ارتفاع أسواق الأسهم الآسيوية    اوقية الذهب تصل الى 3351.46 دولارًا    المدمرة "يو إس إس هيجينز" أكدت حقوقها الملاحية ببحر الصين الجنوبي    بدعم من مؤسسة سليمان الراجحي.. جمعية الإعاقة السمعية في جازان تسلم سماعات أذن ل16 مستفيدًا    "الندوة العالمية" في جيبوتي تُثمن إسهامات المملكة في تعزيز الوعي القيمي والديني    محافظ صامطة يستعرض مع جمعية عمارة للعناية بالمساجد جهود تطوير بيوت الله وتعزيز الشراكة المجتمعية    "سدايا" تضع الشباب في صدارة أولوياتها لقيادة حاضر ومستقبل الذكاء الاصطناعي بالمملكة    امطار خفيفة الى غزيرة على اجزاء من مناطق المملكة    إيران تعرب عن استعداداها للتفاوض على برنامجها النووي    استقرار أسعار النفط    7 من كل 10 سعوديين يشاهدون التلفاز    3 أبطال جدد وإنجازات تاريخية مع ختام الأسبوع الخامس من كأس العالم للرياضات الإلكترونية    طائرة العيون لدوري الأولى    إصابة قاسم تبعده عن الفتح    معاناة غزة إلى مستويات «لا يمكن تصورها»    عدم إعطاء أفضلية السير للمركبات داخل الدوار.. مخالفة    سودة عسير.. أمطار وغيوم    التوسع في تطبيق مقاييس التوافق قبل الارتباط    لقطات ساحرة للشفق القطبي    ألمان ينسون طفلهم بمحطة وقود    تعاون موسيقي يجمع كوريا وروسيا    إنجاز سعودي.. أول زراعة قوقعة ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا    الحياة البسيطة تعزز السعادة    استخراج هاتف من معدة مريض    فوائد ومخاطر النعناع الصحية    مأساة الكوليرا تضرب النازحين في دارفور.. «المشتركة» تتصدى لهجوم الدعم السريع على الفاشر    قبيل زيارة لاريجاني لبيروت.. الرئيس اللبناني: الاستقواء بالخارج مرفوض    23.61 مليار ريال تسهيلات للصادرات السعودية    عودة المشرفين والإداريين في 11 منطقة للمدارس    الدفاع المدني: حالة مطرية بعدة مناطق حتى السبت    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: ندين جرائم وقرار إسرائيل باحتلال غزة    50 مليون ريال للصناعيين    للعام السادس ضمن قائمة المائة.. "أرامكو السعودية" ثاني أعلى العلامات التجارية    نائب أمير الشرقية يطلع على مشروعات وبرامج هيئة الترفيه    «هن» مبادرة لدعم المواهب النسائية في الموسيقى    «مزرعة إنجليزية» تشارك في مزاد الصقور الدولي    «تنظيم الإعلام» توضح 6 سمات للإعلامي الناجح    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان المستجدات الدولية    الجماهير السعودية تترقب كأس السوبر    كأس السوبر الأوروبي بين عنفوان باريس وطموح توتنهام    تقدّم روسي على جبهة أوكرانيا.. توتر قبيل قمة بوتين وترمب    «الغذاء» تسجيل مستحضر «الريكسيفيو» لعلاج الورم النقوي    أدبي الطائف تصدر الأعمال المسرحية الكاملة للدكتور سامي الجمعان    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    رابطة الدوري السعودي تعلن جدول أول 6 جولات من البطولة    أمير تبوك يواسي أسرة الغيثي في وفاة فقيدها    نائب أمير الرياض يرعى ورشة العمل التطويرية لجائزة الرياض للتميز    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    برنامج تعاون بين "كاوست" والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية    أمير الشرقية يستقبل منسوبي هيئة الأوقاف ورئيس اللجنة الوطنية وقائد قوة أمن المنشآت    سيرة من ذاكرة جازان.. الفريق ركن عمر حمزي رحمه الله    مجلس الوزراء: تعديل بعض مواد تنظيم الهيئة السعودية للمحامين    مدير الشؤون الإسلامية في جازان يناقش شؤون المساجد والجوامع ويطلع على أعمال مؤسسات الصيانة    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    الشعب السعودي.. تلاحم لا يهزم    مباهاة    أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر البلوي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة بحرية ربيعية من شواطئ جازان الحالمة إلى شواطئ فرسان الناعمة
فَرسَانُ مَحْبُوبة الجُزُرِ
نشر في الجزيرة يوم 07 - 04 - 2006


الثلاثاء 8 - 1 - 1427ه الخميس 10 - 1 - 1427ه
فاتحة:
خُطيِّ على الماء فجراً...
وانثري ألقاً..
وجاوبي البحر بالأشعار والصورِ!!
وازَّيَّنِي لِفتىً...
قد جاءَ مرتحلاً..
منَ العروسِ، إلى مَحْبُوبةِ الجُزُرِ!!
كم كنتِ يا فِتْنَتي...
شوقاً يُخالِجُني..
فَيوُرقُ القلبُ فِي دلٍ وَفِي خَفَرِ!!
(قد جئتُ يا فرسَانَ الحبِّ)..
فابْتَهِجي..
وبَادلِيني صَبَاحاً باسِمَ الثَّغَرِ!!!
فرسان 8 إلى 9 - 1 - 1427
جدة
بهذه الحروف التي تحولت إلى نصِّ شعري - فيما بعد - تعانق الخيال الشاعري بالواقع السحري عبر رحلة بحرية من شواطئ جازان الحالمة إلى شواطئ فرسان الناعمة، ذات يوم ربيعي توسلت بالزملاء في جازان وفرسان أن يعينوا على تحقيقه، فكانت هذه الرحلة الفرسانية التي أعيد صياغة ما تعلق بالذاكرة من مفرداتها المكتوبة بماء الحب والشوق والمعرفة!!
***
(2) طوال الوقت السابق للرحلة، وأنا أرتب ما أحتاجه، كان إبراهيم مفتاح - الأديب والمؤرخ والشاعر الفرساني - أول المفاتيح لمعرفة فرسان من خلال كتابه (فرسان - الناس والبحر والتاريخ) حيث أمضيت معه الكثير من المتع الفكرية والمعرفية، وتزودت بكل المعينات إلى وضع خارطة ذهنية لهذه الرحلة الحلم.
وثاني المفاتيح المعرفية عن فرسان وما فيها كان عن طريق العقيد متقاعد صالح بن محمد الحربي وكتابه عن (جزر فرسان إبحار عبر عالم البحر الأحمر) الصادر عن نادي جدة الأدبي عام 1409ه. إضافة إلى معلومات ومحفزات متناثرة عن طريق الأصدقاء الذين زاروا فرسان، أو أبناء جازان الذين يعرفون هذه الجزر معرفة عميقة وأكيدة.
وثالث هذه المباهج المعرفية تلك القصيدة (الرائية) للشاعر الجازاني ابراهيم صعابي التي يتحدث فيها عن هذه الجزيرة وجمالياتها من خلال لغة فاتنة، وأسلوب شاعري، وقافية أخاذة كما هي عادة هذا الشاعر المبدع وفقه الله.
أضف إلى ذلك وقوف الزميلين العزيزين رفقاء التخطيط الاستراتيجي من تعليم جازان الأستاذ علي الحكمي، والأستاذ إبراهيم عقيلي اللذين شاركا في التخطيط والترتيب والتسهيل لإتمام هذه الرحلة الربيعية سواء في جازان أو في فرسان إعداداً، وتنظيماً وضيافة فلهما جزيل الشكر ومزيد التقدير.
***
(3) بين العبارة، والفالوكة القليل من التقارب والكثير من الاختلاف، فهما يجتمعان في كونهما وسيلة المواصلات الوحيدة بين جازان وفرسان، فلاتوجد طائرات، ولا جسر تعبر عليه السيارات، ولا أي وسيلة أخرى، ما عدا هذه الوسيلة المائية التي يتقاطر عليها الناس أفراداً وعوائل طوال أيام الأسبوع وخاصة أيام الإجازات وآخر الأسبوع.
وأما اختلافاتهما فيظهر من خلال الجولة التالية.
الفالوكة
- أقدم علاقة بالبحر، فهي الوسيلة الأم من أقدم العصور وهي عبارة عن قارب صغير متطور عن القوارب الشراعية القديمة.
- وهي الوسيلة الأسرع إذ تستغرق حوالي الساعة والنصف لتقطع المسافة من جازان إلى فرسان وهي حوالي (40)كيلومتراً.
- تحمل الأفراد والعوائل فقط مع شيء من الأمتعة الحقيقة، ولا يتجاوز العدد خمسة عشر راكباً.
- وهذه الوسيلة ربحية إذ يملكها البحارة الذي يتاجرون بها ويؤجرونها
- على المستفيدين حيث يدفع الراكب ما يعادل (50) ريالاً للفرد، وإذا تم استئجارها بالكامل فيدفع (350) ريالاً فقط.
العبّارة
- وهي الوسيلة المائية الأحداث وتسمى (المعدية)، وقد أهديت لأهالي فرسان من سمو الأمير نايف وزير الداخلية بعد زيارته لفرسان عام 1398ه وهي أشبه بالباخرة المكونة من ثلاثة طوابق.
- أما هذه الوسيلة فهي أبطأ لحمولتها الثقيلة وغاطسها الأكبر والرحلة تستغرق حوالي ثلاث ساعات أو أكثر حسب حالة البحر والرياح والأمواج.
- تحمل البضائع والسيارات بما لايتجاوز ثلاثين سيارة، ومن الركاب حوالي (200) راكب.
- أما هذه الوسيلة فهي مجانية حيث أهديت لسكان الجزيرة إهداءً، ويستخدمها المواطنون مجاناً بلا رسوم وهي ثلاث عبارات فرسان، البرق، والعارض.
وبعد أن تعرفنا على إيجابيات وسلبيات كل وسيلة كان القرار الأخير هو الرحلة بواسطة (العبّارة) أولاً، وإن لم تتمكن فلا خيار سوى (الفالوكة)، ولكن الله سهل فكانت العبّارة (فرسان).
***
(4) (فرسان) تُقِلُّنَا إلى (فرسان):
في صباح اليوم الثامن من شهر محرم 1427ه كنا علىموعد مع البحر وجماله، مع نسيمه العليل ومياهه الصائبة، فلا رياح ولا أمواج، مع الطيور، والنوارس، مع الزرقة البحرية التي تلتقي بزرقة السماء، مع الفضاء الأزرق الممتد شاسعاً أينما يتجه بصرك (فباسم الله مجريها ومرسيها).
يتقاطر الأفراد شباباً وعائلات والسيارات تستولي على الفناء الأرض للعبارة ويصعد الركاب إلى الأعلى والنساء إلى الصالة المخصصة لهن، ونستغرب من هذا العزل الأسري، فقد حكم علينا بالابتعاد عن نسائنا لمدة ثلاث ساعات (زمن الرحلة) بلامبرر إلا عدم الاختلاط، وتساءلت في نفسي ومع من تعرفت عليهم لماذا لا تكون العبارة مثل القطار في تنظيم جلساتها العائلية وتبقى الأسطح لمن يريد من الشباب أو الرجال؟!
الطريق البحري إلى فرسان يصيبك بالإعجاب والدهشة من جماليات اللون المتشكلة من الكائنات البحرية، وعمق البحر ارتفاعاً وانخفاضاً والقوارب التي تحيط بك من الصيادين وطالبي الرزق!!
والجزر المتناثرة يميناً ويساراً على امتداد البصر التي يردمها الصيادون وعاشقو النزهة من أبناء جازان وفرسان، وهنا نتساءل بحرفة أين من يستثمر هذه الآفاق الجيملة، وأين من يحيي موانئها بمشاريع سياحية تفيد البلد والساكنين، وتضيف لبنة حضارية إلى مستقبل أمتنا السعودية لتصب في عمق سياحتنا الوطنية الداخلية، وهذا ما نأمله من سمو الأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة العليا للسياحة والآثار!!
ثلاث ساعات ونحن في بهجة وحبور، ولا ينقصنا إلا بعد أم سلطان التي تشاركنا هذه الرحلة ولم يبق بيننا من التواصل إلا ما يتيحه لنا (المجهول) من سؤال وحوار سريع!! ولقاء سريع بين نزول وصعود، فالنساء في مكان والرجال في مكان آخر!!
***
(5) وها نحن نقترب من الميناء الذي سترسو فيه العبارة (فرسان) وها هو البحر يسلمنا إلى ممر مائي يفتح ذراعيه بكل ترحاب تحيط بنا الجبال عن يمين وشمال، ويبقى المدخل البحري مفتوحاً لمرور العبارة حتى تصل إلى مرساها ويتأهب المسافرون للمناورة كل إلى اتجاه!!
فكل من عرفت قبل سويعات يغادرك الآن..
وكل من تحادثت معه، وجاذبته أطراف الكلام يودعك الآن..
ولا يبقى من الساعات الثلاث إلا الصور الملتقطة بالجوال، والذكريات وبطاقات التعريف!!
إنه زمن موحش ذلك الذي تغادر فيه إنسانيتك إلى واقع مادي جديد!!
وها نحن في فرسان ومضيفنا على بعد كلمات، والنهار مشرق وضاء، والشوق للتعرف والتنزه يحدوك للنشاط والتفاعل الحيوي وعقلك الباطن يقول: ها أنت في فرسان، ويعني مع إبراهيم صعابي:
قد جئت يا فرسان الحب فانتظري
أن يورق الموج في إضمامة الجزر
بيني وبينك ذكرى لست أجهلها
ذكرى من الحب تفضي بالهوى العطر
***
(6) أن تبني لك بيتاً في كل مكان، هذه وصية أعرابي لابنه ذات مساء، ولكنه لم يدركها إلا بعد أمدٍ طويل فهذا الأب ينصح ابنه بمعرفة الناس، وصداقة الخيرين ليكونوا له أهلاً وخلافاً إن حل بينهم أو سافر إلى بلادهم، فهناك عندهم يجد البيت والصاحب والأهل!!
وهكذا نحن من جدة وبمعرفتنا بالزميل الكريم إبراهيم عقيلي من أبناء فرسان أتينا داراً في فرسان حيث أكرمنا وأحسن نزلنا وهيأ لنا السيارة، وسهل لنا الرحلة فكان خير صديق وأنيس هو وعائلته المباركة.
ثلاثة أيام ونحن في فندق (فرسان) الفندق الوحيد الجديد، المقبول لكل زائر ولكنه لا يكفي لكل الزوار فغرفة محدودة وبنظام الغرف الفندقية التي لا تصلح إلا للعرسان أو لزوجين بقضيان إجازة خاصة جداً بعيداً عن الذرية والأبناء!!
أما الشقق المفروشة فهي قليلة في فرسان، ولذلك فإن السائح بعائلته يجد صعوبة بالغة في السكن، وخاصة في مواسم الصيف، ولكن الذي يستمتع بهذه الجزيرة هم الشباب الذين لا يبحثون إلا عن البحر والشاطئ والمخيم وليالي الصيد!!
ثلاثة أيام ونحن في فرسان الكبرى، تلك المدينة التي بدأت تدخل عالم المدن فالمخططات العمرانية شاهدة على التحول من حياة القرى إلى المدن، والشوارع المزفتة الواسعة، والإضاءة والتشجير والعمران والمشفى الحديث والمدارس الحكومية (بنين وبنات) كل هذه المعالم أدخلت فرسان إلى عالم المدن في ظل حكومة واعية رشيدة والحمدلله.
ثلاثة أيام وأتيحت لنا الفرصة لزيارة أهم الجزر والمعالم والشواطئ فمن صير، إلى قماح وأبوطوق، ومن قصار إلى جتايه والمحرق، عوالم من الروعة والجمال البحري ونظافة الشواطئ ومناظر الغروب الرائقة والأجواء الشاعرية الساحرة تلك التي ألهبت مشاعر المبدعين من أبناء فرسان:
حسين محمد سهيل، عبدالمحسن يوسف، وشيخهم الشاعر المؤرخ الآثاري الأديب إبراهيم مفتاح، وقبلهم كثير من الشعراء الشعبيين.
***
(7) في فرسان تأخذك دهشة التاريخ وجماليات الماضي عندما تقف عند مسجد النجدي في وسط المدينة وتحيط به المنازل الشعبية والمحدثة، وصاحبه ابراهيم النجدي أحد تجار اللؤلؤ في فرسان وبنى عام 1347ه أي قبل (ثمانين سنة) ومازال بناؤه جيدا، وإن كان قد خضع للترميم، ومفتوحا للصلوات.
لقد شاء الله أن أصلي صلاة الظهر في هذا المسجد التاريخي، وأطلع على معالمه لأفتقد فيها المئذنة السامقة التي تشير إلى هذا المعلم التعبدي، وكنت أتساءل هل هدمت أم سقطت مع الزمن إذ لايوجد منها إلا أساسها في الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد، ورجعت إلى كتب الأديب إبراهيم مفتاح فلم أجد الإجابة، لكن أحداً من أبناء فرسان أشار إلى أن المساجد في فرسان ليس لها مآذن مرتفعة والله أعلم!!
ومما لاحظته في هذا المسجد المحراب والمنبر والزخرفات المحيطة بهما، فلقد ذكرتني بما شاهدته في بعض المحاريب في باكستان، وهي نقوش هندية واضحة المعالم، وهذا تأكيد لما قاله الأديب الفرساني الكبير إبراهيم مفتاح من أن المحراب والمنبر جلبا من الهند.
ثم توجهنا لمشاهدة معلم آثاري آخر وهو منزل الرفاعي (أحمد منور) تاجر اللؤلؤ الذي بني عام 1341ه أي منذ ستة وثمانين عاماً (86سنة)، كما تشير أحد العقود المنقوشة.
وهذا المعلم المثير يحتوي على نقوش داخلية وخارجية غائبة في الاتفاق والروعة رغم مرور هذه السنوات، ويدل على الثراء والبذخ والترف لأولئك التجار.
وقريباً من هذا المعلم يوجد منزل حسين الرفاعي، ويمتاز أيضاً بالنقوش الفريدة داخل المنزل وخارجه، وقد أسندت رعاية هذه المعالم إلى إدارة الآثار بالمحافظة.
***
(8) وفي فرسان تأسرك الطبيعة البحرية وملامحها البكر التي لم تلوثها يد المدينة، فلا زالت تشعرك بحميمية الأرياف ودفء القرى، وبكارة السواحل وعذوبة التعالق بين البيئة والإنسان، وتفاعل التحديث مع القديم في حوارية تنموية لا تلغى ولا تستولى.
ففي (قصار) إحدى القرى القديمة المهجورة جنوب فرسان تشاهد النخيل بكثرة والذي يستفاد من رطبه وثمره في موسم الصيف حيث كان الفرسانيون يتخذون من هذه القرية مصيفاً، كما نشاهد مجموعات الغزلان البرية في محمية هي الأهم من نوعها في بلادنا وهي محمية (وادي مطر).
وفي (المحرق)، وهي قرية قريبة من فرسان إلى جهة الجنوب أيضاً نرى جمال القرى وبدائية المجتمع حيث البيوت المتقاربة والتواشج السكاني والأنعام الرائعة من أبقار وأغنام ودجاج وشيء من التطور كالكهرباء والهاتف وبعض الأطباق الفضائية والسيارات مما يؤهلها مستقبلاً لتكون مصيفاً ومنتجعاً سياحياً وخاصة حول الشاطئ الناعم التي نشرف من بعد عليه.
فهل تمتد إليها يد السياحة والمشاريع الحيوية السياحية لنتحول من قرية هادئة إلى مدينة سياحية تعج بالمصطافين والسائحين والزوار في إجازات نهاية الاسبوع أو الإجازات الرسمية!!
تذكرك (المحرق) الفرسانية ب(المحرق) البحرينية، ونبحث عن سر هذا التوافق الاسمي فتجده لدى الأديب الكبير عبدالرحمن الرفاعي الذي استضافه المؤلف إبراهيم مفتاح في كتابه (فرسان بين الجيولوجيا والتاريخ الصادر من نادي جازان الأدبي عام 1424ه، إذ يقول الرفاعي عن المتعاهدين الفينيقيين والكنعانيين، فكما بنى الفينيقيون في ا لبحرين مدينة المحرق، بنى الكنعانيون في (فرسان) مدينة أسموها المحرق.
وفي الطريق إلى جزيرة ( صير) التي تبعد عن فرسان حوالي خمسة وأربعين كيلومتراً، يلفت نظرك إلى جهة الغرب شاطئ رائع وجميل اسمه شاطئ جنابه ثم شاطئ رأس القرن، وقد ابتهجنا ذات عصر ومساء بقضاء وقت ممتع على شاطئ جنابه المثير برماله البيضاء وزرقة الماء ونظافة الشاطئ وقلة المرتادين، وهنا يتمنى الإنسان أن تتحول هذه المنطقة الساحلية إلى معلم سياحي بحري فيه قوارب النزهة، وسباق البحر، والملاهي وغيرها من المشاريع السياحية التي تجذب الزوار.
وفي الطريق إلى (صير) أيضاً يزعجك ألا تجد اللوحات الإرشادية التي تدلك على الطريق والمسافات مما يجعل الزائر لأول مرة منزعجاً من عدم معرفته بالطريق أو مفاجآته مما جعلنا نحول فريقنا إلى جزر السفيد وأبو طوق لم يكن الحال بأحسن مما عايشناه في طريق (صير) ولم نسعد بمشاهدة هاتين الجزيرتين الرائعتين اللتين تشهد لهما الأدبيات بكل جمال وشاعرية!!
***
(9) ثلاثة أيام في فرسان قاربت على الانتهاء، وها نحن في طريق العودة إلى جازان نحمل معنا ذكريات لا تنسى عن هذه الجزيرة طبيعة وإنساناً.
وسيلتنا البحرية هي عبارة (البرق) الأحدث في وسائل المواصلات البحرية والأنظف، ولكنها تمارس الفصل بين الرجل وزوجته والعوائل النساء عن عائليهم من الرجال، وهذا محط تساؤل، كما أثرناه في عبارة (فرسان) ومازال السؤال حائراً.
لشاعر وكاتب مثلي ألا يركن إلى البقاء في صالة الركاب بل عليه أن يتنقل بين الركاب ويتعرف إليهم، ويقرأ أفكارهم فكان سطح العبارة ملتقى للمسافرين تسمع منهم شجونهم ومرئياتهم.
فهؤلاء مجموعة من الشباب نشعر أنهم لم يستمتعوا بجولتهم في فرسان لعدم وجود الفنادق والشقق المفروشة للعزاب، وهذا مواطن يحمل أجمل الصفات ويتذكر أحلى الأوقات التي قضاها في فرسان، ويعد بالعودة إليها كرات ومرات برفقة العائلة.
وهؤلاء من أبناء فرسان الحالمين بمدن من الضوء والفرح وشواطئ تكتظ بالبشر والناس والأجناس، وخدمات سياحية تحول جزيرتهم إلى كائن ثقافي مليء بالحياة والتنافس الاقتصادي.
يشغلك - وأنت على سطح العبارة (البرق) - ذلك الطفل الذي لم يتعدّ الصف السادس تقريباً الذي أخذ مقعده في أول العبارة بجواري، فتحولت مشاهداتي من البحر وزرقته إلى عذوبة هذا الطفل المبدع، الطفل الفرساني بنحول جسمه لكن عقله المبدع كبير وكبير جداً ما شاء الله.
ها هو يخرج ورقته وقلمه ليدخل في عالم من السحر والنشوة يرسم ملامح للبحر والشاطئ وسفينة تمخر العباب وأياد تلوح للمسافرين!!
ثم يرسم قرية شعبية وملامح طريق ترابي متعرج وأطفالاً يلعبون!!
ثم يرسم أطفالاً يتسابقون بطياراتهم الورقية التي تسبح في فضاء لا نهائي.
يشدك هذا الطفل الموهوب المستغرق في رسمه ومرسمه الناس هنا تلاحق البحر وطيوره ونوارسه، وتنتقد الأوضاع التي شاهدوها في فرسان والحجز والطيران في جازان. وهذا الطفل الموهوب غائب عن المشهد إلا من عقلية مبدعة تتعاطى الفن التشكيلي بكل حذاقة وإبداع!!
كنت أخشى إن تحدثت معه أو تعرفت عليه أو أدرت حواراً بيني وبينه، أن يفقد البحر زرقته، والمدى اتساعه، واللوحات الفنية التي يبدعها الآن بعض أو كل معانيها!!
قلت في نفسي هنيئاً لهذه البيئة الفرسانية التي أخرجت إبراهيم مفتاح، وحسين محمد سهيلي، وعبدالمحسن يوسف، وغيرهم من المبدعين الفرسانيين، أن تنجب مبدعاً تشكيلياً أتوقع له في قادم الأيام صيتاً وموقعاً في مدرسة الفن التشكيلي السعودي إن شاء الله وهناك سأتعرف عليه أكثر وأكثر.
***
(10) وها نحن في جازان نغادر العبارة (البرق) واليوم خميس والطائرة إلى جدة تنتظرنا آملين ألا تسجل تأخيراً معتاداً ذكرنا به الكاتب الجميل (عبده خال) ذات مقال متسائلاً لماذا لا يتأخر الطيران إلا عند سفرنا إلى جازان أو من جازان؟!
وها نحن في جازان وأحبابنا علي الحكمي وإبراهيم عقيلي يحفوننا بالكرم والأخوة وعبق الظل والكادي وحلويات (أبي عريش) (الشبك، والزنبطية) وماهي إلا سويعات، ويعلن المطار سفر المسافرين إلى جدة ونوقن بالرحيل!!
هناك في جازان وفي فرسان من المتع القلبية، والذكريات الإنسانية مالا يغلفه النسيان أو تتراكم عليه الأزمان، سيظل حياً في المشاعر والعقول نرسمه على القرطاس مقالاً وفضاء المعرفة من كينونة المعايشة. فشكراً لمن سهل لنا وساعدنا على اكتشاف ذاتنا من خلال رحلة ماتعة كهذه التي نسجل شيئاً عنها شكرا للزميل الأستاذ علي الحكمي مدير التخطيط والتطوير الإداري في تعليم جازان، وشكراً لأخي الأستاذ ابراهيم عقيلي عضو إدارة التخطيط والمشرف على مطالبات جازان في مهرجان الجنادرية، ولعائلته الكريمة على حفاوتهم بنا واستضافتنا في فرسان.
***
خاتمة
وأنا أستعد لهذه المقروئية، ولهذه المجازفة اللغوية حيث تتحول الفكرة والذكرى والتَّخيُّل الذهني إلى بنية قولية مكتوبة من حروف وكلمات وجمل إلى معان ظاهرة، ومعان خفية، ومن نثر في صورة شعر إلى شاعرية كالنثر
أقول: وأنا أستعد لهذه الكتابة وقفت على ما كتبه ابن فرسان الرائع، الشاعر المبدع، والصحفي العملاق الذي ترك جريدة عكاظ لنفاجأ به في جريدة الوطن، يكتب عن فرسان ومناطقها الرائعة التي يلفها الصمت والإهمال والنسيان (الوطن الأربعاء 23 - محرم - 1427ه الصفحة 18).
كما وقفت على الحلقات الخمس التي أعدتها الكاتبة سجى عارف في جريدة الجزيرة والمزودة بالصور الرائعة عن (فرسان: سحر جازان فاتنة الطبيعة) ونشرتها في صفحة حدود الوطن 27 محرم إلى 2 صفر - 1427ه.
وأخيراً فإنه لا يمكن أن أغادر فرسان كتابياً - إلا مع هذا النص الشعري تكملة لما بدأته في (الفاتحة) مطلع هذه المقالة.
قد جئت يا فرسان الخير، يدفعني
إلى لقاك، حديث ذائع والخبر
فإن فيك معانٍ طاب منظرها
يشدو بها الطير مشتاقاً إلى السَّحرِ
وإن فيك روابٍ قط ما سُلِكَتْ
إلا لأجل جمالٍ فيك منهمرِ
فحدثيني عن الأنسام مبحرة
وحدثيني إذا آبت من السفر
قامت تحدثني غيداءُ سافرةٌ
عن محجرٍ فاتنٍ قد ضجَّ بالحور
قامت تحدثني والليل مبتسم
والبدر يسكب أضواءً من الدرر
قالت - وفي جيدها التاريخ مؤتلق -
وفي صباها يذوب الصحو بالنظر
قالت أنا موسم (الحريِّد) أعرفه
ويشهد الساحل الغربي بالظَّفَرِ
والطير أسرابه تأتي على قدر
كأنما هي في شوق إلى الجُزُرِ
عَبَّارة البحر يا (برقا) يسير بنا
إلى الشواطئ في جازان كالقَدَرِ
وأنت يا (فرسان) البحر مبتهج
بما حملت من الأصناف والبشر
إني أعود وقلبي اليوم مغتبط
بما لقيت وماشاهدت من صور
د. يوسف حسن العارف*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.