رئيسة الحكومة ووزير الصحة بتونس يستقبلان الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية    رابطة العالم الإسلامي تُدين العنف ضد المدنيين في غزة واعتداءات المستوطنين على كفر مالك    لجنة كرة القدم المُصغَّرة بمنطقة جازان تقيم حفل انطلاق برامجها    ليلة حماسية من الرياض: نزالات "سماك داون" تشعل الأجواء بحضور جماهيري كبير    عقبة المحمدية تستضيف الجولة الأولى من بطولة السعودية تويوتا صعود الهضبة    "الحازمي" مشرفًا عامًا على مكتب المدير العام ومتحدثًا رسميًا لتعليم جازان    «سلمان للإغاثة» يوزّع (3,000) كرتون من التمر في مديرية القاهرة بتعز    فعاليات ( لمة فرح 2 ) من البركة الخيرية تحتفي بالناجحين    في حالة نادرة.. ولادة لأحد سلالات الضأن لسبعة توائم    دراسة: الصوم قبل الجراحة عديم الفائدة    ضبط شخص في تبوك لترويجه (66) كجم "حشيش" و(1) كيلوجرام "كوكايين"    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة البسام    نجاح أول عملية باستخدام تقنية الارتجاع الهيدروستاتيكي لطفل بتبوك    صحف عالمية: الهلال يصنع التاريخ في كأس العالم للأندية 2025    مقتل 18 سائحًا من أسرة واحدة غرقًا بعد فيضان نهر سوات بباكستان    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقوى الله أعظم زاد، وشهر المحرم موسم عظيم للعبادة    12 جهة تدرس تعزيز الكفاءة والمواءمة والتكامل للزراعة بالمنطقة الشرقية    الشيخ صالح بن حميد: النعم تُحفظ بالشكر وتضيع بالجحود    مكاسب الهلال من بلوغ دور ال16 في كأس العالم للأندية    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    تمديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية عن المكلفين حتى 31 ديسمبر 2025م    مواعيد مواجهات دور ال16 من كأس العالم للأندية    استشهاد 22 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    مدير جوازات الرياض يقلد «آل عادي» رتبته الجديدة «رائد»    شاموسكا إلى التعاون.. واتفاق بين نيوم وجالتييه    وزارة الرياضة تحقق نسبة 100% في بطاقة الأداء لكفاءة الطاقة لعامي 2023 -2024    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    في إلهامات الرؤية الوطنية    ثورة أدب    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    أخلاقيات متجذرة    القبض على وافدين اعتديا على امرأة في الرياض    كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    البدء بتطبيق"التأمينات الاجتماعية" على الرياضيين السعوديين ابتداءً من الشهر المقبل    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    تحسن أسعار النفط والذهب    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الإطاحة ب15 مخالفاً لتهريبهم مخدرات    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكدية مكة: كَدَا، وكَدَاء، وكُدَاء، وكُدَىّ 1/2

يقول الأستاذ أحمد السباعي –رحمه الله– في كتابه (تاريخ مكة): إن مدينة مكة المكرمة تقع على (21) درجة ونصف درجة تقريبًا عرضًا شماليًا وعلى نحو (40) درجة طولًا وترتفع عن سطح البحر بنحو (280) مترًا. ويبين السباعي أن مكة تقع في “وادٍ تحيط به الجبال وتنحدر سيولها فيه” (1).
وجغرافيًا تقع مكة المكرمة في المنطقة الغربية من وطننا الغالي المملكة العربية السعودية، وهي منطقة يُعَرّفها الجيولوجيون بالدرع العربي(2)، وهي من أقدم التكوينات الجيولوجية في المنطقة، حيث تسود صخور الجرانيت فيها.
وقد أشارت دراسة لإحدى الشركات الاستشارية أجريت في منطقة مِنى أن الصخر المكشوف في المنطقة في غالبيته جرانيت وجراندورايت ودايورايت. وهذه الصخور هي الغالبة في طبيعة أراضي مكة المكرمة(3).
وتتصف مكة المكرمة بأنها مدينة جبلية تقول عنها الباحثة «رقية حسين نجيم» في كتابها (البيئة الطبيعية لمكة المكرمة) من إصدارات مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة: إن جغرافيتها البشرية تخضع للتركيب التضاريسي أكثر من أية مدينة من مدن المملكة. وتقول نجيم: إن من الجبال الموجودة في الجزء الشرقي من هضبة مكة المكرمة كل من: جبل الطارقي، جبل الأحدب، جبل ثبير، جبل الرخم، جبل النور، جبل اذاخر، جبل السيدة، جبل الخندمة، جبل ثور، جبل النسوة، وتقول: إن هذه الجبال هي أعلى جبال مكة المؤثرة على التصريف. كما تبيّن الباحثة أن من الجبال المنخفضة والموجودة في الجزء الغربي من هضبة مكة كل من: جبل أبي قبيس، جبل قعيقعان، جبل الكحل، جبل أبي لهب، جبل الكعبة، جبل قلعة أجياد، جبل السبع نبات، جبل عمر(4).
وفي بحث جادّ ضمّنه الدكتور عبدالله بن صالح الرقيبة في رسالة الماجستير التي قدمها إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يقول الدكتور الرقيبة: إن عبدالرحمن الشريف ذكر في كتابه (جغرافية المملكة العربية السعودية): أن مكة المكرمة تقع وسط تلال صخرية تسمى بالجبال الساحلية هي جزء من الدرع العربي. وهذه الجبال عبارة عن جبال وتلال متقطّعة توازي في امتدادها السهل الساحلي. وقد نتجت عن عملية انهدام أحدثت حفرة البحر الأحمر، ولذلك كانت تضاريسها معقدة، فهي تتكون من مجموعات من النجود المرتفعة إلى جوار أغوار عميقة تحولت بفعل عوامل التعرية إلى كتل جبلية وتلال مختلفة الأشكال، وقد شغلت الوديان تلك الأغوار وزادت من تعقيد سطحها، ولذلك تتسم بالقمم الحادة والوديان الفسيحة العميقة، ويختلف ارتفاع الجبال اختلافًا كبيرًا(5).
ولا شك أن هذه الجبال وغيرها من جبال البلد الأمين تختزن جزءًا هامًا من قصص تاريخ مكة وقصص التاريخ الإسلامي كما تختزن جغرافيتها كثيرًا من ذاكرة ذلك التاريخ.
فالقرآن الكريم نزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في أثناء اعتكافه في غار حراء بجبل النور. وتقول بعض الروايات الإخبارية إن أبا البشر آدم عليه السلام التقى بزوجه حواء على قمة جبل الرحمة في عرفات قرب مكة. وجبل ثور تشرف بإيواء سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه الصديق -رضي الله عنه- في غاره لعدة أيام في بداية رحلة هجرتهم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. ويسجّل جبل خندمة قصه دخول سيف الله المسلول خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى مكة المكرمة خلال ملحمة الفتح.
يقول مؤرخ مكة المكرمة المعروف الشيخ عاتق بن غيث البلادي رحمه الله: قيل إن حماس بن قيس بن خالد أحد بني بكر، وكان يعدّ سلاحًا، فقالت امرأته: لِمَ تعدّ ما أرى؟ قال: لمحمد وأصحابه، فقالت له: ما أرى أنه يقوم لمحمد وأصحابه شيء، فقال: والله أني لأرجو أن أُخدِمِكِ بعضهم. ثم قال:
إن يقبلوا اليوم فما بي علّة
هذا سلاح كامل وآله.
وذو غرارين سريع السلة.
ثم شهد يوم الفتح الخندمة مع ناس قد جمعهم صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، فهزمهم خالد بن الوليد، فمر حماس منهزمًا حتى دخل بيته، قال لامرأته: أغلقي عليّ بابي، قالت: فأين ماكنت تقول؟ فقال:
إنك لو شهدتنا بالخندمة
إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمةَ
واستقبلتنا بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربًا فلا تُسمع إلا غمغمة
لهم نهيب خلفنا وهمهمة
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة(6).
كما أن جبل قعيقعان يختزن ذاكرة التاريخ القديم لمكة وقاطورا وقد أصبح اليوم لهذا الجبل عّدة أسماء، حيث تسمّى بعض أجزائه بأسماء كثيرة منها: جبل العبادي، وجبل السليمانية، وجبل هندي، وجبل الفلق، وقرن، وجبل السودان. وبين الفلق والقراره له عده أجزاء بأسماء مختلفة مثل: جبل القرارة، وجبل فلفله، وجبل النقا. هذا الجبل (قعيقعان) يحكي قصة جرهم وقاطورا الذين سكنوا مكة منذ أيام إسماعيل عليه السلام.
يقول ياقوت عن جبل قيقعان أنه سُمِّي بذلك لأن قاطورا وجرهم لمّا تحاربوا قعقعت الأسلحة فيه، وعن السدى أنه قال: سُمّي الجبل الذي بمكة قعيقعان لأن جرهم كانت تجعل فيه قسيَّها وجعابها ودَرَقَها، فكانت تقعقع فيه (7).
ويسمي طرف قعيقعان المشرف على حارة الباب بجبل المطابخ. وقد يظن البعض أن تسمية هذا الجبل بهذا الاسم هي تسمية حديثة العهد. إلاّ أنَّ المصادر التاريخية تبيّن أن هذا الجبل عُرِفَ بهذا الاسم (جبل المطابخ) منذ مئات السنين. فلقد ورد ذكر جبل المطابخ باسمه هذا في العديد من المصادر التاريخية المتقدمة والمتأخرة.
عن هذا الجبل يقول الشيخ عاتق بن غيث البلادي رحمه الله: المطابخ: بمكة بجنب حارة الباب جبل يسمى جبل المطابخ وهو أحد نعوف قعيقعان الجنوبية، وقال المتقدمون: سُمّي بذلك لأن تبّعًا همَّ بهدم البيت الحرام، فسقم فنذر إن شفاه الله أن ينحر ألف بدنة، فَعُوفِي فَوَفّى بما أنذر، وجلبت المطابخ إلى هناك، ثم أطعم الناس(8).
كما يقول البلادي: إن الأزرقي قال في خبر قتال قبيلتي جرهم وقاطورا: إن القوم تداعوا للصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ، شِعب بأعلى مكة يقال له: شِعب عبدالله بن عامر بن كريز.
ونحر مضاض بن عمرو –ملك جرهم- للناس وطبخ فسمي المطابخ.
يقول البلادي: قلت: هذا يُعرف اليوم بشعب عامر(9).
وقد جاء ذكر لجبل المطابخ في كتاب (أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه) لصاحبه مؤرخ مكة أبوعبدالله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي –رحمه الله- توفي حوالي سنة(272ه) وهذا الكتاب الذي قام معالي الدكتور عبدالملك بن دهيش –جزاه الله خيرًا- بتحقيقه.
عن هذا الجبل يقول الفاكهي –رحمه الله-: “المطابخ: شِعب عبدالله بن عامر كله يقال له: المطابخ: سمي بذلك لتُبّع، لما قدم مكة طبخ فيه ونحر”(10).
أيضًا من جبال مكة التي تختزن تاريخها جَبَليّ كدي وكداء.
يقول ياقوت في معجم البلدان: كُدًى: بالضم والقصر جمع كُدْيه، وهي صلابة تكون في الأرض. يقال للحافر: إذا بلغ إلى حجر لا يمكنه معه الحفر قد بلغ الكُدْيَة، وهو موضع بمكة فيه اختلاف(11).
وعن هذا الموضع يقول ابن منظور (المتوفى سنة 711ه) في لسان العرب: إن كُدى وكُداء: موضعان، وقيل: هما جبلان بمكة، وقد قيل كَدًا، بالقصر، يقول ابن منظور: قال ابن قيس الرُّقَياتِ:
أَنتَ ابنُ مُعْتلَج البِطاح
كُدَيِّها وكَدائِها
كما يقول ابن منظور: إن ابن الأنباري يقول: كَداء، ممدود: جبل بمكة، وقال غيره: كدًا جبل آخر، وقال حسان بن ثابت -رضي الله عنه-:
عَدِمْنا خَيْلَنا إن لم تَرَوْها
تُثيرُ النَّقْع، مَوْعِدها كَداء
وقال بشير بن عبدالرحمن بن كعب بن مالك الانصاري:
فسَل الناسَ، لا أبا لَكَ عنّا
يومَ سالَتْ بالمعْلمين كَداء
قال: وكذلك كُدَيّ، قال ابن قيس الرُّقيَّات:
أَقْفرَتْ بعدَ عبدشمسِ كَداء،
فَكُديّ فالركنُ فالبطحاء
ويقول ابن منظور: إنه في الحديث: أنه -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح من كَداء، ودخل في العمره من كُدي.
ويبين لسان العرب أن كَداء بالفتح والمد، ويعرّفها بأنها: الثنية العليا بمكة مما يلي المقابر، وهو المْعلَى. كما يبين أن كُدًا، بالضم والقصر: الثنية السفلى مما يلي باب العمرة، وأمّا كُدَيّ، بالضم وتشديد الياء، فهو موضع بأسفل مكة، شرفها الله تعالى.
يقول ابن الاعرابي: دَكا إذا سَمِنَ وكَدا إذا قطع(12).
وجاء ذكر كُدى في كتاب (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) لصاحبه أبو الوليد الأزرقي المتوفى سنة 223ه.
عن ذلك يقول الأزرقي رحمه الله: إنه لما كان جرهم وقاطورا يومئذ أهل مكة كان على جرهم مضاض بن عمرو ملكا عليهم، وعلى قاطورا رجل منهم يقال له السميدع ملكا عليهم، ولما نزلا مكة « نزل مضاض بن عمرو ومن معه من جرهم أعلى مكة وقعيقعان، فحاز ذلك، ونزل السميدع أجيادين وأسفل مكة فما حاز ذلك، وكان مضاض بن عمرو يُعْشّر من دخل مكة من أعلاها وكان السميدع يُعْشّر من دخل مكة أسفلها ومن كُدى»(13).
وفي تحقيقه لكتاب (أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه) للفاكهي رحمه الله يعلق معالي الشيخ عبدالملك بن دهيش على ما ذكره الفاكهي من أن: «الناس كانوا يستقون من البركة الكبيرة التي بأعلى مكة، حتى كانت سنة عشر ومائتين، فكتب صالح بن العباس إلى امير المؤمنين المأمون يستأذنه في عمل البرك الصغار التي في فجاج مكة، وأن يكون ذلك منه، فكتب إليه يأمره أن يتخذ له بركًا في الفِجاج خمسًا لئلا يتعنّى أهل المسفلة وأهل الثنية وأجيادين، والوسط، إلى بِركة أم جعفر بالمعلاه».. إلى آخر ما جاء.
عن هذه الثنية يقول الدكتور ابن دهيش: “هي الثنية السفلى، التي يسن الخروج من مكة عليها، وتسمى (كُدى) بضم الكاف والقصر. وتسمى اليوم (الشبيكة) أو (ريع الرسام) (14).
وفي كتاب « المناسك» وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة لصاحبه إبراهيم بن اسحق بن إبراهيم الحربي المتوفى سنة 285ه، جاء ذكر لكدا في القسم الخاص بمكة المكرمة وما فيها من الآثار.
يقول الحربي: ولمكة ثنيتان: الثنية العليا والثنية السفلى، ويقال للعليا، للموضع أذاخر.
وينقل الحربي عن هشام ابن عروه عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها قولها: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح من الثنية العليا.
ونقل عن عبدالعزيز بن محمد عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى بمكة.
ويقول الحربي: إن ابن اسحق قال: حدثني ابن ابي نجيح قال: فرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيشه عام الفتح، فأدخل الزبير من كَدا، وأدخل خالد بن الوليد من الليط (يقول محقق الكتاب أن الليط في أسفل مكة من جهة جرول)، وآمر سعد بن عبادة أن يدخل من كُدا ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أذاخر، حتى نزل على مكة. (يقول المحقق: إن أذاخر لا يزال معروفا بهذا الاسم يطلق على الجبل، وفي طرفه ثنيتان، تفضيان إلى المعابده مقابله القصر الملكي (قصر السقاف) (والذي أصبح فيما بعد مقرًا للإمارة)(15).
أمّا عبدالله بن عبدالعزيز البكري الأندلسي المتوفى سنة 487ه صاحب كتاب (معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواقع) فإنه يقول:
(كَدَاء) بفتح أوله، ممدود لا يُصْرَف لأنه مؤنث: جبل بمكة مذكور في رسم ضريه. وكَدَاء هذا الجبل: هو عرفة بعينها، وهي كلها موقف إلا عُرنه، وليست عُرنه من الحرم، بينها وبين الحرم رمية بحجر، قال حسان يوعد قريش:
عَدِمنا خيلنا إن لمَ تَروْها
تُثِير النْقع مَوعِدُها كَدَاء
وقَال ابن الرقيات:
أَقفرت بعد عبدشمس كَدَاء
فكُدَى فالركنُ فالبطحاءُ
وكُدَى: جبل قريب من كَدَاء. يريد عبدشمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حِسل بن عامر بن لؤي بن غالب. وأنشد الخليل:
أنت ابن معتلج البطاح
كُدَيّها فكَدَائها
وروى البخاري وغيره، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر خالد بن الوليد يوم الفتح، أن يدخل من أعلى مكة من كَدَاءَ، ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- من كُدًى.
وروى في موضع آخر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدخل مكة من كَدَاءَ، ويخرج من أسفلها من كُدًى، بضم أوله، وتنوين ثانية، مقصور، على لفظ جمع كُدْيَه. قال علي بن أحمد (بن سعيد بن حزم الأندلسي): وكُدًى: بأسفل مكة، بقرب شِعب الشافعيين وشِعب ابن الزبير عند قُعَيْقِعان. حَلَّقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع من ذي طُوى إلى كَدَاء (وحلق من كُدًى إلى المُحصّب) فكأنه ضرب دائرة في دخوله وخروجه، بات بذي طُوى، ثم نهض إلى أعلى مكة، فدخل منها من كَدَاء، وفي خروجه خرج من أسفل مكة، ثم رجع إلى المُحَصَّب.
وأما كُدَى مصغر، فإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن، وليس من هذين الطريقين في شيء. وكان دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- من: كَدَاءَ وخروجه من كُدًى في حجة الوداع (16).
ويقول ياقوت الحموي -المتوفى سنة 626ه- في معجم البلدان: كَدَاء: بالفتح والمد.
قال أبو منصور أكْدَى الرجل إذا بلغ الكدى وهو الصخر، وكدأ النبتُ يكْدَأ إذا أصابه البرد فلبَّده في الأرض أو عطش فأبطأ نباته، وإبل كاديه الأوبار قليلتها، وقد كديت تكدى كَدَاءَ، وفي كداء ممدود وكُدَىّ بالتصغير وكدَى مقصور كما يذكره اختلاف ولابد من ذكرها معًا في موضع ليفرق بينها.
المصادر:
(1) السباعي، أحمد: تاريخ مكة، الطبعة الثامنة، مطابع الصفا، مكة المكرمة، (1420ه - 1999م)، ص/15.
(2) الرقيبة، عبدالله بن صالح: الحج إلى مكة المكرمة – دراسة جغرافية لمنطقة الحج وإعداد الحجاج، (3) رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، (1404ه - 1405ه)، ص/7
المصدر السابق، ص/11
(4) نجيم، رقية حسين سعد: البيئة الطبيعية لمكة المكرمة، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، (1420ه - 2000م)، ص/68.
(5) الرقيبة، عبدالله بن صالح: الحج إلى مكة المكرمة، مصدر سابق، ص/12
(6) البلادي، عاتق بن غيث: معجم معالم الحجاز، ج/3، دار مكة للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، (1399ه-1979م) ص/160-162.
(7) الحموي، ياقوت بن عبدالله: معجم البلدان، المجلد الرابع، ج/7، تحقيق محمد عبدالرحمن المرغلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت،(1416ه-1966م) ص/74.
(8) البلادي، عاتق بن غيث: معالم مكة التاريخية والأثرية، الطبعة الثانية، دار مكة للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، (1403ه-1983م)،ص/278.
(9) المصدر السابق، ص/279.
(10) الفاكهي، محمد بن اسحق: أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، تحقيق د. عبدالملك بن دهيش، المجلد الرابع،الطبعة الأولى، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، (1407ه -1987م)، ص/138.
(11) الحموى، ياقوت بن عبدالله: معجم البلدان، المجلد الرابع، ج/7/ مصدر سابق.
(12) ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، ج/13، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة، (2004م)، ص/36-37.
(13) الأزرقي، أبوالوليد محمد عبدالله: أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، الجزء الأول، تحقيق رشدي الصالح ملحس، الطبعة العاشرة مكتبة الثقافة، مكة المكرمة، (1423ه - 2002م)، ص/80.
(14) الفاكهي، محمد ابن اسحق: أخبار مكه في قديم الدهر وحديثه، تحقيق عبدالملك بن دهيش، المجلد الثالث مصدر سابق، ص/153.
(15) الحربي، إبراهيم بن اسحق بن إبراهيم: كتاب «المناسك» وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة تحقيق عبدالله بن ناصر الوهيبي، دار اليمامة، الرياض، 1420ه، ص/229-230.
(16) البكري الأندلسي، عبدالله بن عبدالعزيز: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، ج/4، تحقيق مصطفى السقا، الطبعة الثالثة، مكتبة الخانجي، القاهرة، (1417ه - 1996م)، ص/1117-1118.
يتبع
* باحث وأكاديمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.