منذ الإعلان عن فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ارئيل شارون بالانتخابات الداخلية التي أجريت في حزب الليكود وهناك حالة من التخبط التي تسيطر على الساحة الإسرائيلية خاصة مع تفشي حالة الرعب وسط الجماهير الإسرائيلية وهي الحالة التي تزايدت عقب العمليات التي يتعرض لها الإسرائيليون خارج وداخل إسرائيل. بالإضافة للمفاجآت السياسية التي تشهدها الساحة السياسية وتزيد من حالة التخبط وكان أبرزها صعود نجم عميرام متسناع ليتولى رئاسة العمل بالإضافة لاختفاء عدد من الأحزاب والقوى السياسية مثل حزب الوسط والطريق الثالث التي كانت في السابق من أهزم الأحزاب الإسرائيلية البارزة على الساحة. فعلى الجانب الأول لم يكن صعود عميرام متسناع إلى زعامة حزب العمل المفاجأة الوحيدة في خضم توجه الأحزاب الإسرائيلية لخوض الانتخابات «في أواخر يناير القادم»، فثمة مفاجآت أخرى تضجّ بها الحلبة السياسية الإسرائيلية على خلفية الحلبة السياسية وأزمات إسرائيل: الأمنية والسياسية والاقتصادية، الناجمة عن صمود الفلسطينيين و مقاومتهم العنيدة للاحتلال. من ناحيته، فقد جاء متسناع إلى زعامة حزب العمل وهو يعلن بأنه على استعداد لاستئناف عملية التسوية على أساس: أولاً، استئناف المفاوضات مع القيادة الفلسطينية ومن ضمنها الرئيس عرفات؛ ثانياً، التخلي عن مستوطنات قطاع غزة والانسحاب الفوري منه؛ ثالثاً، الانسحاب خلال سنة من معظم مناطق الضفة الغربية، باتفاق أو من دونه، بما في ذلك الانسحاب من الأحياء العربية في القدس؛ رابعاً، الاعتراف بالدولة الفلسطينية فور قيامها. وينبغي النظر إلى هذه المواقف ببالغ الأهمية كونها تأتي، بالضبط، في ظروف احتدام المواجهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولأنها تتجاوز المواقف التي تبناها حزب العمل طوال العامين الماضيين، المتمثلة برفضه استئناف التفاوض قبل وقف الانتفاضة، واتهامه للقيادة الفلسطينية بأنها رفضت العرض المغري حسب وصفه الذي قدمه لها باراك، والادعاء بأن الفلسطينيين لا يريدون تحقيق السلام ويفضلون الاتجاه للعنف لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية وهي المواقف التي دفعت الحزب للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة شارون الأمر الذي انعكس سلبياً في النهاية على حزب العمل أعرق الأحزاب الإسرائيلية وأقدمها على الإطلاق وأثرَّ على دعائم وأساسيات وحدته الداخلية ومكانته في المجتمع الإسرائيلي. واللافت هنا أن ناخبي حزب العمل اختاروا متسناع رئيساً لهم بناء على طرحه هذه الأفكار بالذات التي يرون فيها عودة لخط الحزب الذي أوشك أن يتحول إلى تابع لليكود طوال العامين الماضيين. وكان بنيامين بن اليعيزر زعيم حزب العمل ووزير الدفاع في حكومة شارون السابقة قد توصل إلى هذه الحقائق باعترافه صراحة في حوار له مع إذاعة صوت إسرائيل أخيراً أنه بعد مرور عامين من الصراع بات أكثر قناعة بأنه لا يوجد حل عسكري للصراع العربي الإسرائيلي إلا بالتفاوض مع الفلسطينيين والتعامل مع القيادة التي يختارونها من أجل ذلك حتى ان شمعون بيريس، وزير الخارجية في الحكومة السابقة أشار في حوار له مع التليفزيون الإسرائيلي أن ثمة درسين لا بد من استخلاصهما من تجربة المفاوضات السابقة، أولاهما أن الشروط المسبقة أمر لا معنى له.. وثانيهما أنه لا يمكن وضع نهاية للإرهاب دون تحديد أفق سياسي. وأضاف بيريس أنه من الصعب على أي قوة خارجية الإتيان بزعامة فلسطينية جديدة لا يريدها الفلسطينيون مشيراً الى ان ذلك لن يعود إلا بالسلب على الإسرائيليين وأمنهم. والغريب أن شارون ذاته غيَّر كثيراً من مواقفه فبعد أن كان يرفض صراحة فكرة إقامة الدولة الفلسطينية ويعلن على الملأ أنه يرغب في طرد الرئيس ياسر عرفات خارج الأراضي الفلسطينية إذا به يعتبر قيام الدولة الفلسطينية أمراً واقعاً ويجد نفسه مضطراً لمعارضة إبعاد الرئيس عرفات وحريصاً على الالتزام بالتعهدات التي قطعها للإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي. والملاحظ أيضاً أنه بات معتدلاً بل ومنتقداً لمنافسه بنيامين نتانياهو الذي أكد شارون أكثر من مرة أن تصريحاته المتعلقة بطرد عرفات والفلسطينيين تسيء لإسرائيل وصورتها أمام المجتمع الدولي. واللافت أن استطلاعات الرأي التي تجريها وسائل الإعلام والمؤسسات الإسرائيلية تؤكد أن الإسرائيليين باتوا أكثر قناعة بالتوصل لحل سياسي مع الفلسطينيين وهو ما أكده استطلاع للرأي أجرته صحيفة معاريف اليومية على 5000 إسرائيلي من مختلف الطبقات أن 60 65 بالمائة منهم يؤيدون تفكيك المستوطنات المعزولة والانسحاب من معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة وقيام دولة للفلسطينيين واللافت أن الاستطلاع شمل عددا كبيرا من أعضاء حزب الليكود نفسه. ويستنتج من ذلك أن الإسرائيليين معنيون بطريقة أو بأخرى بعملية التسوية بسبب الأزمات التي يعيشونها، في ظل الانتفاضة والمقاومة، التي تسببت بمصرع حوالي 700 من الإسرائيليين مع خسارة اقتصادية تقدر ب11 مليارا من الدولارات إضافة إلى تفاقم الشعور بانعدام الأمن وضعف الاستقرار السياسي. حتى ان هذا العدد من القتلى الإسرائيليين يقترب من عدد القتلى في جنوبلبنان التي شهد فيها الإسرائيليون العديد من المصاعب والأزمات التي أجبرتهم في النهاية على الانسحاب من لبنان. وهو ما يؤكد أن الأحوال والظروف الحالية أصبحت تجبر إسرائيل بقوة على إنهاء احتلالها للمناطق الفلسطينية والاعتراف بحقوق الفلسطينيين وأن الجماهير الإسرائيلية التي رفضت استمرار نتنياهو في الحكم بانتخابات وتصويتهم عام 1999م لصالح باراك الذي رفع شعار الانسحاب من طرف واحد من جنوبيلبنان والاستعداد لإنجاز تسوية مع السوريين والفلسطينيين، يمكنه أن يكرر ذلك في الانتخابات القادمة، بانتخاب متسناع بدلاً من شارون. ولا شك بأن ذلك التحول نحو هذا الخيار يعود إلى عدة عوامل أهمها الضغوط الدولية والاقليمية على إسرائيل وصمود الفلسطينيين واستمرار مقاومتهم للاحتلال. الرغبة في الانسحاب والواضح أن الرغبة في الانسحاب من المناطق الفلسطينية قد تزايدت بقوة داخل المجتمع الإسرائيلي بسبب تصاعد القتلى الإسرائيليين في المناطق الفلسطينية وتزايد الجدال الإسرائيلي في هذا الشأن. ولعل عملية الخليل، التي نفذتها الجهاد الإسلامي أخيراً وأدت إلى مصرع 12 عسكرياً ومستوطناً إسرائيلياً، خير مثال على ذلك إذ أطلقت هذه العملية نقاشاً حامياً في الساحة الإسرائيلية جرى فيه تحميل المستوطنين والحكومة التي تدعمهم مسؤولية القتلى الإسرائيليين وضرورة إخلاء المستوطنات بل ان هناك أصواتا من داخل إسرائيل رفضت وصف هذه العملية بالإرهاب، مطالبة بتسمية العملية باسمها: حرب عصابات. ولا شك بأنه يتوجب على الفلسطينيين انتهاج الوسائل الكفاحية المناسبة التي تساهم في تعميق وتوسيع مثل هذا النقاش وتمكينه من الوصول إلى نهاياته المناسبة، أولاً بكشف فشل وعنصرية شارون الذي يصف الانتفاضة بأنها إرهاب يستهدف وجود إسرائيل، لتغطية عدوانها على الفلسطينيين وتوحيد الإسرائيليين تحت رايته؛ وثانياً، بوضع الإسرائيليين وجها لوجه أمام لحظة الحقيقة التي تثبت لهم استحالة السيطرة على شعب آخر من دون ثمن يدفعونه.