم) بأكمله، بأمر من الإمام "عبدالله بن تركي"، وذلك مع قيام الدولة السعودية الثانية.
حملة الباشا
ورغم تولي الشيخ "قرناس" القضاء في عدة مدن أبان الدولة السعودية الأولى، إلاّ أنّه عرف بين الناس وذاع صيته في أحداث حملة "إبراهيم باشا" على أقاليم (نجد)، والتي كان أولها حصار مدينة (الرس)، التي تولى الشيخ "قرناس" زمام الدفاع عنها بعد أن أصيب أميرها أثناء محاولته إبطال مفعول إحدى القنابل "القبوس"، التي تجاوزت سور المدينة، فحملها الأمير "منصور" ليضعها وسط برك الماء التي حفرها الأهالي لهذا الغرض أثناء الحصار، وكان سكان البلدة قد استعدوا لهذا الأمر، فما إن تسقط قنبلة إلاّ ويسارعون إلى رميها بأحواض وبرك الماء، ويقال إنّ القنبلة انفجرت في أحشاء الأمير، فأصابته إصابة بالغة، تولى بعد ذلك الشيخ "قرناس" قيادة رجال بلدته والدفاع عنها ضد قوات إبراهيم باشا.
ووصف الباحث "قبلان القبلان" ما حدث أثناء الحصار، قائلاً: "وتولى قياد الدفاع عن الرس أيام حصار إبراهيم باشا للرس سنة 1232ه عند مرض أميرها الذي أبدى بسالة وشجاعة، فأبلى الشيخ بلاء حسناً في الشجاعة وسداد الرأي، حتى اضطر إبراهيم باشا للصلح، وقام الشيخ بالمفاوضة عن أهل الرس، وكان الشيخ إماماً وخطيباً للمسجد الجامع بالرس بالسوق القديم المعروف بالمفرق".
مثعاب الدم
وتظل قصص الشيخ "قرناس" إبان حصار الباشا لمدينة (الرس) مشهورة متواترة بين العامة وأهل الدراية والمؤرخين، ولعل أهمها تصديه للمحاولة الأولى لإبراهيم باشا والتي صدها المحاصرون بقيادة "قرناس"، حيث لم يقم الباشا -في بادئ الأمر- معسكراً لجنده؛ ظناً منه أنّه سيقتحم المدينة بسرعة، وهو ما لم يحدث، حيث تكمن خطة الاقتحام باعتلاء السور، والقفز على سطح منزل مجاور لإنزال الجنود فيه لفتح أبواب المدينة، إلاّ أنّ "قرناس" ورجاله تنبهوا لعسكر الباشا، فصعد "قرناس" وقلة من رجاله فقتلوا المتسلقين بالسيوف، حتى سال "ميزاب" ذلك المنزل من دم المقتحمين، وسمي ذلك المكان -ولا يزال- "مثعاب الدم"، وبقي موجوداً، وكان هذا المنزل عائداً لأسرة "الرشيد" من "آل محفوظ" حتى عام 1384ه، حيث بنيت على أنقاضه المدرسة المحمدية-وفق ما ذكره المؤرخ والباحث صالح بن محمد المزروع-.
وقد أبطل أهالي الرس بقيادة الشيخ "قرناس" المحاولة الثانية لاقتحام المدينة، حين رفع الباشا مدافعة فوق جذوع النخيل التي قطعت من البساتين والمزارع المحيطة ب(الرس)، وجعلها قطعاً كالعجلات، وأصعد عليها المدافع، وحاول جنوده الاقتحام، وتجاوز الخنادق، والتسلق على الأسوار، إلاّ أنّ أهالي المدينة المحاصرين استطاعوا ببنادقهم القديمة "أم فتيلة" أن يقتلوا الجنود الذين سارعوا إلى الهرب، لا سيما وأنّ وابلاً من الرصاص هطل عليهم من فوق أسوار المدينة، وهو ما دعاهم إلى العودة لمعسكرهم، وقد استفاد الأهالي من ملح "الجريف" قرب البلدة، حيث كانوا يحشون بنادقهم، وهنا غضب الباشا -الذي كان يتابع المواجهة– غضباً شديداً، حتى إنّه رفض عودتهم، وأمر برميهم بالرصاص، وعدم دفنهم؛ لكونهم لم يستطيعوا اقتحام السور الطيني.
كما تصدى الشيخ "قرناس" للمحاولة الثالثة، حيث عزم الباشا هدم سور المدينة عبر نفق حفره الجنود تحت الأسوار، إلاّ أنّ امرأة كانت تصلي صلاة الوتر آخر الليل سمعت ضرب الفؤوس وأخبرت الشيخ، الذي احتال مع عدد من أهالي المدينة بحيلة عجيبة، حيث حفروا نفقاً قبالة نفق الباشا، وأدخلوا فيه قطة في ذيلها فتيل مشتعل، فما إن توسط القط داخل النفق، إلاّ وانفجر البارود المعد لهدم السور بمن فيه من الجنود.
ذيب وخطيب
كان حصار (الرس) ثلاثة أشهر و(17) يوماً، كأطول مدة حصار منذ قدوم الباشا من (مصر)، وقد واجه فيها الجيش المحاصر أصنافاً من الانكسارات، حتى رضخ للصلح الذي تم في 12/12/1332ه، وحينها قام "قرناس" ليخطب الجمعة فتعجب منه "إبراهيم باشا"، وقال عبارته الشهيرة: "ذيب وخطيب يا قرناس"، وحاول "إبراهيم باشا" –كما ذكر الباحث صالح المزروع- أن يمازح أحد أبناء "قرناس" الصغار وهم في ضيافة الشيخ، فناداه فلم يستجب له الصغير، وهرب بعد أن استنكر لباس الباشا وجنوده، الذين اكتظ بهم المجلس، وكان بعض مستشاريه من الفرنسين وأطبائه الطليان من ضمن أفراد جيشه، وهو ما دعا الباشا أن يحتال على الطفل بحيلة لطيفة، وكان الباشا حينها في (26) من عمره، فقال لوالده أنا سأجعله يأتي، ورمى جنيهاً ذهبياً في آخر المجلس فالتقطه الطفل، ثم رمى له جنيهاّ آخر وسط المجلس، فجاء الصغير لالتقاطه، فانقض عليه الباشا، وهو يضحك، فأمسك به وسط ضحكات الحضور، واستمر منزل "قرناس" باقياً إلى عام 1403ه، وهو المنزل الذي صيغت فيه شروط الصلح، ومنها أن لا يدخل الجيش مدينة (الرس)، وأن تبقى البلدة على الحياد ما لم تدخل جيوش الباشا (عنيزة).
غار قرناس
ولما أتم الباشا حملته على مدن (الوشم)، ودانت له باقي الأقاليم إما حرباً أو صلحاً، وبعد دخوله (الدرعية) عاد في طريقه إلى (مصر) ليقبض على الأمراء الذين قاوموه ولم يرضخوا لحكمه، وكان منهم الشيخ "قرناس" -رحمه الله-، الذي اختفى بغار عند جبل "أبان الأسمر"، قال العلامة "محمد العبودي": "التجأ إلى مكان يقال له النمرية بأبان الأسمر"، ولما وصل الباشا قريباً من (الرس) ولم يستطع رجاله أن يجدوا "قرناس" قال عبارته المعروفة: "قرناس مثل الجربوع، جحر يعرف، وجحر ما يعرف"، وقد قرأت أنّ الباشا قال هذه العبارة حينما لم يجد "ابن مضيان" -شيخ قبيلة حرب-، فربما أنّه أعادها، أو ربما أنّها قيلت لأحدهم.
وقال ابن بسام: "انحاز الشيخ إلى النبهانية غرب القصيم، فكان يأوي إليها ليلاً، ويظل نهاره في غارٍ في جبل أبان الأسود، ويعرف الآن بغار قرناس".. عاد "قرناس" بعد رحيل الباشا عن البلاد واستمر في التدريس والقضاء، وتولى عدة مناصب بعد أن ذاع أمر بطولاته ومقاومته لحصار الباشا، وقد استشهد الشيخ والشاعر "ابن دعيج" المعاصر للشيخ "قرناس" ببطولاته، قائلاً:
وشب نار الحرب فوق الرس
ثلث السنة يضربهم بالقبس
وصبروا وصبرهم قربانا
أصبر في الهيجاء من أبانا
رجال صدقٍ في اللقاء والبأس
أعيانهم وشيخهم قرناس
كتابات المستشرقين
والقارئ لكتب المستشرقين الذين دونوا في كتاباتهم فصولاً واسعة عن حملة الباشا كالفرنسيين "فليكس مانجان" و"هارفرد جونز بريدجز" و"إدوردجوان"، والإنجليزي "سادلير"، وغيرهم، يلحظ عدم وصولهم إلى تفاصيل ما يدور داخل المدن المحاصرة، وهذا واضح فيما دونوه، من خلال سردهم لأحداث الحرب والحصار، ولذا كان معظم ما دون عن الشيخ "قرناس" من ما رواه مؤرخو المنطقة وشعراؤها، حتى إنّ كثيراً من مؤرخي العهد السعودي اكتفوا بالوثائق العثمانية والسعودية، وحتى المصرية التي ما زالت أصولها محفوظة في (إسطنبول) و(الرياض) و(القاهرة).
وفاته
استمر الشيخ "قرناس" في سلك القضاء حتى وافته المنية في 26 من شهر رجب عام 1262ه، حيث قال الباحث "قبلان القبلان" أنّه توفي وله من العمر سبعون عاماً، قضاها في التعلّم، والتعليم، والقضاء، وله من الأولاد سبعة: "محمد" و"صالح" -قاضيا الرس بعده-، و"حمد" و"سليمان" و"عبدالرحمن" و"عبدالعزيز" و"عبدالله" -رحمهم جميعاً-، وكانت وفاته في عهد الإمام "فيصل بن تركي"، بعد عودته الثانية من (مصر) وخروج جيوش الباشا من كافة أقاليم الجزيرة العربية.. رحم الله الشيخ "قرناس بن عبدالرحمن" رحمةً واسعة.
الغار الذي اختبأ فيه الشيخ واشتهر ب«غار قرناس»
سرّ من قرأ..
يتعرض الباحث في كثير من قراءاته لأسماء وبيانات وربما روايات متشابهة في رواياتها متقاربة في أحداثها وأزمنتها، وهو ما عزا كثير من الباحثين -منذ العصر العباسي- لاستدراك ما كتبه علماؤهم ومشايخهم في كتب تعقب أو توضح للقارئ بعض الأمور التي أشكلت عليهم أو أنها فهمت أو رويت بغير وجهها السليم، ولذا فقد يلجأ بعض الأدباء إلى محاولة الجمع بين الروايات المختلفة وتحليلها وفق منهج التحقيق الأكاديمي، ولأن الخوض في بحور التاريخ والتراجم والأنساب من شأنه الاستئناس بالروايات المتباينة أياً كانت، ما دام أنها في محصلتها النهائية ستصب في مصلحة البحث العلمي، لاسيما أنّها في الغالب تعمد إلى تصحيح أو توضيح بعض المسائل الغامضة، وعليه ففي التقرير الذي ترجم لمسيرة الشيخ «عبدالله بن إبراهيم آل فضل»، في عدد (17007) وتاريخ الجمعة 25 ربيع الأول 1436ه، ذكرت أنّ أسرة «آل فضل» الذين نزلوا الحجاز مع دخول الملك عبدالعزيز هم من «بني ثور» من «سبيع»، ورغم أنّ ما نشر في التقرير كان مستنداً إلى مشهد وروايات لأبناء الأسرة، إلاّ أنني تلقيت اتصالاً من بعض الأسر الكريمة في مدينة (عنيزة) و(روضة سدير)، وبعض المناطق الأخرى من ذرية «زهري بن جراح الثوري السبيعي»، تفيد بطلبهم التعقيب على هذه المعلومة، وذلك رغبةً منهم بالقول بأنّ ما ذكر في التقرير مخالف للصواب، حيث لا يوجد ما يثبت هذا القول -وفقاً لما لديهم من مشجرات ووثائق تاريخية-، واستناداً لعرض وجهتي النظر فقد جرى التنبيه والتنويه بذلك.
نقوش على «غار قرناس» تحكي القصة
النفق الذي بناه جنود إبراهيم باشا وفجره «قرناس» ب«قطة»
تولى الشيخ «قرناس» قضاء القصيم بعد مواقفه البطولية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.