قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }سورة طه 104 وقال عز وجل في سورة الزمر {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ومنه قوله تعالى في تقسيم أهل العلم في الأفضلية: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}سورة المجادلة الآية (11). لذا نلاحظ أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة دون استثناء وورد الكثير الكثير من النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية وكلها في الحث على طلب العلم والترغيب فيه، وتثيب طالبه بالأجر العظيم. جاء في السنة النبوية الشريفة قوله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) رواه الإمام مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم. وقد فضَّل نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (العالم) على (العابد)، فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضل العالم على العابد، كفضلي على أدناكم) ثم قال: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير) رواه الترمذي. وقد أخبر ژ أن كل شيء في هذه الدنيا ملعون لانها دار بلاء وامتحان ومرور، ولكنه استثنى ذكر الله تعالى وما والاه، ثم اتبع ذلك بالعالم والمتعلم وقد ورد ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، وعالماً، أو متعلماً) رواه الترمذي عن أبي هريرة (رياض الصالحين للنووي باب العلم). ومن صفات طالب العلم، الإخلاص لله تعالى بأن يبتغي بعلمه وجه من علمه بلا رياء ولا سمعة، وعليه ضرورة إقران الإخلاص بتقوى الله، لأن الله تعالى يقول: (واتقوا الله ويعلمكم الله). وكذلك صفة الصبر وتحمل المشاق، فطلب العلم جهاد ليس فيه خمول ولا كسل، بل نشاط وحماس وتطلع للأفضل وبحث ودراسة وتمحيص دون كللٍ أو ملل. كذلك لابد من طالب العلم أن يكون متواضعاً لا غرور به ولا كِبر. وأن يتفرغ للعلم وذلك بالإقبال عليه وضرورة احترام المعلمين والعلماء وذلك بالتأدب معهم واحترامهم وعدم تجريحهم، فهم كالمصابيح التي يهتدي بهم الضال. وكلنا يعلم أن لسلفنا الصالح تضحيات كبيرة في طلب العلم لابد أن نقتدي بها ونأخذ منها العبرة والدروس. يقول ابن القيم: (العلم صناعة القلب، وشغله فما لم تتفرغ لصناعته وشغله لم تنلها، وله وجهة واحدة فإذا وجهت إلى اللذات والشهوات انصرفت عن العلم). (مفتاح دار السعادة). ونقل ابن أبي حاتم ما سمعه عن (المزني) قيل للشافعي كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف مما لم أسمعه، فتود أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم به ما تنعمت به الأذنان). وكان حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنه يقف على أبواب الصحابة في الظهيرة يسألهم عن الحديث ويقول: (إن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل: فأتوسد ردائي على بابه تسفي الرياح على التراب، فيخرج فيقول: يا ابن عم رسول الله، ما جاء بك، ألا أرسلت إليّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث). وعن التثبت في الرواية نقل أبو العالية قائلاً: كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالبصرة فما نرضى حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم. وعن قضاء الأوقات في طلب العلم، حتى الليالي الطوال: قال علي بن شقيق: (قمت مع عبدالله بن المبارك في ليلة باردة ليخرج من المسجد فذاكرني عند الباب بحديثٍ وذاكرته، فمازال يذاكرني حتى جاء المؤذن فأذن الفجر). وحكى الخطيب يحيى التبريزي من أهل اللغة في كتاب (وفيات الأعيان) أن علي بن أحمد الغالي وهو من أهل الأدب كانت له نسخة من كتاب (الجمهرة لابن دريد) في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها فاشتراها الشريف المرتضى بستين ديناراً ولما تصفحها المشتري وجد بها أبياتاً بخط بائعها الغالي تقول: ألسنا بها عشرين حولاً ولعبتها لقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظني أنني سأبيعها ولو خلدتني في السجون ديوني فلما قرأها تأثر كثيراً، فأرجع النسخة إليه وترك له الدنانير. وللعلم آفات لابد من تداركها.. ومنها (المعاصي): ولعل في قصة الإمام الشافعي رضي الله عنه المشهورة مع شيخه وأستاذه (وكيع) عبرة.. يقول الشافعي: شكوت إلى (وكيع) سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يُهْدَى لعاصي ومنها أيضاً الكبر والغرور (والعياذ بالله).. فقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار، وتواضعوا لمن تتعلمون منه، ولا تكونوا جبابرة العلماء). كذلك من آفاته أن نكتمه، والتمادي في كتم العلم يضر صاحبه وربما يؤدي به إلى النسيان، فزكاة العلم نشره، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من سئل عن علم ثم كتمه ألجم يوم القيام بلجام من نار). ومن آفاته الانشغال بالدنيا، والنسيان.. قال تعالى في سورة الأعلى مخاطباً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بعد خطاب التسبيح: {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} وعلاج النسيان بالمراجعة والمذاكرة والتكرار وترك المعاصي والإخلاص، وصفاء النية والتركيز. وجعلنا الله وإياكم من المتعلمين ورفعنا الله وإياكم إلى درجة العلماء.. وكل عام وجميع طالبي العلم.. بألف خير.. وقفة : أيها المعلمون والمعلمات.. كل عام وأنتم بخير.. أنتم أهلٌ لهذه المسؤولية العظيمة والكريمة.. بوركت مساعيكم الطيبة، وبورك عطاؤكم اللامحدود، فأولادنا أمانة في أعناقكم، وبين أياديكم.. كونوا رمزاً للعطاء كما عهدناكم تجنون ثماراً يانعة في نهاية العام.. زهرات علم يانعة تنفع العباد والبلاد. اعملوا على توصيل المعلومات بطرق علمية صحيحة وحديثة وهادفة وبسيطة دون تعقيد.. وبذلك تساعدونهم على تنمية مهاراتهم وتفكيرهم لبلوغ المراد.. فمصادر التعلم وطرقه وأساليبه تعددت واختلفت وأصبحت متيسرة لكل المعلمين والمعلمات. ولا تنسوا أعزائي المعلمين أن التربية أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً ثم التعليم.. فاجعلوها هدفكم في الساحة والفصل والسيارة والطريق.. ليتعلمها منكم أبناؤكم الطلبة فأنتم القدوة لهم في كل تصرف وحركة وكلمة.. أعانكم الله وسدد خطاكم.. وبعد: وأنتم أيها الآباء والأمهات أتمنى أن تعو دوركم التربوي في التعاون مع المدرسة والانتباه لفلذات أكبادكم وحثهم على طلب العلم والدراسة والحفاظ على كل دقيقة زمنية لئلا تذهب هباءً منثوراً.. فعلى عاتقكم مسؤولية كبيرة وعظيمة.. وللأمهات الكرام أقول: لا تتركي الأبناء للخادمات والدروس الخصوصية.. بل اهتمي بهم بنفسك يعود ذلك عليك بالخير الكبير.. وللطلبة والطالبات أقول: أبنائي.. واخوتي.. إنه عام دراسي.. يمضي من عمركم.. استغلوه بالدراسة والعمل الدؤوب لتحصدوا النجاح.. واجعلوا شعاركم.. من طلب العلا سهر الليالي.. ومن زرع حصد.. ومن سار على الدرب وصل.. واصعدوا فوق جبال العلم والمعرفة وانهلوا منها الكثير الكثير.. لأن من يتهيب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحفر.. أتمنى لكم عاماً دراسياً حافلاً بالنشاط والنجاح والتوفيق. لحظة دفء: قم للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا وكل عام وأنتم بخير للتواصل: ص.ب 40799 الرياض 11511 تليفاكس: 012317743