وَرَحَل أَمِينْ

كُل شَيء فِي هَذه الحيَاة لَه عُمر وأجَل ، والإنْسان مهمَا قُدر لَه مِن العَيش عَلى ظَهر الأرضْ لَا بُد مِن أنْ يُغادرهَا لِيسكن باطنهَا ، فَمدة‌ حيَاة‌ الإنْسان‌ الدنيوِية مَعلومة‌ وَمحدُودة‌ لدَى عَلام الغيُوب ، وَلا يمكِن للمَرء أنْ‌ يعِيش‌ أكثَر مِن‌ الزمَن‌ الذِي‌ قُدر لَه ، كمَا أَن المرءْ لَا يعرِف الزمَان والمكَان الذِي سَيفارق فِيه الحيَاة ، وَلا يدرِي كَيف ستَكون نهَايته التِي تختلِف مِن شَخص لآخر ، فَألم الفُراق وشِدته تتبَاين بَين مَن نفقِد ، وَلكل فُقدان مَذاقه المرْ ، وَكل أنوَاع الفقدَان تُسبب آلاماً بِالنفس ، وَقد كُنت أظُن أَن فُقدان الوَالدين أكبَر المصَائب التِي تَنزل بالأبنَاء حتَى أرَاد الموْلى أَن أتجرَع وَأتذَوق ألمْ فُقدان الإبنْ الذِي لمْ يخطُر فِي بِالي بأننِي سَأحمله فِي يَوم مِن الأيَام عَلى أكتَافي ليوَارى الثرَى فِي حيَاتي ، فَذلك الشعُور الألِيم لَا يُمكن وَصفه أوْ البَوح بِه ، فَهو شُعور حُزن مختَلف عَن باقِي الأحزَان التِي يعِيش لحظاتهَا الإنْسان ، فِفي العَام الماضِي 1431ه وَفي اليَوم الثامِن مِن شَهر رمضَان المبَارك غُدِر بإبنِي البِكر ( أمِين ) رَحمه الله ليفَارق الحيَاة شهِيداً بإذنْ الله تعَالى بَعد أنْ مَثل بِه قَاتله ، وَطعنه طعنَات عدِيدة بَلا رَحمة وَلا خَوف مِن الله المُطلع عَليه وَهو يقتُل نَفسا حَرم الله قتلهَا إلَا بالحَق ، عَام مضَى عَلى وفاتِه أنقضَت أيامُه بِلباس الحُزن الذِي يزدَاد فِي القَلب يَوما بَعد يَوم ، فِذكراه غَدت أمَام ناظرِي دَائمة مِن طُلوع الشَمس حتَى المغِيب ، وَفي اللَيل أسَامرها عَلى ذكريَات مَاض مضَى لنْ يعُود ، فَالحمد لله عَلى قضَائه ، فَالمال وَالأهل ودَائع ، وَالله قدْ أستَرد وَديعته ، وَالملتقى الجَنة بإذِن الله تعَالى .
دُعاء : اللهُم إِن ( أمِين ) فِي ذمتَك وَحبلِ جِوارك فَقه مِن فتْنة القَبر وَعذاب النَار وَأنتْ أهَل الوفَاء وَالحق فَاغفر لَه وارحَمه إنَك أنْت الغفُور الرحِيم ، اللهُم عَوض شبَابه الجنَة ، وَأكتبه مِن الشُهداء يَا أرحَم الرَاحمين .
نبيه مراد العطرجي-جدة