الأسهم العالمية تتراجع بشدة مع تبدد آمال خفض أسعار الفائدة    ديوان المظالم يفوز بجائزتين دوليّتَين في تجربة العميل 2025    الأفواج الأمنية تضبط 6 كجم من القات المخدر في عسير    «زاتكا» تضبط 33.5 ألف كبتاجون و21 كغم شبو في محاولتي تهريب    الدوسري: برّ الوالدين من أعظم القربات إلى الله    البعيجان: الإخلاص أصل القبول وميزان صلاح الأعمال    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعزز الوعي بداء السكري في سكرك بأمان    النفط يرتفع 1% وسط مخاوف نقص الإمدادات الروسية    152 توأماً من 28 دولة.. والمملكة تحتفل بالإنجاز الجراحي رقم 67    جامعة محمد بن فهد تستذكر مؤسسها في احتفالية تخريج أبنائها وبناتها    فرنسا تصعد لنهائيات كأس العالم 2026 برباعية في أوكرانيا    تراجع أسعار الذهب من أعلى مستوى لها في أكثر من ثلاثة أسابيع    مصرع طيار تركي إثر تحطم طائرة إطفاء في كرواتيا بعد انقطاع الاتصال بها    "أوتشا": استمرار الضربات العسكرية الإسرائيلية بالقرب من أو شرق الخط الأصفر    موسم الدرعية 25/26 يستعد لإطلاق مهرجان الدرعية للرواية الأحد المقبل    أفضل خمس خدمات بث فيديو    الفن يُعالج... معارض تشكيلية في المستشفيات تعيد للمرضى الأمل    %48 من القوى العاملة في المنشآت العائلية    «الأرصاد» في إنذار أحمر : أمطار غزيرة على جدة اليوم الجمعة    غدٌ مُشرق    رحلة الحج عبر قرن    اللاعب السعودي خارج الصورة    الفيفا يختار هدف عمرو ناصر في الأهلي المصري ضمن القائمة المختصرة لجائزة بوشكاش    الأخضر السعودي يختتم استعداده لمواجهة ساحل العاج    شبكة عنكبوتية عملاقة    عدسة نانوية لاكتشاف الأورام    انطلاق "موسم شتاء درب زبيدة 2025" في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    المدير الرياضي في الأهلي: غياب توني لأسباب فنية    وزير "البيئة" يلتقي قطاع الأعمال والمستثمرين بغرفة الشرقية    مفتي عام المملكة يستقبل وزير العدل    توازن كيميائي يقود إلى الرفاه الإنساني    غرفة القصيم توقع تفاهمًا مع الحياة الفطرية    الدفاع المدني يهيب بأخذ الحيطة والالتزام بالتعليمات مع توقع هطول أمطار رعدية على معظم المناطق    منسوبو وطلاب مدارس تعليم جازان يؤدّون صلاة الاستسقاء    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    محافظ صبيا يؤدي صلاة الاستسقاء تأسياً بسنة النبي واستجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    شراكة مجتمعية بين ابتدائية قبيبان وجمعية «زهرة» للتوعية بسرطان الثدي    مصرية حامل ب9 أجنة    الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    ذاكرة الحرمين    محافظ القطيف يرعى انطلاق فعالية «منتجون» للأسر المنتجة    في أولى ودياته استعداداً لكأس العرب.. الأخضر السعودي يلتقي ساحل العاج في جدة    ترمب يواجه ردة فعل مشابهة لبايدن    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    آل الشيخ ورئيسا «النواب» و«الشورى» يبحثون التعاون.. ولي عهد البحرين يستقبل رئيس مجلس الشورى    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    النويحل يحتفل بزواج عمر    طهران تؤكد جديتها في المفاوضات النووية.. إيران بين أزمتي الجفاف والعقوبات    استعرض مع ولي عهد الكويت التعاون.. وزير الداخلية: مواجهة الجريمة والإرهاب بمنظومة أمنية خليجية متكاملة    تصفيات مونديال 2026.. فرنسا وإسبانيا والبرتغال لحسم التأهل.. ومهمة صعبة لإيطاليا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبدالوهاب بن منصور الشقحاء
مفهوم الجماعة في الشريعة
نشر في الجزيرة يوم 01 - 08 - 2008

الجماعة لغة: مأخوذة من مادة (جمع)، وهي تدور حول الجمع، والإجماع، والاجتماع، وهو ضد التفرق. ولفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين، من جمع المتفرق، قال الفراء: فإذا أردت جمع المتفرق، قلت: جمعت القوم فهم مجموعون،
قال الله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ} هود: 103. والأمة هي الجماعة، قال الأخفش: هي في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع وتقول: جمعت الشيء، إذا جئت به من هاهنا وهاهنا، وأجمعتُه، إذا صيرته جميعا، وأجمع أمره أي جعله جميعا، بعدما كان متفرقا. وفي الاصطلاح: (هم سلف الأمة، من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهم الذين اجتمعوا على الحق الصريح من الكتاب والسنة)، فالجماعة هنا هم المجتمعون على الحق، وإن كانوا قليلاً، وكان المخالف لهم كثيراً؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والجماعة، هي: حبل الله، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة). وأساس الجماعة وأصلها، هو: الاعتصام بحبل الله تعالى، كما قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}آل عمران (103- 107). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة). فالله تعالى أمر المؤمنين كلهم بأن يعتصموا بحبله جميعاً، ولا يتفرقوا، وقد فُسِّرَ حبله بكتابه وبدينه وبالإسلام وبالإخلاص وبأمره وبعهده وبطاعته، وبالجماعة، وهذه التفاسير كلها منقولة من الصحابة والتابعين، وكلها صحيحة؛ فإن القرآن يأمر بدين الإسلام وذلك هو عهده وأمره وطاعته، والاعتصام به جميعاً إنما يكون في الجماعة، ودين الإسلام حقيقته الإخلاص لله. وأخرج مسلم وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا مَن ولاَّه الله أمركم. ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). ففي هذا الحديث، البدء بأساس الجماعة وأصله هو، (أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً)، والاعتصام بحبل الله، الذي هو الجماعة، وعدم التفرق، ومناصحة ولي الأمر، وقد جاءت هذه الثلاث في حديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نضّر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رُبّ حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه، ثلاث خصال لا يَغِلُّ عليهن قلب مسلم أبداً: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم..) الحديث. وقد جمعت هذه الخصال الثلاث، ما يقوم به دين الناس ودنياهم، وبهذا يتضح المراد الشرعي بالجماعة وهو (لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة)، وذكر الإمام الشاطبي؛ في كتابه الاعتصام عن الإمام ابن جرير الطبري أنه قال: (الجماعة: جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير)، قال: (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومه، ونهى عن فراقه، فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم، لأن فراقهم لا يعدو إحدى حالتين: إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم، والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب، بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين، كالحرورية التي أُمِرت الأمة بقتالها، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم مارقة من الدين. وإما لطلب إمارة بعد انعقاد البيعة لأمير الجماعة، فمن نكث عهداً ونقض عهداً بعد وجوبه فهو خارج عن الجماعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من جاء أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائناً من كان)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمرُكم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)، وفي رواية أخرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان) وفي رواية: (فاقتلوه)، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما). قال الطبري: (فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة. قال: وأما الجماعة التي إذا اجتمعت على الرضا بتقديم أمير كان المفارق لها ميتاً ميتة جاهلية فهي الجماعة التي وصفها أبو مسعود الأنصاري، (وهو معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم، وهم السواد الأعظم). قال الشاطبي في كتابه الاعتصام 2- 264: (الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة، خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم). ويذكر موقفاً لعبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، يؤكد معنى الجماعة المراد شرعاً، وقرره ابن جرير الطبري، رحمه الله، فيما رواه مسلم عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي القرشي حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (مَن خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومَن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية). ومما سبق يتضح أن المراد الشرعي للجماعة في كل وقت وزمان: (هم جماعة من المسلمين موثوق بديانتهم، تم اجتماعهم على تأمير إمام موافق للكتاب والسنة، وعقدوا له البيعة على ذلك، ولم يسبقوا بجماعة أخرى، فعقدهم صحيح، ولو لم يجتمع عليه الجميع، وليس لغيرهم أن يحل ذلك العقد، حيث لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة، وهذه الثلاثة متلازمة، آخذ بعضها ببعض، لا قيام للإسلام إلا بهذه الثلاثة). ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وإمامهم، والسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب الظهر وأخذ المال، أمراً يدل على الوجوب، ونهى عن الخروج على الجماعة ومفارقتها، نهياً يدل على تحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، كما وردت أدلة أخرى تفيد العلم اليقيني بهذا الحكم في الكتاب والسنة والإجماع. ولقد ابتليت الأمة الإسلامية في العصر الحاضر بغزو ماكر بمناهج دعوية، تتزين بلباس الدعوة الإسلامية، وهي دخيلة عليها؛ لأنها تخلط الحق بالباطل، والسنة بالبدعة، وتستمرئ عداوة أهل التوحيد وأنصاره، وموالاة أهل الشرك وأعوانه، ومن ذلك أنها تدعو إلى اعتقاد أنه ليس للمسلمين الآن جماعة ذات ولاية وبيعة شرعية ولا لدعاتها اليوم مرجعية، أي ليس لهم جماعة وإمام ذو ولاية وبيعة شرعية، تكون مرجعاً يسندهم، ويفصل في النزاع بينهم، ويستمدون منه الحماية والتوجيه، ويبنون ذلك المعتقد الفاسد على ما يؤصلونه من الباطل في مفهوم الجماعة من أنها تطلق في النصوص الشرعية على إطلاقين لا غير: إطلاق من حيث البناء والكيان، وإطلاق من حيث المنهج والطريقة، فمن حيث البناء والكيان فالجماعة هي: (التي اتفقت الآراء فيها على إمام واحد بعقد بيعة..)، فهذه هي التي يحرم الخروج عليها، وهي التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيها لحذيفة رضي الله عنه: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.. إلخ، ويترتب على هذا التأصيل المخترع اعتقاد فاسد، وعمل باطل خطير، خلاصته أن الجماعة غير موجودة الآن؛ لأن الآراء منذ قرون عديدة لم تتفق على إمام واحد بعقد بيعة، وعلى هذا قالوا: (إنه يجب على المسلمين السعي لإيجاد هذه الجماعة، وتنصيب الإمام المتفق على بيعته؛ إذ إن تنصيب الإمام الذي هو رأس بناء الجماعة أمر مجمع على وجوبه). وللرد على هذا الزعم الباطل فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة الإسلامية ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها هي الجماعة، فدل ذلك على أن الافتراق واقع لا محالة، كما دل على استمرار وجود الجماعة مع وقوع الافتراق، ووجود الجماعة التي هي على الحق قائمة ظاهرة منصورة، فلا يجوز الخروج عليها، ولا منازعتها في سلطانها، ولا تفريق جماعتها؛ لأن ذلك بغي وظلم، بل مروق من الدين. ويترتب أيضاً على ذلك التأصيل المخترع الباطل ما تسميه بعض الجمعيات الدعوية ضابطاً لشرعية عمل أي جماعة دعوية أخرى، وهو أن يكون عملهم (مما يؤيد الإمام العام، ويكون عوناً له في الواجبات التي ألقاها الله على عاتقه من إقامة شرع الله في الأرض، والجهاد في سبيله، ولكن هذا الإمام العام غير موجود إلا في الذهن، ولا ينبغي أن يشتبه علينا وجود الذهن بوجود العين، فنظنهما واحداً)، ووجوده في الذهن فقط أمنية يتمنون تحقيقها وتحقيق الجماعة، لكن لا يصح تحقيقها إلا بأن يكون عمل جمعية الدعوة إلى الله تعالى لتأييد إمام معدوم العين، ألقى الله على عاتق هذا المعدوم واجبات من إقامة شرع الله في الأرض، والجهاد في سبيله. وللرد على هذا الزعم يقال إن الله تعالى لا يلقي واجباً على عاتق معدوم، فكيف نعتقد ذلك ونعمل له؟!. وهو مماثل للمفهوم الخاطئ للمرجعية عند الرافضة من أنها الأخذ عن الإمام المعصوم، بناءً على اعتقادهم الفاسد العصمة لأئمتهم، وأن العصر لا يخلو من الإمام المعصوم وإن كان غائباً، فمن لم يأخذ عنه ويرجع إليه فلا ثقة له بدينه، وهذا اعتقاد وعمل باطل وعقيدة فاسدة؛ فالعصمة ليست لأحد غير الرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولن تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، وما نقله العدل الضابط وإن لم يكن معصوماً عن مثله متصلين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ما قرره أهل السنة والجماعة من الدين، فهو حجة، كما أن تحقيق أمنية وجود جماعة المسلمين وإمامهم، وهي الموجودة حالياً وفعلاً، يتم عن طريق العمل الصالح، المبني على العقيدة الصحيحة المطابقة للواقع، بتأييد إمام موجود وجود عين، وإعانته على الواجبات التي ألقاها الله على عاتقه من إقامة شرع الله، وحج بيت الله الحرام، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إلخ. وأما الإطلاق الثاني على زعم هؤلاء: فهو إطلاق الجماعة من حيث المنهج والطريقة، قالوا: وهذه لا يمكن حصرها في واحدة من الجماعات الإسلامية القائمة الآن، المعروفة بأسمائها وقادتها ونظمها وأعضائها، كالإخوان المسلمين، أو جماعة التبليغ، أو حزب التحرير، وغيرها، لأنها كلها ليست إلا وسائل للدعوة جائزة، وعلى هذا قالوا: إنه لا يضير المسلم أن يختار من هذه الجماعات - التي ليست إلا وسيلة للدعوة - جماعة، يراها أقرب إلى الحق والصواب. وللرد على هذا الإطلاق والقول فإننا نقول إن ذلك الزعم دعوة إلى التفرق من غير شك؛ لأنها دعوة إلى جماعات متعددة متباينة، فيها الجهمية والمعتزلة والأشعرية والماتريدية والصوفية والخوارج والمرجئة.. ولفظ خبر الرسول صلى الله عليه وسلم يرد ذلك، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (واحدة) ينافي التعدد، فتعين أن تكون الجماعة واحدة، لا جماعات، وهذه الجماعة هي أهل السنة والجماعة، ومما يؤسف له أن هؤلاء الدعاة في دعوتهم إلى الله بزعمهم، ينطلقون من منطلق فاسد، فيأتون إلى الناس من دعوتهم بجهالة وبغي، وبدعة وضلالة، ويسلكون مسلك الخوارج، المارقة من الدين، ويَصدِق عليهم ما روى النسائي عن عرفجة بن شريح الأشجعي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس فقال: (إنه سيكون بعدي هنات
وهنات فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كائنا من كان فاقتلوه فإن يد الله على الجماعة فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض)، وقال ابن مسعود رضي الله عنه في خطبته: (أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة، خيرٌ مما تحبون في الفرقة) أخرجه الحاكم. كما أن في لزوم الجماعة وإمامها سعادة الدنيا والدين، به تنتظم الحياة الاجتماعية، ويحصل الأمن على العرض والمال والدم، وتتحقق مصالح المجتمع في معاشهم ومعادهم ويستعينون بالجماعة على إظهار دينهم، وطاعة ربهم، كما أن أصحاب الأهواء والبدع يرون أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة ذلاً ومهانة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة لهم، فقد روى في الصحيحين أنه قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن لا تعبدوا إلا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا مَن ولاّه الله أمركم) قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها). ويمتاز أهل السنة والجماعة عن غيرهم بالوسطية، وتعظيم الكتاب والسنة، والاتباع وترك الابتداع، والدخول في الدين كله، وتعظيم السلف الصالح وعدم الخروج على ولاة الأمر. ولأهل السنة والجماعة أسماء أخرى يُعْرَفُون بها منها: 1- الجماعة 2- السلف الصالح 3- أهل السنة، كما أن أهم خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة هي سلامة مصدر التلقي، وذلك باعتمادها على الكتاب والسنة، وإجماع السلف الصالح، وهذه الخاصيَّة لا توجد في غير عقيدة أهل السنة والجماعة؛ فالصوفية مصدر التلقي عندهم هو الكشف والإلهام والحدس، والرؤى، والمنامات، أما الرافضة فمصدر التلقي عندهم هو ما يزعمون أنه موجود في الجفر، وما يقولوه أئمتهم، أما مصدر التلقي عند سائر المذاهب الفكرية كالعلمانية والليبرالية فإنها تعتمد على زبالة أفكار المنحرفين الذين يُحَكِّمون أهواءهم وشهواتهم فيما يطرحونه من قوانين يطالبون بفرضها على الناس.
دكتوراه بالفقه من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.