•أكثر مصطلحٍ يثير أعصابي في عموم أدبياتنا السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية.. هو مصطلح «إزالة المعوقات»!! .. و الذي غالباً ما يأتي مرادفاً للمصطلح المستفز الآخر «التنمية المستدامة» والذي تحوّل في (بلاد العُرْبِ أوطاني من الشام لبغدانِ) إلى ما يشبه النكتة! .. أو قل إن شئت الأسطورة، التي يتحدث عنها الجميع لكن لم يرها أحد! .. إلا من أسعده الحظ بالسفر إلى بلاد كانت تركب الأفيال، أو إلى بلدان ذوي العيون الضيقة! . والمزعج أنه بالرغم من تباين المصطلحين إلا أنهما ما زالا المصطلحين الأكثر التصاقاً و شيوعاً في خطابات معظم وزارات بلداننا العربية .. حتى أنه يُخيل إليك من كثرة سماعك للفظة (المعوقات) أن المجتمعات العربية تحولت إلى مجتمعات معاقة حركياً وسمعياً وبصرياً؛ بل وحتى فكرياً! •وبتتبع سريع لتاريخ مصطلح (إزالة العوائق) نجد أنه أكثر عمقاً و عراقةً في القاموس العربي من رديفه.. فمنذ أربعينيات القرن الماضي و أمناء جامعة العرب بدءًا بعبدالرحمن عزام باشا؛ و انتهاءً بعمرو موسى (أفندي) يبشّرون بإزالة العوائق أمام وحدة العرب وسوقهم المشتركة!.. ولا أظنني بحاجةٍ لشهودِ عدلٍ لإثبات أن الواقع العربي على الأرض يسير منذ ذلك التاريخ نحو المزيد من التشظي والفرقة، التي تثبت ان العرب قوم لا يحلون مشاكلهم، إنما يعيدون ترتيبها فقط! •(ما علينا).. لنطرح الهمّ العربي جانباً حتى لا نُتهم بأننا من بقايا (القومجية) العرب ، و لندخل في ثنايا محلياتنا التي تبدو ( إعاقاتها ) أكثر عدداً و أشد تعقيداً.. فالحديث لا يكاد ينقطع محلياً عن (إزالة المعوقات) التي تحول دون توظيف العاطلين، تطوير التعليم، حصول المواطن على سرير و علاج مناسب، تطوير القضاء، تطوير أنظمة و (سلالم) الخدمة المدنية، السياحة الداخلية، الاستثمار الداخلي، استرداد أموال ضحايا الهوامير! .. بل ان حتى تكوين منتخبٍ سعودي قادر على الوصول والتنافسية في كأس العالم أصبح له معوقاته الوجيهة في نظر البعض!! .. تراكم هائل من المعوقات الوهمية التي أكاد أجزم أن معظمها لا وجود له إلا في مخيلتنا، بل ربما كان بعضها من صنع تلك العقول الرازحة تحت قيود مجموعة من القناعات الخاطئة التي ترعرعت في أحضان بيروقراطية عتيدة، ثم هيمنت بالتقادم؛ حتى أصبحت مصدراً لإحباط المتفائلين، و دعما مجانياً لعشاق نظرية مقاومة التغيير! • ونظرا لفشل بعض وزاراتنا في إزالة شيء من تلك المعوقات، بدليل تعثر الكثير من خططها ومشاريعها حتى اليوم؛ فإن محدثكم يقترح - وهو بكامل قواه العقلية طبعاً - إنشاء هيئة مستقلة اسمها هيئة (إزالة المعوقات الوزارية).. أرجوكم .. لا تضحكوا على المسمى.. فهو مشتق من عملها الذي يتلخص في إزالة كل ما يعيق وزاراتنا العزيزة عن تنفيذ وعودها المتعثرة !.. أهم ما في الموضوع هو ان لا تكون قيادات الهيئة الجديدة من النوعية السابقة.. حتى لا تتحول إلى هيئة بيروقراطية مثل هيئة (عموم الكباب) التي أنشأها (غوار الطوشه) في احد مسلسلاته القديمة! .. فتصبح هي الأخرى معوقاً جديداً يضاف إلى متحف مجموعتنا الأثرية من العوائق، التي ما زالت تقف بكل صلابة و ثبات أمام وصولنا إلى المصطلح المستفز الآخر.. (التنمية المستدامة)! [email protected]