أسواق الأسهم الآسيوية تواصل مكاسبها معززة بأرباح قطاع التكنولوجيا    رسميًا.. فيرمينو ينضم إلى السد القطري    بلدية صبيا تعالج أكثر من 3800 بلاغ خلال النصف الأول من 2025    هل نكتفي بالظهور في وسائل الإعلام؟ أم نصنع تأثيرًا حقيقيًا؟    تحطم طائرة الركاب الروسية المفقودة    الإحصاء: ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 6.0% في مايو 2025م    القادسية يختتم المرحلة الأولى من معسكره التحضيري في هولندا استعدادًا لموسم 2025/2026    وزارة الطاقة تطلق مسرعة لدعم ريادة الأعمال وتشجيع الشركات الناشئة في القطاع    دول ومنظمات إسلامية وعربية تدين مصادقة الكنيست على فرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    الإحسان الطبية تنفذ مشروع «الإستشاري الزائر» في مستشفى صامطة العام    إدانة عربية إسلامية على مصادقة الكنيست الإسرائيلي بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة    "البيئة" تؤكد أهمية التكامل العربي في تطوير نظم إنتاج وتقييم وحفظ البذور    برعاية أمير الباحة تنظيم مسابقة الدرمحي لحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية    الصندوق العقاري يودع مليارا و51 مليون ريال لمستفيدي برنامج الدعم السكني    أبوظبي تفتتح قريبًا أحد أكبر تجمعات التجارب الثقافية بالعالم    انطلاق فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون في الأردن    رخصة "موثوق" لعبت دورا كبيرا في حماية السوق من الإعلانات الاحتيالية    اجواء شديدة الحرارة على معظم مناطق المملكة مع رياح مثيرة للاتربة    ترامب يشترط فتح الأسواق الأوروبية أمام الشركات الأمريكية    هيئة الأدب والنشر والترجمة تستعد لتنظيم معرض "المدينة المنورة للكتاب"    حرس الحدود بجازان ينقذ مواطنين من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منظمة الصحة العالمية تنفي انتهاك السيادة الأمريكية    أكثر من 7 آلاف زيارة منزلية خلال 6 أشهر بمستشفى الظهران    "الداخلية" تعلن فتح تحقيق في انتهاكات السويداء.. لا إعدامات جماعية في سوريا    الصنهاج والزهراني يحتفلان بزواج ريان    بالتنسيق مع 5 وزارات تمهيداً لوضع الإجراءات.. "البلديات" تشترط عدم كشف مساكن العمالة للجيران    أكدت تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.. "الموارد البشرية": تطوير برنامج الرعاية الاجتماعية المنزلية    بين ضغوط ترمب ومواقف متصلبة.. محادثات بين موسكو وكييف في إسطنبول    وسط تحذيرات دولية وركود في مفاوضات الهدنة.. غزة على شفا مجاعة جماعية    واست رئيس بنغلاديش في ضحايا سقوط الطائرة.. القيادة تهنئ الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده    ابتكارات واستثمارات في"قمة البروبتك".. السعودية ترسم مستقبل التقنيات العقارية    فرنبخشة يتغلب على الاتحاد برباعية في أولى وديات معسكر البرتغال    انطلاق بطولة الهيئات المفتوحة لرفع الأثقال في الرياض بمشاركة 94 لاعباً ولاعبة    تعاون سعودي – سريلانكي في مجالات الإعلام    الشهري ينال الماجستير بامتياز    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    تصفيات ومواجهات ومتأهلين في عدد من الألعاب في الأسبوع الثالث    أمازون السعودية تُطلق 7 أيام متواصلة من عروض "يوم برايم 2025" الحصرية لأعضاء برايم من 25 – 31 يوليو    ضرورة مطابقة المركبة لمتطلبات الأمن والسلامة.. 10 ضوابط لسائق النقل التعليمي والسماح للفرد بالنشاط    المبعوث الأميركي: المطلوب قرار من حكومة لبنان لحصر السلاح    اختيار سلمان: هكذا أطلق صقره ليحلق بالوطن    «سلمان للإغاثة» يوزّع (840) حقيبة إيوائية في منطقتين بإقليم جامو وكشمير في باكستان    أواصر راسخة    ابن فرحان يتلقى رسالة من لافروف واتصالاً من وزير الخارجية البريطاني    «سوار الأمان».. حلول ذكية في المسجد الحرام    تركي آل الشيخ يعلن فعاليات رياضية عالمية ضخمة في موسم الرياض المقبل    القيادة تعزي رئيس بنغلاديش    "الشعفي" يُرزق بمولودته الأولى "سما"    هيئة مدينة مكة تُطلق أعمال المسح الاجتماعي الاقتصادي    أمير جازان ونائبه يتفقدان مشروعات فيفاء    155 ألف مستفيد من خدمات مستشفى ينبع    حكمي.. قصة تحدٍ ملهمة في عالم التوحد وحفظ القرآن    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    سبعة آلاف طفلٍ في مركز ضيافة المسجد النبوي    "هلال مكة" يفعل مساراته الطبية الإسعافية القلبية والدماغية    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسلسل خالد بن الوليد ووقفة مع تاريخ صدر الإسلام

ما كاد مسلسل خالد بن الوليد يتجاوز حلقاته الأولى حتى ظهر واضحاً أن أخبار القصاصين وأهل الوضع في عصور مضت ستطغى على ما في كتب الصحاح ومصادر التاريخ الإسلامي من حقائق، وقبل أن أدون هذا الرد بعد متابعتي لمعظم حلقات المسلسل بدا لي أن أدعم وقفتي مع التاريخ والمسلسل برأي بعض أهل العلم من ذوي الإحاطة الدينية والتاريخية بأخبار صدر الإسلام، فكان أن توجهت بسؤال لفضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن محمد الفريح الأستاذ بالجامعة الإسلامية نصه هو هل ارتد بنو تميم بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم-؟ ذلك أن المسلسل قد أبرزهم بصورة مزرية تغاير ما ورد عنهم في الأحاديث النبوية، وما نسب إليهم وسُجّل لهم من رصيد المآثر الحميدة في صدر الإسلام وبعده.
جاءت إفادة الدكتور الفريح إن بني تميم لم يرتدوا فيمن ارتد من القبائل بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وإن ما ذُكر عن ردة بني تميم ليس له أساس من الصحة وذلك للأمور التالية:
1- أن الطبري قال (ذِكْر خبر بني تميم) فلو كانت تميم ارتدت لذكر ذلك وقال ردة بني تميم.
2- أن كثيراً من بني تميم اشتركوا في الجهاد في عهد أبي بكر وأبو بكر كان يمنع المرتدين من الجهاد حتى ظهرت توبتهم في عهد عمر فعفا عنهم.
3- ذكر ابن إسحاق ونقله البيهقي أن أول صدقة وردت إلى المدينة بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هي صدقة الزَّبرقان بن بدر بن خلف مما يدل على ثباتهم والزبرقان من سادات تميم.
4- كان قيس بن عاصم وهو من سادات تميم وكبارهم يقاتل المرتدين مع العلاء بن الحضرمي في البحرين... وقد استخلف خالد بن الوليد على اليمامة سمرة بن عمرو التميمي، فكيف يقال ارتد بنو تميم، وهؤلاء أعلامهم وساداتهم في الجهاد!
5- إن الذي كثر عليه الكلام في الرَّدة هو مالك بن نويرة وأصح الطرق التي وردت في حقه تشير إلى أنَّ الصديق وداه أي دفع ديته مما يدل على أنه لم يرتد قال خليفة حدثنا علي بن محمد ابن أبي ذئب عن الزهري .. إلى قوله فكتب أبو بكر إلى خالد فقدم عليه... فقال أبو بكر هل يزيد خالد على أن يكون تأوَّل فأخطأ وردّ أبو بكر خالداً وودى مالكاً، فهذا النص يفيد أن الصديق دفع ديته ولو كان غير مسلم لما فعل ذلك. قال الإمام ابن عبد البر: (فقتل خالد مالكاً يظن أنه ارتد حين وجهه لقتال أهل الرِّدة واختلف فيه هل قتله مسلماً أو مرتداً وأراه والله أعلم قتله خطأ).
6- إن تميماً لو ارتدت لحصل قتال بينها وبين المسلمين كما حصل مع (أسد وغطفان وبكر وسليم وحنيفة) وتميم من أكبر القبائل وأشدها فلا يعقل أن ينصرف عنها خالد أو العلاء بن الحضرمي وهي مرتدة! كما لا يعقل أن يقال إن تميماً ارتدت وساداتها وأعلامها في الجهاد، أمّا ما يقال عن مالك بن نويرة فقد بينّاه وخالد- رضي الله عنه- اجتهد وهو مأجور على اجتهاده والزمن كان زمن فتنة.
هذا ما أفاد به فضيلة الشيخ عبد العزيز والناظر في أمر الردّة يلحظ أن بواكيرها قد ظهرت في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وأنه قبيل وفاته -عليه الصلاة والسلام- بعث رجلاً إلى الزبرقان وقيس بن عاصم يستنهضهما على قتال مسيلمة وطليحة كما في أخبار السيرة (1) وكان الزبرقان معدوداً في وفد أشراف تميم إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- مع القعقاع والأقرع وقيس بن عاصم وغيرهم، وينظر هذا عند البخاري وفي أخبار السيرة وكتب التاريخ والأدب (2).
دوَّن أصحاب السيرة والصحاح كالبخاري وأهل الأثر أخبار الوفد وهي من أشهر أخبار الوفود وذكروا أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث القعقاع عيناً له في حنين ليأتيه بالخبر، وأنه أعطى الأقرع الذي كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يتألفه لشرفه وسؤدده مائة من الإبل وبعد وفاته- عليه الصلاة والسلام- ثبت هذان العلمان من أعلام العرب على الإسلام وسخرا من أهل الردّة، كما كانت نبوأة مسيلمة في اليمامة محل سخرية شيخ من أشياخ نجد هو الأحنف بن قيس التميمي فاتح المشرق الإسلامي.
لما مات الرسول- عليه الصلاة والسلام- ضاقت الدنيا بأهل المدينة الذين بلغتهم أخبار ردة العرب قالت المصادر عن طريق عدد من الأسانيد ولم يفرح أهل المدينة كفرحهم بمقدم الزبرقان بصدقة قومه فقبض أبو بكر الصدقة وضم الزبرقان إلى خالد السائر لحرب طليحة، وكان مسير الزبرقان بصدقة قومه إلى المدينة من اليمامة، وله في ذلك شعر ذكر فيه حفر بني سعد (حفر العتك) ومنه قوله (3):
من مبلغ قيساً وخندف أنني
وفيت إذا ما فارس الحرب أحجما
وله أيضاً يذكر وفاءه وثبات قومه:
وفيت بأذواد الرسول وقد أبت
سعاة فلم يردد بعيراً مجيرها
وقيس وخندف هما عماد المضرية، وكان يقال لتميم على وجه الدهر هامة مضر ولم تزل تميم تذكر تلك الواقعة دهراً طويلاً وتذكر قول الفرزدق.
وهم لرسول الله أوفى مجيرهم
وعمّوا بفضل يوم بسر مجلل
قال ذو الرمة:
لنا الهامة الكبرى التي كل هامة
وإن عظمت منها أذل وأصغر
أما ما ورد في أن استفحال أمر الردة في اليمامة كان مرده للعصبية القبلية وقول القائل: (كذاب ربيعة خير من صادق مضر) فلا يؤخذ به وهو كقول أحد بني يربوع:
أمسلمة الكذاب قال لكم
لن تبلغوا المجد حتى تغضبوا مُضرا
تطلق العرب على الزبرقان لقب قمر نجد، وأكثر إقامته كانت في اليمامة في بنبان ووسيع (4). وهناك في اليمامة كان يُنصب له بيت يقصده قومه، وقيل إن اسم الرياض إنما هو في الأصل صنم لسعد هو رُضا ويكتب بضم الرّاء، ولذا وجد في أولئك القوم من اسمه عبد رضا ومنهم عرّاف اليمامة.
قال الحافظ ابن حجر، وكان في تميم في الجاهلية وصدر الإسلام جماعة من الأشراف والرؤساء، وأشار الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ إلى ثباتهم في الرّدة. نقلاً عن المصادر القديمة فقال: إنّ شيخنا من رؤوس تميم وأعيانها وتميم قبل الإسلام وبعده هم رؤوس نجد وسادته، وقد أبلوا في حروب الرّدة بلاء حسناً يقصد بالشيخ محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة في نجد (5).
مضى آل الشيخ بعد أن ذكر بلاءهم في قمع الردّة إلى الحديث عن الاقطاعات التي حصلوا عليها أيام الصديق من أودية نجد لقاء وفائهم وثباتهم في إخماد ردة اليمامة. عرفت اليمامة التي ظهرت فيها حركة من أعنف حركات الردة عدداً من وقائع العرب قُتل فيها بسطام وابن الجزور ومسلمة بن قتادة وعلي الحنفي وأسر هوذه والهذيل الأكبر أسره صياد الفوارس، وفي اليمامة ظهرت بطولة صياد الفوارس لأول مرة وفي وقعة مَلْهم تحديداً ووقعة ملهم حلقة في سلسلة وقعات أبرزها تعشار وشقيقة الحسن والمرّوت والسلي وآراب.
قضى الجيش الإسلامي بقيادة خالد بن الوليد على الردة في اليمامة، وكان قد سبقه إليها جيش بقيادة شرحبيل بن حسنة التميمي (6) ولم يبرح خالد أرضها حتى توّلى عليها رجل من أهلها من الذين أسهموا في إخماد حركة الردة (7) وكان والي اليمامة هو سمرة بن عمرو التميمي وهو أول حاكم في نجد بعد الإسلام.
من أرض اليمامة أراد خالد التحرك إلى العراق فكان أن قدّم بين يديه الزبرقان بن بدر وسار الزبرقان أمام الجيش فيما بين نجد إلى السواد وفي ذلك قيل:
من مبلغ قيساً وخندف أننا
عزم الإله لنا ودين محمد
قاد الجياد من اليمامة قاصداً
سلس قلائدها تروح وتغتدي
حتى رأى أهل اليمامة فعله
يوم الهياج أشمَّ غير معرد
تمَّ إخماد فتنة مسيلمة في نجد قال محمد كمال:
(كان بنو تميم يفخرون بالأحنف وبآبائه لما كانوا عليه من رجاحة العقل وسداد الرأي وحرص على وحدة القبيلة.. ولما ارتدّت بعض القبائل عن الإسلام لم يرتدِّ حتى إنه جاء هو وعمّه المتشمِّس بن معاوية إلى مسيلمة الكذاب ليسمعا منه فلما خرجا قال الأحنف:
كيف تراه يا عماه؟ فقال المتشمس: أراه كاذباً.
وهكذا انطلق الأحنف متمسكاً بإسلامه ساخراً من مسيلمة الكذّاب فكان ثباته على عقيدته في محنة الرَّدة ذا تأثير حاسم أمام تيار الردّة الجارف ممَّا سهل على المسلمين القضاء على المرتدين وإعادة شبه الجزيرة العربية إلى ما كانت عليه أيام الرسول الكريم- صلى الله عليه سلم- من وحدة وتماسك (8).
ظهرت ردّة أخرى في البحرين لبني بكر بدعم فارسي ومساندة النعمان أحد أمراء الحيرة، وما كان لجيش المسلمين بقيادة العلاء بن الحضرمي أن يصل إلى البحرين إلاّ بخفارة ممن يقطنون فيما بينها وبين نجد... وهنا قال قيس بن عاصم للعلاء إنمّا آتيك الآن لأخفرك وأسير معك حتى تخرج من أرض سعد فأكون قد قضيت حق مسيرك.
سار العلاء ومعه قيس في فرسان من تميم، فكان لا ينتهي إلى ماء من مياههم إلاَ وتتلقاه تميم بالقرى والإنزال والعلوفة وفي ذلك ورد قولهم:
ألم تر أنّا أجرنا العلا
على كل من جاره من مضر
تضمَّن قيس له ذمّة
فحط بها رحله في هَجَر
كانت البحرين وهي شرق الجزيرة تحت حكم ملك من بني عبد الله بن دارم هو المنذر بن ساوى التميمي، وقد كاتبه النبي- صلى الله عليه وسلم- فأسلم وحسن إسلامه ومات رضوان الله عليه قبل ظهور الردّة، ولّما دنا جيش المسلمين من البحرين التقى بالمرتدين في موقع يقال له الردّم، وهناك قتل قيس بن عاصم أحد رؤوس الردّة أبجر بن بجير من ربيعة وفي ذلك قال:
ألم ترني أدنيت رمحي وأنني
ضربت بحد السيف يأفوخ أبجر
انهزم المرتدون بعد مقتل أبجر وكان رئيسهم الأعلى هو الحطم بن ضبيعة شيخ ربيعة، وقد بصر به قيس بن عاصم منهزماً فحمل عليه وقتله وفي ذلك قال:
لما انثنى وثنى رجله
عممته بالمرهف القاصل
سيفاً حساماً فوق يأفوخه
فخرَّ مثل الجمل البازل
أعظم به رزءاً على قومه .... لا بل على الحيين من وائل
فرَّ بنو بكر إلى البراري، ولحق النعمان بآل جفنة بالشام، وانهزم الفرس فسار بعضهم إلى الزَّارة والقطيف، ومضى بعضهم حتى لحق بكسرى فخبّره بما كان منهم فاغتمَّ لذلك غماً كثيراً (9).
لم يقف دعم الفرس للرّدة عند هذا الحد بل هم جندوا حملة من أرضهم آنذاك ومن دار تغلب في الجزيرة الفراتية تحديداً مع امرأة. ونقل الحافظ ابن كثير قول الشاعر: (أتتنا أخت تغلب) وهي سجاح التغلبية، كما عند ابن كثير، وكما في كتاب نجد لمحمود شاكر وأوضح البلاذري تصدي الرّباب من تميم لهذه الحملة كما أورد الطبري محاربة بني الهجيم لها، وفي معالجة علمية ذكر فضيلة الشيخ عبد العزيز أن أتباعها كانوا من النمر، وتغلب وإياد، وأن تميماً قد حاربت هذه الحملة (10).
قال أحد أعلام الثقافة العربية وهو خير الدين الزركلي: إن أخبار هذه المرأة إنما هي (من مجون القصاصين اخترعت للتندر والتشهير) وما درى الزركلي -رحمه الله- أن أناساً سيأتون من بعده، وفي بلاده ليجعلوا الأخبار الماجنة من أبرز دعائم مسلسل خالد بن الوليد يشنعون بها على أعلام المجاهدين من تميم من أحلاس الخيل ومساعير الحرب الذين أسهموا في الجهاد الأول مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- ورفعوا رايات قمع الفتنة التي كادت تؤدي ببنيان دولة الإسلام الأولى بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
وإذا قلنا الجهاد الأول فيكفي الإشارة إلى مثل واحد هو واقد بن عبد الله التميمي من يربوع عشيرة مالك بن نويرة الذي شهد المشاهد كلها مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وقتل ابن الحضرمي بنخلة وكانت وقعة نخلة من الأسباب الرئيسية لوقعة بدر، وفي وقعة واقد نزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ } (217)سورة البقرة .. ومثل آخر هو الصحابي يعلى بن أمية التميمي الذي سار للقضاء على ردة خولان في اليمن فأخمدهما وولي اليمن بعد الردّة للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- وكانت أخته نفيسة صاحبة إسهام حميد في الاقتران المبارك بين النبي- صلى الله عليه وسلم- وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضى الله عنها.
كانت خديجة متزوجة في بني تميم ولها أولاد من زوجها الأول واسمه أبو هالة وكان الحسن- رضي الله عنه- يروي أوصاف جده النبي عليه الصلاة و السلام عن خاله هند بن أبي هالة- رضي الله عنه-... وبيت أبي هالة بيت سيادة وشرف ينتمي إليه حنظلة بن الربيع كاتب الوحي وأكثم بن صيفي حكيم العرب ومستشار قومه الأعلى في وقعة الكلاب الثاني في عالية نجد (11) وهو الذي نزل فيه قوله تعالى:{وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ}(100)سورة النساء
هذا جانب من صورة أولئك القوم تتضح من عرض بعض الأحاديث النبوية وأخبار التاريخ الإسلامي في وقت أعرض المسلسل فيه عن خبر وفد أشرافهم إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وذهب إلى أبعد من ذلك حين صورهم بصورة مشوهة تتنافى مع شدتهم ومع وقفتهم الصادقة لإخماد فتنة الردة قال الباحث السوري الدكتور يوسف العش- رحمه الله- (ومن مُضر قبائل بدوية من أولها تميم وهي قبيلة ذات شأن وقوة وبأس أقامت وسط الجزيرة واعتمدت على الرحلات والغزوات فدفعت بني بكر وتغلب دفعتهما واستولت على أراضيهما فنزحتا إلى العراق وأقامتا فيه) (12). وقال باحث سوري آخر هو محمود شاكر: (إنهم ذوو بأس وقوة وفيهم قالت العرب: لو تأخر الإسلام لأكلت بنو تميم الناس) (13).
وختاماً فإن كانت مآثرهم في قمع فتنة الردة ظاهرة فما أظهر وأبين قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- حين جاءته زكاتهم (هذه صدقة قومي) وقوله إنهم (أشد أمته على الدجال)، وقوله: إنهم من ولد إسماعيل (14) قال الشيخ عبد العزيز شارحاً (أثبت الرسول عليه الصلاة والسلام نسبهم إلى إسماعيل وأضافهم إلى نفسه تشريفاً لهم وذكر أنهم أشد الأمة على الدجال وأشد الناس قتالاً في الملاحم)(16) فأي مدخل لأصحاب المسلسل على هؤلاء القوم إلاّ أن يكون التعامي عن الحق ومحاولة التشويه.
(*)باحث في التاريخ والحضارة
المصادر والمراجع:
1- الطبري.
2- البخاري .. مسلم .. فضائل الصحابة.
3- ابن أعثم... الواقدي .. ابن خميس .. معجم اليمامة.
4- ابن خميس... معجم اليمامة.
5- ابن حجر .. فتح الباري في شرح صحيح البخاري .. عبد اللطيف آل الشيخ .. مصباح الظلام.
6- من ولد الغوث بن مر دخلوا في عداد تميم بن مر.
7- استشهد منهم عبد الله بن المنذر.
8- محمد كمال .. الأحنف بن قيس، ص 3، 4.
9- الطبري... ابن أعثم .. الواقدي.
10- البلاذري .. فتوح البلدان .. د. عبد العزيز .. فضائل بني تميم في السنة النبوية.
11- د. الغزي .. الكلاُب الثاني .. الزركلي .. الأعلام.
12- د. العش .. الدولة الأموية.
13- شاكر: نجد.
14- البخاري .. مسلم .. فضائل الصحابة.
15- د. عبد العزيز .. فضائل بني تميم في السنة النبوية.
16- وفي هذا المعنى قال شاعر معاصر:
إلى الكبراء من أبناء نجدٍ
إلى أبناء الأشاوس من تميم
وأثقل أمةٍ عند التحدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.