تذهب علاقة المرأة بالمكان عميقاً لتصل إلى أعماق تركيبتها النفسية والجسمية، لتحولها إلى شجرة وارفة تضرب بجذورها لتشرئب ناشرة سر الحياة والخصوبة من حولها. ويندر أن تمر أنثى على مكان دون أن تترك فيه فعلاً جمالياً مبهجاً بطريقة أو أخرى، تنظف أركانه، تذر عليها بعضاً من رونق صباحاتها وبهجتها، تزركش زواياه، وتصقل المرايا لكي تبرق فوقها وجنات أطفالها، وتطرد عنه أشباح الكآبة والوحشة والغبار، لأن فطرتها الطبيعية جعلتها ربة الحقل وسلة المواسم. وهذه المقدمة المبهجة قد تتقاطع مع أوضاع مدارس البنات والمباني الخاصة لشؤون تعليم البنات، فتلك المباني المظلومة بقيت أسيرة قدر لم تستطع الفكاك منه على الرغم من كثرة الإمدادات التي توفر لكل مدرسة... لكن. هناك الكثير من العاملات بداخل المدرسة لكنهن لم يفرقن ولم تتضح لديهن الصورة بعد عن الفرق بين العمل و(الضمان الاجتماعي) وستنالنا دعوات الويل والثبور وعظائم الأمور أن تجاوزنا في طلباتنا، فهن مصابات بهشاشة العظام والضغط والسكر والاكتئاب والقلق ولا مجال في تجاوز حدود المسموح في الطلبات منهن. فإذا تجاوزنا البوابة الأولى سننتقل إلى شركات الصيانة حيث يأتي عامل وحيد لمبنى المدرسة ( هذا إذا حضر) ويقوم بمحاولات وجهود مشتتة لتنظيف عشرات الفصول والممرات والساحات، ثم تبقى الأمور كما هي عليه. وفي النهاية نصل إلى منسوبات هذا المكان حيث يتعاملن معه بشراسة وبلا مبالاة وتتبادل الطالبات مع مباني مدارسهن البغضاء، فالمكان شاحب وكئيب دون أشجار وظلال، فيقمن بدورهن بتدميره وإهداره وتلويثه. وهكذا كانت وما زالت مباني مدارس البنات أسيرة هذا القدر المثلث بدون فكاك... إلى أن اختارت احدى الطالبات ( بتول العنزي) من الثانوية (الخامسة عشرة) أن تكسر هذا الطوق الشرير وتعود إلى طبيعتها الأنثوية وبلمسات سحرية أحدثت ثورة أحضرت خرطوم مياه، وأودات ومحاليل تنظيف، وقامت هي وفتيات فصلها بكل ما يملكن من صبا وحيوية ونشاط بتنظيف وتلميع الفصل، وكأنهن يُزلن عن جسده سنين طويلة من العتم والكآبة، قالت بتول على استحياء: أحببت أن أرى منظر الشمس تبرق عبر زجاج النافذة النظيف. بتول اختيرت طالبة مثالية لذلك العام.. لم يكن يكفي هذا، هي بحاجة إلى تقدير أكبر، فقد كسرت قدر الكآبة الذي يحدث بمباني المدارس واستجابت لطبيعتها الأنثوية ونزعتها الجمالية وأعطتنا رسالة واضحة بأننا لا يجب أن نبقى في حالة انتظار دائمة للنجدة الخارجية، فأول الحلول يبدأ بنا أنفسنا، ولن يضير صبا وحيوية ونشاط الطالبات أن يكون هناك يوم يتحدين فيه الكآبة والظلمة وشياطين الغبار. e-mail:[email protected]