لم يهدأ، ولن يهدأ قريبًا ذلك اللغط حول أداء الهيئة العامة للترفيه، ما بين مُبتهِج مُشجّع ومتوجّس مُستنكِر، أو متفرّج غير مهتم يعتبر الترفيه ترفًا في زحمة همومه المعيشية المُتكالبة عليه. وهنا، أحببتُ إبداء دهشتي من الجدل والمُلاسنات وسوء الظن من بعض الناس، واتهامهم المؤيدين لأداء هيئة الترفيه بانتهاج «التغريب»، وللمتحمّسين لفعالياتها بالتحرر والانحلال.. إلا أنه يُمكن تفسير ما يحدث في الساحة الاجتماعية من تجاذب وتنافر يتعلّق «بالترفيه»، فقد تعرّض كثيرون بشكل جماعي لأساليب مُمنهجة لوأد المشاعر الفنية، وانتشرت بينهم مشاعر التنغيص والكراهية والحُزن، وثقافة الموت والتهويل، والويل والثبور!! واعتبروا الضحك والترفيه خادشًا للحياء، وتم تبغيضهم في الفنون الإنسانية الرفيعة بحجّة حُرمتها وفسادها، وترهيبهم من تعلّم العزف على الآلات الموسيقية، الأمر الذي تسبب في إلغاء حصص الموسيقى في كثير من المدارس الحكومية قبل عقود، وتهميش حصص النشاط المسرحي الطلابي، وإلغاء عدد من الاحتفالات الفنية الغنائية والشعبية والثقافية، واستبدالها في بعض المناطق بحفلات تكسير الآلات الموسيقية، والاحتفال بالأطفال التائبين!! من المتوقّع أن يعاني كثيرون من صراعات نفسية ثقافية عند مظاهر التغيير المتضمنة مبادرات حكومية رسمية لتنظيم احتفالات غنائية وثقافية ومسرحية، فقد ارتبطت في ذهنهم بعقدة التحريم وثقافة العيب والاختلاط، وخشية ضياع الهوية الإسلامية، فكان لا بد في البداية أن يعارضها كثيرون، على الرغم من أن بعضهم لا يجد غضاضة في ممارسة الترفيه خارج السعودية، وكأن المشكلة لديه في المكان لا الفعل. يصعب - في رأيي - تغيير قناعة كثير من أفراد المجتمع السعودي حول الترفيه وضرورته الثقافية، لكن من الممكن جدًا تطوير ثقافة النشء والأجيال القادمة بتأسيس معاهد لتدريس الموسيقى والتمثيل والإنتاج والإخراج والتصوير وغيرها، والارتفاع بالذائقة الفنية لديهم عن طريق مناهج تربوية مدرسية، وتشجيعهم على الانخراط في نشاطات موسيقية ومسرحية منذ الصِّغر، والسماح بدور السينما العامة وافتتاح المتاحف والمكتبات العامة، وتنظيم المهرجانات والاحتفالات الفنية والرياضية، لتكريس فكرة أن الفنون بشتى أنواعها مُرادفةٌ للحياة والجمال، ومصدرٌ أساس للوفرة الاقتصادية، وصورةٌ صادقة للمجتمع تعكس مستوى حضارته ومدى رقيّه، وليست مرادفة للفساد السلوكي والانحلال الأخلاقي، كما يُحاول بعض أعداء الحياة تصويرها.