وَرَحَلْ الأَبَوَانْ

الثامِن مِن شَهر ذُو الحِجة هُو يَوم التَروية الذِي ينعَم فِيه الحجِيج بالمبِيت بمنَى ليغادِروها مَع إشرَاقة شَمس اليَوم التاسِع لعَرفات الله مُلبين نِداء الله تبَارك وتعَالى مُكمِلين أركَان إسْلامهم ، وَلي مَع هَذا اليَوم المبَارك وقفتِان لَا يمكِن أنْ تمحو ذكراهَا السِنون حتَى أغادِر دَار الفنَاء لدَار البَقاء ، فالوَقفة الأولَى أنَه فِي مِثل هَذا اليَوم مِن عَام 1402ه فَارقت رُوح والدِي رَحمة الله جَسده ، وأنَا شَاب لمْ أبْلغ ال 15 مِن العُمر ، فَالوقت الذِي قَضيته مَعه مِن عمر السنِين وجِيز جداً ، وَلكن رحَل تغَمده الله بوَاسع رَحمته وَترك لِي ولإخْوتي ذكرَاه العطِرة التِي تغمُرنا بالحُب والعَطف والحنَان والوِئام ، فَقد أغدَق عَلي رَحمه الله بِكل المتَع التِي تجعَلني مميزاً بَين أقرَاني ، ومَا يزِيد الحُزن ألماً أننِي كلمَا تَذكرت تِلك الأيَام الجمِيلة التِي كسَاها بروائِعه لأنْعم بطِيب الحيَاة عَاتبت نفسِي لعَدم مَعرفتي بحقُوقه لصغَر سِني ، أَما الموقِف الآخر الذِي وَضع بصمَته فِي الفُؤاد أَنه فِي نَفس اليَوم بإختِلاف المكانْ والزمَان ودَع الحيَاة بَعد مُعاناة مَع المرَض العَام المنصَرم 1433ه والِد زوجتِي العَم ( محمَد رَفه ) تَغمده الله بوَاسع رَحمته خَارج البِلاد لِيكتب بِإذن الله تعَالى مِن الشُهداء ، والفَترة الزَمنية التِي قَضيتها معَه مُقاربة عددياً للفَترة التِي قَضيتها مَع الوالد رَحمه الله ، إِلا أنهَا مختلِفة فِي أمُور أخرَى بإختِلاف العُمر الذِي بَلغته ، فَهو الذِي أكرمَني بفَلذة كَبده إبنَته الكبْرى لِتكون سكناً لِي ، وأماً لأبنَائي الذِين وهبنِي إيَاهم المولَى تَبارك وتعَالى خِلال عَقدين مِن الزمَان ، فالإثنَان تغمدهمَا الله بوَاسع رَحمته لهُما مِن الأفضَال الكثِير التِي غَمروني بهَا فِي حيَاتهم وبعَد مماتِهم ، واليَوم بَعد رحِيلهم لَا أملُك غَير الدُعاء لهمْ لِرد بعض مِن جمَائلهم التِي أنعَم بِها بَعد أنْ تَواروا الثَرى .
اللهُم أرحمهُم ، وأغفِر لهُم مَا بَدر مِنهم مِن سَيئات فِي حيَاتهم الدُنيا ، وَلا تُعذبهم بعَذابك فأنْت أَهل الرَحمة والمغفِرة ، اللهُم يمِن كتَابيهم ، وَلا تحرِمهم لِذة النَظر لوجهِك الكرِيم ، وأسْكنهم الفِردوس بَلا حسَاب وَلا عَذاب يَا أرحَم الراحمِين.
نبيه مراد العطرجي- مكة المكرمة