أصبح من المؤكد الآن، وبعد أن اعترفت الإدارة الأمريكية بفشلها في دفع إسرائيل إلى تجميد الاستيطان لفترة محدودة نظير سلة حوافز جديدة، أن عملية السلام من خلال المفاوضات المباشرة وغير المباشرة وصلت إلى طريق مسدود، مما أعاد الحديث مجددًا عن المفاوضات السرية التي أصبحت ضمن البدائل الجديدة التي يمكن أن تبدد إخفاق واشنطن في إمكانية حل النزاع في الشرق الأوسط من خلال المفاوضات العلنية، وبما يعني أيضًا أنه لا يمكن التوصل إلى حل الدولتين خلال عام أو عدة أعوام. ورغم مزايا المفاوضات السرية لجهة تحررها من محاولة قوى المعارضة من الجانبين على إعاقتها ووضع العراقيل أمامها، إلا أن فرص نجاحها تبدو أكثر، وهو ما أثبتته محادثات أوسلو. ورب قائل أن أوسلو نجحت في شقها النظري والإطاري، لكنها فشلت في جانبها العملي والتطبيقي عندما تنصلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1993 حتى الآن عن الوفاء بالتزاماتها إزاء بنود الاتفاقية، لكن جانب من المسؤولية في هذا الفشل يعود إلى الفلسطينيين أنفسهم، وليس فقط للتعنت الإسرائيلي، إذ كان يتعين على الجانب الفلسطيني اللجوء إلى البدائل والخيارات التي يطرحونها الآن منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها إسرائيل أساليبها في التحايل والمراوغة والتحلل من التزاماتها إزاء عملية السلام بموجب تلك الاتفاقية والاتفاقيات التي تلتها. لعل إدارة أوباما قد تعلمت الدرس الذي تعلمته من واقع وساطتها بين إسرائيل والفلسطينيين بأن محاولات إغراء إسرائيل بالحوافز لا تجدي لأن إسرائيل تدرك جيدًا أن ما ترغب في الحصول عليه من واشنطن لا يحتاج إلى شروط أو إملاءات. ولعل الفلسطينيين تعلموا الدرس بأن الإسرائيليين لن يقدموا أي تنازل إلا إذا شعروا بأن هنالك ثمنًا باهظًا يتعين عليهم دفعه إذا ما طالت المفاوضات، وإذا ما استمرت في محاولاتها إخراج عملية السلام عن مسارها ومضمونها. كما يتعين على إسرائيل أن تتعلم الدرس بأن مفتاح السلام هو في يد الفلسطينيين، وأن لصبر الفلسطينيين حدود، وهو ما بدأت مؤشراته في الظهور من خلال الرفض القاطع الذي أبدوه لاستئناف المفاوضات بدون الوقف الكامل والشامل من البناء الاستيطاني.