الأوضاع في العراق التي أخذت في التنوع من دّجل في العمل السياسي، وإرهاب في التعامل ما بين أطياف المجتمع العراقي، حيث أخذت المؤشرات تتزايد في حصول حرب عنصرية تستهدف (الجيوب) الطائفية والعرقية الموجودة داخل (الأغلبية).. ففي الجنوب ينتظر أهل السُّنَّة حرب تصفيات بدأت مقدماتها تظهر على أيدي مقاتلي بدر، وفي الغرب والوسط، تعرَّض الشيعة إلى تصفيات على أيدي (الزرقاويين)، وفي الشمال ينتظر التركمان والآشوريون تصفيات سوف لا تقل بشاعة عمّا حصل في البوسنة وكرواتيا وكوسوفا. ولتوضيح هذه الصورة نعرض مجموعة من المقالات التي كتبها كُتَّاب عراقيون ليس لهم ارتباط بالأحزاب والكتل السياسية والطائفية والعرقية التي تحكم العراق اليوم. اليوم نعرض لوجهة نظر الكاتب طالب العسل حول تناقضات وتبدل مواقف قادة الكتل السياسية العراقية سُنَّية كانت أو شيعية أو كردية. يقول طالب العسل: قد علمنا توجهات القيادات الكردية في السابق حين كانت تنادي سراً بالانفصال عن العراق، ثم تجرَّأت وأصبحت علناً في يوم سقوط النظام، وتراجعت أخيراً بعد صدور الأوامر لها من البيت الأبيض بعدم التفكير في الموضوع البتة؛ لعدم ملاءمة الأمر مع المصالح الأمريكية حالياً، وكان ذلك واضحاً من خلال التصريحات الأخيرة لخليل زادة ورامسفيلد وجورج بوش حول أهمية الحفاظ على وحدة العراق، حيث كان رد فعل القيادات الكردية سريعاً في إطلاق التصريحات حول حفاظهم على تلك الوحدة والانصياع الكامل لقرارات وأوامر البيت الأبيض في أمريكا التي تعيث في العراق فساداً وتقتيلاً ونهباً ودماراً.. وكذلك علمنا أيضاً بتوجهات بعض الفصائل الشيعية حالياً في تمزيق العراق، بعد أن كانت تنادي قبل سقوط النظام وحتى بعد سقوطه بوحدة العراق وكانت بالضد حتى من فيدرالية للكرد، لأنها وجدت فيها تهديداً للوحدة الوطنية، ولربما يكفي للكرد من وجهة نظرهم حكم ذاتي بسيط. وهكذا تتغير المواقف عند بعض الفصائل الشيعية والكردية حسبما يستجد من ظروف ووقائع وحسب الأوامر الصادرة من البيتين الأبيض والأصفر، حيث تطالب بعض الفصائل السياسية الشيعية بتمزيق العراق تحت اسم الفيدرالية رفضوها بشدة مسبقاً، حينما طالب بها الكرد ولربما اعتبرت كفراً والآن يستقتلون من أجلها، بل أخذوا يتوسعون في الرقعة التي يطلبون فيها الفدرالية وأخذت تضم بغداد وديالي وكل الجنوب والفرات الأوسط، وكان انتقاد الشيعة شديداً للكرد في توسيعهم رقعة فيدراليتهم التي يطالبون بها، كما أصبح وجود السُّنَّة في مناطق الشيعة ليس بمانع لقيام تلك الفيدرالية، بينما كانت الحجة في رفض فيدرالية الكرد هو وجود التركمان والآشوريين في مناطق فيدراليتهم، وها هي بعض الفصائل الشيعية تأتي بعمل كانت تنهى عنه، ولربما ستفوق الكرد في توجهاتها وطموحاتها التي يمليها عليها البيت الإيراني الأصفر. وهكذا علمنا مواقف القيادات الكردية وبعض الفصائل الشيعية، ولكن ما بال القيادات السُّنِّية التي ظننا لوهلة من الزمن أنها بالضد من تمزيق العراق، وأنها تحارب من يحاول تفتيت البلد خصوصاً أنها كانت رافضة بالمطلق فكرة الفيدرالية وحتى الحكم الذاتي، وإذا بها تهادن وتداهن وتقفز على الحقيقة وتتملق القيادات الكردية حتى أصبح ماراثون بغداد - أربيل ينافس ماراثون بغداد - سليمانية، وأصبحت فيدرالية الكرد أمراً واقعاً على الجميع الاعتراف به لخصوصية المنطقة الكردية، وهذا ما يصرح به القادة السُّنَّة دون الالتفات إلى وجود أقوام آخرين مثل التركمان والآشوريين الساكنين في تلك المناطق والرافضين لسياسة القيادات الكردية العنصرية، ولكن ليس من مجيب لتساؤلات هؤلاء ومطالبهم ولا لغيرهم من الأقليات، ما دام ليس هناك بيت يأتمرون بأمره ويحميهم ويدفع الضرر عنهم. والعجيب في القيادات السُّنِّية أنها ترفض فيدرالية الجنوب التي يطالب بها فصيل عبد العزيز الحكيم؛ بحجة أنها طريق لتمزيق العراق ولنقُلْ لهم: صحِّ النوم، وما ستؤول إليه إذن فيدرالية الكرد أيها الفطاحل العظام؟ هل ستعزز الوحدة الوطنية؟ وهل تعمل على تقوية العراق؟ وهناك سبب آخر لرفضهم فيدرالية الشيعة وهو وجود بعض السُّنَّة في البصرة وبابل والصابئة في ميسان ولا يجوز أن يقع هؤلاء تحت حكم الشيعة، وهذه ازدواجية واضحة، حيث إن وجود ووضع هؤلاء في الجنوب ضمن فيدرالية شيعية هو نفس وجود ووضع التركمان والآشوريين في شمال العراق ضمن الفيدرالية الكردية، وبهذا تكون الازدواجية واضحة للعيان في تعامل القيادات السُّنِّية مع موضوع الفيدرالية سواء الكردية منها أو الشيعية، حيث إن السُّنِّي والصابئي الذي يعيش في الجنوب ليس بأغلى دماً وأرفع مقاماً من التركماني والآشوري الساكن شمال العراق ليحرص عليه القادة السُّنَّة، الذي يجري من حكم على هذا يجري على ذاك، ولا داعي لفصل الأمور عن بعضها البعض، والتحيز لجهة دون أخرى والكيل بعدة مكاييل لا يشبه أحدهما الآخر، فالكل من العراق ودمهم العراقي يجري في العربي كما في الكردي والتركماني والمسيحي والصابئي واليزيدي وليس الدم الأصفر من دماء العراقيين ولا الدم الأبيض ولا الدم الحامل لفيروسات الإرهاب ولا التفرقة، ولا يحمل الدم العراقي من يريد تمزيق العراق ولا من يجامل على حساب الحق ولا المداهن ولا المنافق، وللأسف الشديد معظم من يمسك بزمام الأمور الآن هم من حاملي تلك الصفات.