ما أقسى الغربة .. فكلّ الذين تغرّبوا عن ديارهم وأهلهم .. تكلّموا عنها بغضِّ النظر عن حياتهم وطبيعتها فيها على أنّها عذاب وحرمان لا يفهمه إلاّ من شاءت أقداره أن يتغرّب عن أهله وناسه .. لكنني أقول إنّ الأقسى من ذلك غربة الروح، أن يعيش الإنسان غربة وهو بين أهله وناسه .. فغربة الديار تنتهي بالسفر والعودة للأهل والخلان، أما غربة الروح فدائمة وموجعة .. الناس في عصرنا هذا لا يهتمون بغير مصالحهم ومدى الاستفادة التي يحصلون عليها من هذا القريب أو ذاك .. ويبني تواصلهم وحبهم على هذا الأساس حتى إذا كان الإنسان ممن لا يملكون إلاّ إحساسهم وصدق مشاعرهم جفاه الآخرون وابتعدوا عنه وربما مارسوا تجاهه ما يبقيه دائما وهو بينهم غريب.. الناس .. ما أكثر الناس من حولنا .. لكننا، وهذه مصيبتنا، نميل لبعضهم ونرجو أن يكونوا دائماً معنا في كل مراحل حياتنا .. لكننا لا نحقق ما نريد ونجد أنفسنا بعد فترة من الزمن، وقد أصبحنا غرباء عند أقرب الناس لنا .. لا لشيء ولكن لأننا فهمنا الحياة على غير ما فهموها .. وآمنا بمبادئ ربما لا يرونها وتفرّقت بنا السبل والغايات وباعدت بيننا، فاختلفنا في الأفكار وفي القيم وفي المنهج الذي نريد تطبيقه في حياتنا فتباعدنا دون أن ندري حتى إذا التفتنا وجدنا أننا نعيش بين أناس لا نفهمهم ولا يفهموننا وربما لا نعرفهم وإن كنا نحفظ أسماءهم عن ظهر قلب .. والله المستعان. [email protected]