إن المتأمل لأوضاعنا الاجتماعية، وعلاقاتنا الشخصية، في معظم الأحوال يدرك أن العلاقات الأسرية، ووشائج القربى وروابط الأقرباء تسير من سيىء الى أسوأ.. وأصبح الكبار، والصغار، والنساء، والفتيات يميلون الى تكوين العلاقات الشخصية القوية مع الأصدقاء على حساب الأقرباء!! تجد الرجل أو الشاب لا يلتقي أقاربه، إخوانه وأخواته، وأعمامه، أخواله، وأنسابه إلا في المناسبات مثل الاستراحات الشهرية، أو الزواجات، أو العزاء ونحو ذلك.. هذا إذا كان هناك لقاءات أصلاً. وإذا حدثت هذه اللقاءات تجد الإنسان لدينا يتململ من جلسة أقربائه ويلحّ في المسارعة بتناول الغداء أو العشاء، لأنه مرتّب لقاء مع أصدقائه الى تباشير الفجر الأولى.. على الرغم من كثرة لقاءاته مع أصدقائه.. وأدمن عالم الأصدقاء، تليفونات ولقاءات، وسفر وود، و«أخذ راحة معهم» على حساب الأقرباء.. مع الأسف تجد الإنسان فينا مكتئباً عند أقاربه «كأنه مغصوب على الجيّة» بينما عند الأصدقاء «يفلّها» على ما يقولون. وهذه ظاهرة غير طيِّبة. فصلة الأرحام، والأقارب والإخوة والأخوات مسألة ليست خاضعة لمدى الانسجام من عدمه، فهي مسألة دينية بالدرجة الأولى يحضنا عليها ديننا، وعاداتنا، وتقاليدنا الجميلة فهؤلاء أقارب ليس من السهولة بمكان أن يتناساهم الإنسان أو يخاصمهم، أو يجافيهم، فهو لا بد في يوم ما عائد إليهم والعقلاء وحدهم يدركون أهمية المحافظة على علاقات الأقارب ذلك أنهم خط الدفاع الأول في حياة الإنسان في حياته ومماته وهم «العزوة» إذا ألمت مصيبة بالإنسان أو احتاج إذا قدر الله أو تعرض لأمرٍ من أمور الدنيا فليس له سوى أقاربه الذين قرَّبهم الله إليه. وفي زحام هذه الحياة وضجيجها ينسى الإنسان أقاربه ويهب الحب، والوقت والاهتمام والأنس للأصدقاء مع عدم اعتراضي على ذلك على حساب ذوي القربى. أعلم أن المدنيّة بدءاً بالغرب الأوروبي وانتهاء بأمريكا تجعل من الصديق محور الحياة ودعامتها.. لكن هذا لا يتناسب مع إسلامنا وشرقيتنا، وقيمنا ومبادئنا. لي صديق مضى فترة طويلة في علاقته معي لم ألحظ أنه يهتم بأقربائه، لا بذكرهم أو عزيمتهم أو زيارتهم وسألته أين أقاربك «وهو بالمناسبة ولد حمولة» لا أراهم لديك ولا أسمع أخبارهم منك، فأشار بأنه يفضّل الأصدقاء لأنه هو الذي اختارهم بينما الأقارب فُرِضُوا عليه، وما علم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي جعل هؤلاء الناس أقرب الناس إليه، بل إنني ألحظ الكثير من الشباب «التكنوقراط» يتبرّمون من أقاربهم وتفكيرهم وطريقة حياتهم، ويعتبرون هذا نوعاً من التطور والتقدم.. ذلك أن أقرباءه لا يستطيعون فهم أفكاره وشطحاته و«نزواته»، مع أن هؤلاء الأقارب أول من يقف معه إذا تعرَّض لمرض أو لخسارة مادية أو لسجن أو تهديد أيّاً كان مصدره.. الدم لا يصبح ماء كما يقولون وما أسرع ما يهرب الكثير من الأصدقاء في المواقف الحالكة. الأقرباء قوة بعد الله للإنسان لا يجب التفريط فيها أو التقليل من شأنها يقول الشاعر: دعاني أخي والخيل بيني وبينه فلما دعاني لم يجدني بقعدد ولست من القائلين بعدم أهمية الصداقة أو أنني أقلّل من أمرها.. المتنبي يقول: شر البلاد مكان لا صديق به وشر ما يكسب الإنسان ما يصم الصداقة مهمة ومطلوبة لكن ليست على حساب الأقرباء والأهل والأسرة والعائلة.. الأقرباء هم الذين يجدهم الإنسان إذا ضاقت به الدنيا.. والله المستعان. [email protected]