يروى ان رجلاً صادق فراشة وهي ما زالت مُحتضنة في شرنقتها وظل يترقب خروجها، وفي أحد الأيام بدأ يظهر ثقب في الشرنقة، فجلس الرجل يراقب الفراشة عن كثب وهي تحاول جاهدة الخروج إلى نور الحياة من ظلام شرنقتها ولكن وبعد انقضاء عدة ساعات بدا للرجل ان الفراشة لا تحرز تقدماً ولن تستطيع الخروج لذلك قرر ان يساعد الفراشة في الخروج من شرنقتها فأحضر مقصاً وقص الشرنقة فانبعثت الفراشة للدنيا ولكن بجسم متورم وأجنحة ذاوية ضامرة، وتوقع الرجل ان الأجنحة ستكبر مع الزمن لكن ذلك لم يحدث قط ،وعاشت الفراشة بقية حياتها تزحف بجسم ضخم وأجنحة ضامرة ولم تستطع أبداً الطيران فصديقها الرجل لم يع ان نضال الفراشة وصراعها للخروج من الفتحة الضيقة في شرنقتها كانا هما سنة الحياة في تكوين الفراشة على أحسن تقويم بدفع الماء في جسمها إلى أجنحتها أثناء الصراع من أجل نور الحرية لتكون قادرة على الطيران حال تحررها من عبودية الشرنقة.. وقد فعل الرئيس بوش الشيء ذاته مع السلطة الفلسطينية فغدا صديق الفراشة للسلطة وقص شرنقتها لاقصاء عرفات بعد كل جهود عرفات المضنية لبناء جبال التأييد مع شرطي العالم الجديد «أمريكا» وحلفائه بدءاً من مؤتمر مدريد ومروراً بمحطة أوسلو «التي وُلدت وبذرة موتها فيها» وحتى اللحظة الراهنة ولكن جبال التأييد كانت من الجليد وسرعان ما ذابت تحت وطأة حرارة تهمة الارهاب التي رسخها الصهاينة بماكينة إعلامهم الجبارة. استلت الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عصا آلتها العسكرية لترهب بها أعداءها ولتضرب بها أيضاً وبحجة الارهاب الكوني كل من تراه مسؤولاً عن الجريمة ويهدد مصالحها وأفرزت الأحداث خارطة تحالفات سياسية جديدة للعالم، فدول تجتمع لتنضوي تحت شعار مكافحة الإرهاب الكوني بقيادة شرطي العالم «أمريكا» ودول تنضوي تحت محاور شر ودول مارقة ملفاتها مازالت في البيت الأبيض قيد التداول. وكان في خطاب الرئيس الأمريكي بوش بمناسبة حفل تخرج «في حزيران 2002م» في كلية ويست بوينت العسكرية دلالة واضحة على توسيع صلاحيات والتزامات واشنطن الأمنية تجاه العالم فقد حدد دوراً للولايات المتحدةالأمريكية أقرب إلى عمل الشرطة بقوله «يجب على الولاياتالمتحدةالأمريكية الكشف عن الخلايا الارهابية في 60 دولة أو أكثر باستخدام أي وسيلة مالية أو استخباراتية أو أمنية» وعلق أيضاً قائلاً «كل الدول التي تلجأ للعدوان والارهاب ستدفع الثمن مؤكداً ان واشنطن لن تترك أمر سلامة الولاياتالمتحدة وسلام العالم تحت رحمة بضعة إرهابيين وحكام مستبدين». لقد خسر العرب حتى الآن معركة الميديا والإعلام مع الصهاينة الذين استطاعوا ان يجعلوا الولاياتالمتحدةالأمريكية ترصد الأحداث في فلسطين «بنار انتفاضتها المستعرة» بعدساتهم، وألبست السلطة الفلسطينية زي الإرهاب وهو زي مكروه يُحجر على صاحبه لذلك ورد في خطاب الرئيس بوش وهو يعرض التسوية النهائية «وأحياناً تكون التسوية أصعب الحلول» ان قوى التطرف والارهاب تحاول قتل التقدم والسلام بقتل الأبرياء وقال «يستحيل ان يعيش المواطنون الإسرائيليون في رعب ويستحيل ان يعيش الفلسطينيون في فساد سياسي واحتلال» وذكر الرئيس بوش ان الضحايا للارهابيين هم الإسرائيليون وستظل إسرائيل تدافع عن نفسها وسيزداد وضع الفلسطينيين بؤساً وأما ما تم رصده من ايجابيات مجردة في الخطاب المذكور الإشارة الأمريكية بشكل واضح عن انهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1967م من خلال تسوية يتم التفاوض عليها بين الأطراف على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 والإشارة أيضاً إلى حسم القضايا المتعلقة بالقدس ومحنة اللاجئين الفلسطينيين لاحقاً والإشارة أيضاً في الرؤية لقيام دولة فلسطينية لأول مرة حتى ولو كانت انتقالية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل في سلام وأمن وشرط ذلك مكافحة الأطراف للارهاب، لقد آثر الرئيس الأمريكي جورج بوش الانضمام لحزب الليكود كي يضمن كرسي الرئاسة لفترة ثانية وحتى لو كان الثمن المطلوب دفعه هو كرسي عرفات للسلطة ووضع الفلسطينيون في زنزانة الإرهاب وتم دمغ قياداتهم بدمغة الارهاب الجديدة من واشنطن والحل الآن يكمن في اجهاض السلطة الفلسطينية والخوض في غمار تشكيل شرنقة الدولة الجديدة بمؤسسات سياسية واقتصادية تعتمد على الديمقراطية واقتصاديات السوق والتحرك لمكافحة الارهاب، لم يُنصف الفلسطينيين حقهم في قضيتهم التي رفعوها للبيت الأبيض فتاهت بين دهاليز السياسة الأمريكية واروقة اللوبي الصهيوني المتحكم بمفاصل القرار فيها فصفحة الفلسطينيين سوداء ملطخة بالارهاب وقتل الأبرياء من المدنيين وهذا هو الخطأ القاتل، الذي استغله الصهاينة بربطه بأحداث الثلاثاء الأسود وتسييس قضية احتلالهم ليرسم البلدوزر شارون بريشته المضرجة بدم الأبرياء من الفلسطينيين أطفالاً وفتياناً ملاحم معاناة واضطهاد شعبه من الارهاب، وضاع عرفات بين أروقة السياسة الداخلية والخارجية لسلطته في ضرورة اعتماده للكود العربي «الذي فصل مساره عنه منذ اتفاقيات اوسلو» أو الكود الأمريكي أو الكود الإسرائيلي، وحسب ما يعتقد ستيفن كوهين «الخبير في شؤون الشرق الأوسط» «لقد غرق عرفات في أوهام اللحظة وفشل في التفريق بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي» واستناداً لمبدأ العصا والجزرة قدم الخطاب مطالب واشتراطات للسلطة الفلسطينية من أجل قيام دولة فلسطينية انتقالية ولكنه في الجانب الآخر قدم التزاماً أمريكياً قوياً بقيام هذه الدولة ودعمها اقتصادياً. إن وجهة نظر الرئيس بوش في استبدال عرفات هي لإعادة اعتماد الفلسطينيين كشريك لإسرائيل في الحل القائم على إنشاء دولتين وقد ذهب الرئيس بوش لأبعد من ذلك في التشنج الواضح في موقفه في قمة الثماني الكبار التي عقدت في «كاناناسكيس» في كندا عندما أعلن تمسكه بتغيير القيادة الفلسطينيية حتى ولو أعيد انتخابها وإنما وصل التهديد لاستخدام الخيار العسكري ما لم يتم تحقيق ما يصبو إليه شارون نفسه الذي ينتظر الضوء الأخضر لتصفية عدوه اللدود عرفات.. ويتغاضى الرئيس الأمريكي عن حقيقة ان الفلسطينيين أيضاً بحاجة لإعادة اعتمادهم للإسرائيليين كشريك في السلام والأمن وهذا ضرب من المُحال تحت حكم شارون بعد ان ذاق منه الفلسطينيون الأمرين وشربوا معه من كأس اليأس حتى وجدنا الأم تودع فلذة كبدها وهو ذاهب لتنفيذ عملية استشهادية وتجد الأطفال والفتيات قد دخلوا دوامة الصراع وفي أتون العنف المستعر يكتوون. استندت الرؤية الأمريكية لعجلة السلام في الشرق الأوسط على تغيير إحدى عجلاتها ويلوح في الأفق ان الدور آت على العجلات الأخرى وهذا ما ورد في خطاب بوش عندما قال «قلت في الماضي ان الدول إما ان تكون معنا أو علينا في حربنا ضد الإرهاب ولكي تكون الدول مع السلام عليها ان تحارب إلى جانب السلام وعليها التحرك، وكل زعيم ملتزم فعلياً بالسلام ويجب ان ينهي التحريض على العنف في وسائل الإعلام الرسمي ويدين التفجيرات القاتلة وكل دولة ملتزمة فعلياً بالسلام يجب عليها توقف التدفق للأموال والمعدات وعمليات التجنيد في الجماعات الساعية لتدمير إسرائيل بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله». لكي يتحقق السلام لا بد ان يكون عادلاً وشاملاً ولن يتحقق ذلك إلا بعد نزع فتيل الصراع الذي يمتد لردح طويل من الزمن والذي تغذيه الأحقاد والعداوات ويوم نرى فقط الطفل الفلسطيني يرمي الحجر من يده ويعود لساحات اللعب مع الطفل الإسرائيلي يمكننا القول ان السلام والعدالة قد حلت ونتمنى لو تكون قضية السفاح شارون أول قضية تُرفع في محكمة الجزاءات الدولية التي افتتحت في الأول من تموز في لاهاي هولندا وذلك لفتح صفحة جديدة في تاريخ العدالة العالمية المتشحة بالسواد.