بدأ الرئيس السوري بشار الأسد زيارة إلى روسيا تمتد من 24 الجاري إلى 27 منه وهي الزيارة الأولى له منذ تسلمه الرئاسة، بعد انقطاع في الزيارات بين البلدين حيث كانت آخر زيارة قام بها الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1999, يرافقه وفد حكومي وإعلامي وتجاري كبير. تكمن أهمية الزيارة في رغبة الرئيسين الأسد وبوتين بتطوير العلاقات بين البلدين وفي مختلف المجالات, وقد توقع المعلقون نجاح الزيارة لاستنادها إلى عدة جوانب: - الجانب السياسي الذي يستند إلى تاريخ طويل من العلاقات السورية الروسية والذي يعود إلى منتصف القرن الماضي، وإلى مواقف روسيا المساندة للقضايا العادلة على الصعيدين العربي والدولي، وإلى مسؤولياتها السياسية تجاه عملية السلام في المنطقة كأحد راعيي عملية السلام ابتداءً من مؤتمر مدريد. - الجانب الاقتصادي الذي يستند إلى تاريخ طويل من التعاون الاقتصادي الذي أثمر عن إنجاز 63مشروعاً كبيراً، لعل أهمها ما يتعلق بالسدود ومحطات توليد الكهرباء والزراعة, تلك المشروعات التي أسهمت في تطوير الاقتصاد السوري. والبناء على العلاقات القديمة لتسريع وتائر التنمية والمساهمة الروسية في عملية التطوير والتحديث. - الحياة العلمية والاجتماعية والثقافية حيث قامت روسيا منذ أيام الاتحاد السوفياتي وإلى الآن بإعداد وتأهيل عشرات الآلاف من الكفاءات وفي مختلف مجالات الحياة، حيث يقدر عدد المختصين بأكثر من 35 ألفاً مابين شهادات جامعية وعليا وفنية، احتلت تلك الكفاءات مواقع الصدارة في الجامعات والمعاهد العليا والمصانع ومواقع اتخاذ القرار, كما يؤمل أن تساهم الجالية السورية المقيمة في الاتحاد الروسي والتي يقدر عددها بأكثر من 25 ألف سوري - معظمهم من الخبرات والكفاءات العلمية والفعاليات الاقتصادية ذات النفوذ - حاليا في تعزيز الروابط العلمية والاجتماعية عبر المشاركة في الاقتصاد الروسي. وفي مجال العلاقات العسكرية بين البلدين حيث لعب الاتحاد السوفياتي دورا كبيرا وهاما في تطوير القدرات العسكرية السورية عبر عمليات التسليح الواسعة وتدريب الكوادر السورية وإرسال خبراء روس للمساهمة في تطوير هذه القدرات. استعداداً للزيارة بدأت في موسكو منذ الثلاثاء 1- 1- 2005 تحضيرات ومباحثات اقتصادية سورية - روسية يشارك فيها - إضافة إلى وزارات الخارجية والاقتصاد والمالية وهيئة تخطيط الدولة وادارة مصرف سورية المركزي- فريق موسع من رجال الأعمال السوريين من الجانب السوري. يشار إلى أ ن أكثر من 600 شخصية سياسية واقتصادية ستشارك في المباحثات واللقاءات، ومن الجانب الروسي تشارك ادارة الغرفة التجارية والصناعية الروسية واللجنة السورية - الروسية التابعة لمجلس الأعمال الروسي - العربي الذي تأسس في أيلول 2004م. كما تجري وبالتوازي استعدادات في كلتا العاصمتين دمشقوموسكو لإنجاز أهم الملفات والاتفاقيات التي سيتوجها لقاء قادة البلدين. كما تُجري الجهات المشار اليها اتصالاتها لتشكيل وفد من رجال الأعمال والمستثمرين وممثلي الشركات (خاصة التي عملت في سورية ) في أوقات سابقة، كذلك إقرار آلية انعقاد المنتدى الاقتصادي والتجاري ( منتدى الاستثمار) حيث سيطرح في المنتدى الذي سينعقد على هامش الزيارة أكثر من 100 مشروع استثماري بتكاليف تزيد على مئات الملايين من الدولارات. ويتوقع المعلقون ان تركز المحادثات بين الطرفين على الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية . وقد أكدت مصادر دبلوماسية روسية في دمشق ان العلاقات السورية الروسية ستشهد انطلاقة استراتيجية.. مشيرة إلى ان البلدين يستعدان للتوقيع على حزمة من الاتفاقيات التي تشمل تفعيل التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والفنية، واوضحت هذه المصادر بأنه سيتم في إطار الزيارة التوقيع على اتفاقية هامة بشأن تسوية مشكلة الديون السوفياتية السابقة المترتبة على سوريا،وذلك في إطار معالجة جذرية لهذه المشكلة المزمنة, تسمح للجانبين بأن يتجاوزا أكبر عقدة، حالت في الماضي دون تعزيز التعاون الثنائي. وفي سياق آخر أكد الجانب السوري ان زيارة الرئيس الأسد لموسكو ستساهم في تحقيق نوع من التوازن الدولي في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي سيعطي قوة دفع كبيرة لعملية السلام خاصة وان روسيا هي الدولة الثانية الراعية لهذه العملية بعد الولاياتالمتحدة. على الصعيد السياسي زيارة الرئيس السوري بشار الاسد تشكل بطبيعة الحال نقلة نوعية, ومحطة اختبار جدي للتوجه الروسي الجديد - بعد زيارة نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في العام 2003 التي شكلت بداية واضحة لعودة الحرارة إلى العلاقات الروسية السورية التي اتسمت بالفتور والتقلب خلال السنين العشر الاخيرة, في اعقاب التغيير الذي طرأ على السياسة الروسية الخارجية في التعامل مع الصراع العربي الاسرائيلي, في حينه أبدت موسكو استعدادا للتعاون بقي في حدود التمنيات والمجاملات البروتوكولية ولم يترجم إلى خطوات عملية, قيل يومذاك ان الخبراء في البلدين سوف يتولون تحديد شكل ومضمون هذا التعاون في ضوء المصالح المشتركة - وأهميتها الاساسية في انها تأتي على امتداد الانعطاف الذي بدأ في روسيا, بعد اقل من عامين على الاحتلال الأمريكي للعراق. ومن الجانب السوري يمكن فهم الزيارة على أنها محاولة لتحصين الموقف السوري التفاوضي في ضوء مستلزمات السلام وهو خيار سوري استراتيجي. وليس سرا ان دمشق تواجه في هذه المرحلة ضغوطا أمريكية وإسرائيلية متزايدة من اجل حملها على القبول بالشروط الإسرائيلية, والاصطفاف وراء المشروع الأمريكي في العراق. والاستراتيجية التي وضعها كبير صقور(البنتاغون) ومهندس العدوان على العراق ريتشارد بيرل, ادت حتى الآن ليس فقط إلى استمرار تجميد المفاوضات السورية الاسرائيلية, وإنما إلى اصدار (قانون محاسبة سوريا واستقلال لبنان) الذي ترجم في مجلس الامن إلى القرار الذي يحمل الرقم 1559 والذي بات يشكل قاعدة الحوار السوري الأمريكي حتى اشعار آخر. على الصعيد الاقتصادي: ستعقد على مدار أيام الزيارة جلسات للتعريف بالمشاريع المطروحة وبالقوانين الاستثمارية الجديدة في سورية حيث يبدي الجانب الروسي استعدادا كبيراً للدخول في هذه المشاريع كما يبدي رغبة للعودة إلى العهود السابقة حيث عملت الشركات الروسية في سورية. ومن القضايا المهمة التي سيتم الاتفاق بشأنها: 1- مسألة تسوية الديون المستحقة على سورية وإمكانية حذف القسم الأكبر منها ودفع المتبقي على شكل بضائع وتسديد قسم آخر بالدفع المباشر. حيث يتوقع أن يدفع الجانب السوري جزءاً سيوضع تحت تصرف الشركات الروسية التي ستعمل في سورية, وقسم ثانٍ ستزود به سورية الأسواق الروسية بالبضائع والسلع التي تلقى رواجا عند المستهلك الروسي. 2- الاتفاق على رزمة المشاريع الاستثمارية وخاصة في مجالات النفط والطاقة وصناعة الأنابيب والمصارف والمعدات الثقيلة وتحديث الأسطول الجوي والموانئ البحرية والجوية وصناعة الطائرات والصناعات التقنية والحيوية وصناعة البرمجيات والصناعات الدوائية كذلك مجالات التبادل السياحي والعلمي والثقافي. 3- العمل على إعادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نشاطه المميز قبل عام 1993 حيث كان حجم المبادلات أكثر من مليار دولار. وانخفض بعد ذلك حتى وصل عام 2003 إلى حوإلى 193 مليون دولار كان القسم الأكبر منها صادرات روسية إلى سورية ولم تشكل نسبة الصادرات السورية إلى روسيا رقما يذكر وتوقفت عند حد 19مليون دولار فقط والعمل على زيادة التبادل التجاري إلى 2 مليار دولار . 4- العمل على إقامة منطقة تجارة حرة وازالة العوائق الجمركية والضريبية التي تمنع وصول السلع والمنتوجات لكلا البلدين وتقديم التسهيلات لتفعيل هذه المنطقة وإمكانية ربطها مع منطقة التبادل التجاري بين سورية وتركيا. على الصعيد العسكري يتوقع المعلقون أن يتناول الطرفان في محادثاتهما صفقة الأسلحة التي سبق لسوريا طلبها منذ عامين والتي قدرت قيمتها ب2 مليار دولار تدفع على قسطين، حيث ذكرت الصحف الروسية ان موسكو تستعد لبيع سوريا صواريخ (اسكندر-اي). وقالت صحيفة (كومرسانت) الروسية ان دمشق مهتمة على ما يبدو بالحصول على بطاريات مضادة للطيران (اس-300- بي-ام او-يو-2) و(فيفوريت) و(تور-ام1) إلى جانب الصاروخين المضادين للدبابات (كورنت) و(ميتس). واضافت: إن دمشق عبرت عن رغبتها فى شراء 18 من صواريخ (اسكندر-اي) لكن روسيا ابلغتها فى تشرين الأول-اكتوبر ان التجارب العسكرية لم تنته. وذكرت الصحيفة ان الصواريخ (اسكندر-اي) التى يبلغ مداها 280 كيلومترا وتتسم بدقة كبيرة عند الاطلاق يمكن ان تبلغ اذا اطلقت من سوريا كل الاراضى الاسرائيلية تقريبا. وقد أثارت أنباء الصفقة رد فعل إسرائيلي حاد حيث طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بإلغاء صفقة بيع الصواريخ إلى سورية. في هذا المجال، ذكرت صحيفة (هارتس) ان اسرائيل طلبت من روسيا عدم تزويد سوريا بصواريخ كتف متطورة ضد الطائرات، وان المؤسسة الأمنية الاسرائيلية اعربت عن قلقها من تزويد سوريا بالصواريخ لانها (دولة معادية تمارس الارهاب ضد اسرائيل ولا سيما من خلال الانتقال الممكن لتلك الصواريخ من سوريا إلى حزب الله ومن هناك ربما إلى المنظمات الفلسطينية). كما انه ثمة خشية ايضا من وصول هذه الصواريخ إلى عناصر تعمل ضد القوات الأمريكية في العراق. وقد رد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع قائلا : ان (الحملة الاسرائيلية) على احتمال توقيع صفقة عسكرية بين سورية وروسيا (مفبركة ومضللة)، لكنه شدد على ان زيارة الرئيس بشار الأسد لموسكو 24 الشهر الجاري إلى 72 منه تهدف إلى (استرجاع علاقات قديمة) بين الجانبين. وأضاف الشرع، خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الايطالي جان فرانكو فيني، عن صحة هذه المعلومات المتعلقة بصفقة الصواريخ الروسية فأجاب: (من المؤسف ان الحملة بدأت قبل الزيارة ، وقبل ان توقع الاتفاقات. هذا يدل على ان الحملات ضد سورية مفبركة وتصنع قبل ان يأخذ الحدث مجراه. ومصدر هذه الاتهامات المضللة كشف عن نفسه). وأوضح مصدر سوري ان سوريا لا تسعى بكل الأحوال للدخول في أحلاف عسكرية جديدة مع الدول الكبرى، لكنها تريد ان تقيم علاقات متوازنة مع كل هذه الدول، حتى تكون قادرة على الاستفادة من هذا التنوع في دعم وتفعيل دورها الاقليمي على صعيد الشرق الأوسط، مضيفا: ان زيارة الرئيس بشار الاسد المرتقبة لموسكو تندرج في إطار الاستراتيجية السورية الجديدة التي انطلقت عام 2000، حيث زار الرئيس الاسد أهم عواصم الدول الغربية، ومنها باريس ولندن وبرلين ومدريد، في الوقت الذي تسعى فيه الدبلوماسية السورية لفتح باب الحوار مع واشنطن، ورأى المصدر ان تعزيز العلاقات السورية الدولية من شأنه ان يدعم دور سوريا الاقليمي والدولي، وهو أمر الذي تحتاج إليه بإلحاح خلال هذه المرحلة، مشيرا إلى ان روسيا تستطيع من خلال موقعها الدائم في مجلس الأمن، وعلاقاتها وتحالفاتها الدولية ان تساند الموقف السوري لمواجهة الكثير من الاستحقاقات القادمة، ولا يزال الجانب السوري يأمل ان يرى موسكو وقد استعادت دورها السابق في المنطقة بالرغم من ان هناك الكثير من المعوقات والصعوبات الكبيرة ولعل من ابرزها الاحتلال الأمريكي المباشر للعراق، وفشل روسيا في ان تكون قوة سياسية واقتصادية ندية لأمريكا. هذه الأهداف وغيرها.. إضافة إلى الأبعاد السياسية ستكون الطابع المميز للقاء الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين في موسكو كما يتطلع الجانبان إلى أهمية تنفيذ المشاريع التي سيتفق عليها ومتابعة العمل الدؤوب لتحقيق شراكة حقيقية بين البلدين. اللقاء السوري - الروسي يشكل انطلاقة جديدة تدفع ما تأسس عليه سابقاً ويوطد أواصر الصداقة والتعاون بين البلدين لمافيه خير ومصلحة الشعبين والتوجهات الاستراتيجية للبناء المشترك في عالم الشراكة والمصلحة المتبادلة والنهوض بالمستوى الاقتصادي والمعيشي والحضاري في كلا البلدين.