السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فتعقيباً على ما ورد في صفحة مقالات في العدد 11014 للدكتور عبدالعزيز بن سعود العمر والذي حمل عنوان رؤية في التعليم العالي حيث تحدث بإيجاز عن التوجه نحو إخضاع كل التعليم فوق الثانوي لإشراف وزارة التعليم العالي وعن المعارضة والموافقة في هذا الشأن. وقد لفت نظري قول الكاتب إن الجامعات تعد خريجيها لمهن لها صفة العمومية تقريباً وأورد مثالاً للمهندس الذي يمكن أن يعمل في إدارة الآثار أو في شركة أدوية وتعليقاً على ذلك أقول إن مسألة التوظيف للخريجين في غير أماكنهم وممارستهم لأعمال ليست من اختصاصاتهم خطأ كبير في حق التنمية البشرية تنتجه الجامعات وتعيد تصنيعه جهات التوظيف المختلفة سواء في القطاع الحكومي أو الخاص. ولن تندهش إذا علمت بعد سنوات من التعامل مع موظف في إدارة ما أن مسمى وظيفته لا يمت لعمله بصلة أو يجانبها في الكثير من المهام والأعمال والأسس والطريقة ولكن مع الوقت والاحتكاك وكثرة الأخطاء والتعديل والترقيع أصبح هذا الشخص مسؤولاً بارعاً في تخصص لا يفقه منه شيء دراسياً ونظرياً ويغض الطرف عن الشهادة إن لم تعدل لتوافق العمل حتى لا يفقد الامتيازات والصلاحيات في حال عدم مطابقة أو ملاءمة تحصيله وشهاداته للعمل الذي يزاوله وهذا الرواج لهذا المعنى ينسحب حتى على المهن الحرفية فليس جديداً أن تسمع أن حلاقاً أصبح جراحاً بقدرة قادر أو أن سباكاً أصبح مهندساً مدنياً وقس على ذلك الكثير. ثمة نقطة أخيرة وهي أن جهات التوظيف والجامعات يرون أنهم معذورون في انتهاج هذا التوجه بزعم أنهم يسرعون في ملء الفراغات الوظيفية فهذه تفرخ الموظفين وتلك تسد أفواه الجهات بالمناسب وغير المناسب وأصبح التوظيف بالأسبقية بالتخرج وليس بالأولوية المهنية وحسب الحاجة. فأين التخطيط والمخططون عن هذا؟ غياب التخطيط يطرح عدة تساؤلات هل كانت الجامعات تجهل الأعداد المطلوبة لسد الحاجة من المدرسين في مختلف التخصصات؟ وهل عز على الكليات الطبية والصحية أن تعلم مقدار الحاجة من الأطباء والممرضين على مدار سنوات الخطط الخمسية القادمة ومثلها كليات الهندسة والعلوم الاجتماعية والإدارة وغيرها حتى لا يحصل هذا التكدس العددي المهول من الخريجين على قائمة الانتظار وهل يمكن أن تسهم كوادر في تخصص معين في تقديم شيء لمجتمعها وبلدها عندما تعين في غير تخصصها؟! ولماذا لا تغلق التخصصات والدراسات التي يكتفي منها عددياً أليست صدمة بحق عندما يقبل عدد مهول من الطلاب للدراسة في تخصص معين ثم يفاجؤون بعدم توفر وظائف بحجة عدم الحاجة لهذا التخصص أو ذاك. من الواضح أن التوجيه للتخصصات والدراسة في الجامعات من جهة والتخطيط للاستيعاب من جهة أخرى لا يرغبان في التقابل عند نقاط تقاطع تسمح بالتحاور البناء لفك الاختناق الحاصل بين التوظيف لمجرد التوظيف وبين التوظيف لتحقيق أقصى درجات الإنتاجية المثلى. محمد بن سعود الزويد/الرياض