أمير القصيم يزور محافظة البدائع ويلتقي المواطنين ويطلع على مشاريع تنموية تفوق 100 مليون ريال    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    2.3 % معدل التضخم    محافظ "ساما": نركز على الابتكار والفرص للمستثمرين    حظر دعوة الركاب أو النداء عليهم.. 20 ألف ريال عقوبة النقل دون ترخيص    «قمة الدوحة» ترفض محاولات تبرير العدوان الإسرائيلي تحت أي ذريعة.. تضامن عربي – إسلامي مطلق مع قطر    الحوثي يستهدف مطار رامون والنقب ب 4 مسيرات    صراع المناصب يهدد الاتفاق الأمني في ليبيا    الوحدة يصعق الاتحاد في الوقت القاتل    ولي العهد في برقية لأمير قطر: الجميع يقف مع الدوحة لمواجهة الاعتداء الغاشم    القيادة تهنئ رؤساء السلفادور ونيكاراغوا وكوستاريكا ب«ذكرى الاستقلال»    أكد أن تشريف ولي العهد يجسد الدعم الكبير.. «الشورى»: توجيهات القيادة تمكننا من أداء مهامنا التشريعية    سوريا.. ضبط شحنة أسلحة معدة للتهريب للخارج    السلوك العام.. صورة المجتمع    يستعيد محفظته المفقودة بعد 51 سنة    «قدم مكسورة» تدخل تامر حسني المستشفى    ظل الماضي    الإسراف وإنفاق ما لا نملك    متقن    الخرف الرقمي وأطفالنا    لبنان يوقف عملاء لإسرائيل ويفكك شبكة تهريب مخدرات    الفيصل رئيساً للاتحاد العربي    إنزاغي: سنواجه خصماً قوياً ومنظماً    بلماضي: استعددنا جيداً لملاقاة الزعيم    ولي العهد يرأس وفد المملكة المشارك في القمتين «الخليجية» و«العربية الإسلامية» في الدوحة    الخرطوم تنتقد العقوبات الأميركية على مواطنين وكيانات سودانية    دبلوماسي أميركي سابق: عدم قيام دولة فلسطينية يعني عيش (إسرائيل) حالة حرب للأبد    معنى الفقد.. حين يرحل الطيبون    التحالف الإسلامي يطلق في العاصمة القُمريّة دورة تدريبية في محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب    شركة تطوير مطار الملك سلمان الدولي توقِّع مذكرة تفاهم مع مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض    جامعة الملك سعود تُنظّم الندوة العالمية لدراسات تاريخ الجزيرة العربية    دراسة أسترالية: النظام الغذائي يحد من اضطرابات النوم والأمراض المزمنة    جازان تستيقظ على فاجعة.. وفاة 4 معلمات وسائقهن بالداير    التضخم الأمريكي أعلى من مستهدفات الفيدرالي    تضامن عربي إسلامي مع قطر.. دول الخليج تعزز آليات الدفاع والردع    دوري أبطال آسيا للنخبة : الأهلي يتغلب على ناساف الأوزبكي برباعية    تقنيات روبوتية لتعزيز كفاءة التصنيع البحري برأس الخير    الخطاب الملكي.. لأول مرة في تاريخنا    "سلطان الخيرية" تدعم "العربية" في قيرغيزستان    الجدعان : سوق المال السعودي يتصدر عالميًا بنمو تجاوز 2.4 تريليون دولار    تكريس الجذور واستشراف للمستقبل    الكشافة السعوديون يزورون الحديقة النباتية في بوجور    أخطاء وأعطال حضوري بلا حلول    عزنا بطبعنا    ولي العهد: جميع الدول أكدت دعمها لقطر في مواجهة الاعتداء الغاشم    أمير القصيم يطّلع على التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الأمر بالمعروف    رئيس الوزراء السوداني يغادر المدينة المنورة    «الشؤون الإسلامية» توقّع عقودًا لصيانة وتشغيل 1,392 مسجدًا وجامعًا خلال الربع الثالث لعام 2025م    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    مانجا للإنتاج تفوز بجائزة المؤسسات الثقافية الربحية ضمن الجوائز الثقافية الوطنية لعام 2025    جدة تستضيف مؤتمر ومعرض المكتبات المتخصصة 2025 غدًا    سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة تزور الملحقية العسكرية السعودية في واشنطن    مؤتمر حائل لأمراض القلب : منصة علمية لتعزيز التقدم الطبي في أمراض القلب .    الزميل سعود العتيبي في ذمة الله    المفتي يستعرض جهود وأعمال الدفاع المدني    جهود متواصلة لتعزيز الرعاية العاجلة.. تدريب 434 ألفاً على الإسعافات الأولية    «الغذاء»: 24 ألف بلاغ عن أعراض«الأدوية»    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الزامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبده يماني
معركة بدر وأسرارها العظيمة (1-2)
نشر في الجزيرة يوم 18 - 09 - 2008

ما أروع أن تقف الأمة الإسلامية وقفات واعية عند تلك المواقف العظيمة في تاريخنا المشرف وتتعلم وتعلم أولادها أسرار هذه المعارك، وما أكرم الله سبحانه وتعالى به المسلمين وما منحهم من تأييدات وإعانات، وما وفقهم إليه من أعمال مجيدة وآراء سديدة، ولهذا فمن الواجب أن نقف بين وقت وآخر عند هذه المواقف ونعطيها ما تستحق
من دراسة وتمحيص، نستخلص ما فيها من دروس وعبر لنجعلها نبراساً يضيء لنا الطريق، ومنهج عمل نضبط به أعمالنا.
وفي هذه الأيام تمر بنا تلك الذكرى العطرة لأول معارك الإسلام التي كانت منها الانطلاقة الأولى لمعارك الجهاد والتي تجلى فيها النصر والتأييد، وأعز الله سبحانه وتعالى بها جنده، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وتحولت من اعتراض لقافلة قريش، وهي خروج قصد فيه عليه الصلاة والسلام أن يقتص لما أصاب المسلمين في مكة المكرمة من مصادرة واعتداء على أموالهم وأنفسهم، وأراد أن يشعر قريشا بأن معسكر المدينة لم يعد معسكراً ضعيفاً، وسوف يتحرك لرد الظلم والعدوان الذي أصاب المسلمين في مكة، ولكن إرادة الله حولت الأمر من اعتراض لقافلة إلى معركة بين الإيمان والكفر، أعز الله بها جنده، وهزم بها عدوه، وقد أرى الله تعالى بها نبيه وأصحابه من آياته وتأييداته وعنايته ما جعلها أذكر معركة في تاريخ الإسلام، وسمى الله يومها يوم الفرقان؛ لأنها فرقت بين الحق والباطل، وهزمت فيها قوى البغي والفساد من قريش ولم يغن عنهم كثرة عددهم وعُددِهم من الله شيئاً، وكان الله مع المؤمنين على ما كانوا عليه من قلة وضعف.
ودعونا نستعرض القصة من بدايتها، فقد خرج الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان من السنة الثانية للهجرة حين ندبهم لاعتراض قافلة قريش العائدة من الشام بقيادة أبي سفيان، وذلك لأنه أراد أن يقتص لما أصاب أموال المهاجرين في مكة من نهب وسلب ولم يخرج لقتال ولكن التجارة قد أفلتت حين توجه أبو سفيان إلى الساحل، وابتعد عن الطريق المعتاد، ولكن رغم نجاة القافلة فقد جاءت قريش بألف من أشد فرسانها وزعمائها، وأكابر مجرميها، بكل صلفها وغرورها، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من الصحابة، منهم ثلاثة وثمانون من المهاجرين، والباقون من الأوس والخزرج من الأنصار، جاؤوا بسلاح قليل، وظهر قليل، فكان الثلاثة أو الأربعة منهم يتعاقبون على بعير واحد، فلما كانت المعركة أبدوا من الضراعة والتذلل وصدق التوكل والصبر، ومن ضروب البطولة، وألوان التضحية ما أدهش العقول وحير الألباب، فاستحقوا بذلك نصر الله تعالى وتأييده ورضوانه، وقد عُرف هؤلاء بالبدريين، أي بأهل بدر نسبة إلى تلك الغزوة التي غزوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تأييدهم بالإمدادات الغيبية:
1- أيد الله تعالى أهل بدر بكثير من آياته فمن آيات الله وتأييداته أنهم رأوا قريشاً قليلة بعددها وهم في الحقيقة كثيرون، وأرى الكفار المؤمنين أقلة ليغريهم بالنصر فتقع الحرب: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ}(1).
2- ومن آياته وتأييداته أن المشركين رأوا المؤمنين ضعف ما كانوا عليه حين التقى الجمعان للحرب فألقى الله الرعب في قلوبهم، والوهن في عزائمهم: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ}(2).
3- ومن آياته وتأييداته أن المسلمين قد أصابهم التعب والنصب والقلق من مواجهة قريش، وعلى مصير الدعوة فألقى الله تعالى عليهم لحظات من نعاس، فأذهب عنهم ما بهم من تعب وقلق فاستيقظوا وكأنهم ناموا ليلاً طويلاً، وكانوا في غاية النشاط والحماس: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ}.
4- وكانت أرض المعركة رخوة لا تثبت تحت الأقدام وأصابت بعض الصحابة جنابة وليس لديهم ماء يتطهرون به فخافوا أن يقاتلوا وهم على تلك الحال فأنزل الله عليهم من السماء ماء ثبت به الأرض تحت أقدامهم، وسال الوادي فتطهروا وارتاحت أنفسهم وقاتلوا وهم نشطون: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} (3).
روى ابن اسحاق عن عروة بن الزبير قال: بعث الله السماء، وكان الوادي دهساً (4)، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما لبد لهم الأرض.. وأصاب قريشاً ما لم يقدروا على أن يرحلوا معه.
5- وتضرع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه يسأله النصر والتأييد لأهل بدر على ما كانوا عليه من قلة العدد والعُدد، وكان من تضرعه ودعائه قوله: اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض. وتضرع الصحابة يسألون الله العون والنصر والثبات، ويظهرون التذلل والتواضع فاستجاب لهم وأمدهم بملائكته فنزلوا بلباس الحرب وآلته، وبشر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بذلك فقال: أبشر أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه، يقوده على ثنايا النقع!!. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب!!. فارتفعت معنويات الصحابة، وقد ذكر الله ذلك بقوله تعالى: {ذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} (5)، وفي قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (6).
وأوحى الله تعالى إلى الملائكة أن يثبتوا الذين آمنوا في المعركة فقاتل الصحابة قتالا لا نظير له، وهبت عليهم روائح الجنة، فاستأسدوا في القتال، فلم يشعروا بخوف وذلك من تثبيت الملائكة، وإنزال السكينة!!.
6- أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها المشركين، وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق أحد من المشركين إلا أصاب عينيه من ذلك التراب، فتألموا وتثبطوا عن القتال، وقد ذكر الله تعالى هذا في قوله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (7).
7- ظهر الشيطان للمشركين بصورة رجل فزين لهم القتال، فلما رأى نزول الملائكة ولى هارباً: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (8).
وألقى الله تعالى الرعب في قلوب المشركين فأصبحوا يقاتلون خائرين مذعورين: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (9).
ثم يخاطب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} (10). ثم جاء التخفيف رحمة من الله تعالى بالمؤمنين فقال تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (11).
هم أفضل المؤمنين:
تعلمنا من القرآن والسنة بأن أهل بدر عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وعند أهل السنة والجماعة هم أفضل المؤمنين إلى يوم القيامة، وظلت كلمة بدري تاجا على رؤوسهم دون غيرهم، فعن معاذ بن رفاعة عن أبيه رفاعة - وكان رفاعة رضي الله عنه من أهل بدر - قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المؤمنين - أو كلمة نحوها - قال: (أي جبريل): وكذلك من شهد بدرا من الملائكة (12).
وقد شارك في هذه الغزوة العشرة المبشرون بالجنة إلا عثمان وطلحة وسعيد بن زيد رضي الله عنهم، فأما عثمان فإن زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه، وأما طلحة وسعيد فقد أرسلهما النبي صلى الله عليه وسلم في مهمة لتحسس أخبار قافلة أبي سفيان، فلما مرت أسرعا عائدين إلى المدينة ليخبرا النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر، فلما علما بخروجه لحقا به فلقياه بتربان عائداً من بدر، فضرب لهما بسهميهما وأجرهما في بدر!!.
شهداؤهم في أعلى الجنات:
ومما أكرم الله به أهل بدر أن شهداءهم أفضل شهداء الإسلام، فقد روى البخاري عن حميد أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع، فقال: ويحك أو هبلت، أو جنة واحدة هي؟ إنما هي جنات كثيرة، وإنه في جنة الفردوس.. وفي رواية: إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى!!.. قال ابن كثير: وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر، فإن هذا لم يكن في حومة الوغى، بل كان من النظارة (المراقبين) من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب، وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب الفردوس الذي هو أعلى الجنات.. فما ظنك بمن كان واقفا في نحر العدو، وعدوهم على ثلاثة أضعافهم عدداً وعُددا؟!!.
ذنوبهم مغفورة:
أكرم الله تعالى أهل بدر بكرامة عظيمة، فجعل ذنوبهم مغفورة، ما تقدم منها وما تأخر، فقد روى البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه - في قصة حاطب بن أبي بلتعة - وكان حاطب قد أرسل مع امرأة كتابا إلى قريش يعلمها بعزم النبي صلى الله عليه وسلم على فتح مكة، فأوحى الله تعالى إلى نبيه بذلك، وأحضر الكتاب وأقر حاطب بما فعل - فاستأذن عمر رضي الله عنه في قتل حاطب ورأى أنه نافق، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) (13).. وفي رواية أخرى للبخاري: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة - أو: فقد غفرت لكم) (14)، فدمعت عينا عمر.. وفي رواية البخاري: فقد أوجبت لكم الجنة.. وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه أن عبداً لحاطب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال: كذبت، لا يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبية!!.. وقد ذكر الحديبية لبيان زيادة الفضل، مع أن بدرا وحدها كافية لدخول الجنة، كما هو واضح من جملة الروايات!!. وفي هذا دليل واضح على أن ذنوبهم مغفورة من قبل أن تقع، ولو لم تكن كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ما قال في أهل بدر، حين هم عمر أن يقتل حاطباً، ورأى أنه قد نافق، ولم يقل لغلام حاطب ما قال آنفاً، فانظر وتأمل!!.
ومن يدري، فلعل الله تعالى قد قضى بعلمه وحكمته على حاطب أن يفعل ما فعل ليكون ذلك درساً عظيماً يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال إثباتا لفضلهم، ودلالة على مغفرة ذنوبهم، ورضوان الله تعالى عنهم، وأنه سبحانه لو علم أن في أهل بدر من لا يستحق رضوانه الأبدي ما رضي عنهم، ورفع أقدارهم إلى أعلى درجات المؤمنين، فسبحان من يعلم السر وأخفى، ومن لا يخدعه من عباده أحد.
وإن من يقرأ أخبار هذه الغزوة في مقدماتها وأحداثها ونتائجها، وفيما أبداه الصحابة فيها من ضروب الشجاعة والاستبسال والتسابق إلى الموت فوق ترابها، ومن يقرأ سورة الأنفال التي نزلت في أعقابها، ويستنطق دروسها وعبرها (15)، فسيرى أن أ هل بدر كانوا بحق خير أهل الأرض بعد النبيين، ولن يعجب بعد ذلك أن يكون الله تعالى قد اطلع على أهل بدر فقال: (اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم..).
تفضيلهم في العطاء:
جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عطاء البدريين من بيت المال في المقام الأول، ففرض لكل بدري خمسة آلاف درهم في السنة وفرض لنساء أهل بدر خمسمائة درهم، ولم يقدم على أهل بدر إلا العباس، لمقامه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرض له خمسة وعشرين ألفاً، وفرض لكل واحدة من أمهات المؤمنين عشرة آلاف درهم، وفرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف درهم، ولزوجاتهم أربعمائة، ولمن بعد الحديبية إلى ما بعد حروب الردة ثلاثة آلاف ولزوجاتهم ثلاثمائة.. وظل هذا العطاء دائما لكل هؤلاء في عصر الخلافة الراشدة والعصر الأموي حتى توفي آخر واحد من هؤلاء الصحابة فرضي الله عنهم وأرضاهم.
****
(1) الأنفال 44 .- (2) آل عمران 13 .
(3) الأنفال 11 .- (4) رخو، غير صلب.- (5) الأنفال 9 .- (6) آل عمران 123، 125 .- (7) الأنفال 17 .- (8) الأنفال 48 .- (9) الأنفال 12 .- (10) الأنفال 65 .
(11) الأنفال 66 .- (12) رواه البخاري.- (13) متفق عليه.- (14) متفق عليه.- (15) اقرأ ما كتبناه عن الدروس المستفادة في بدر في كتاب (بدر الكبرى).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.