الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    أمير حائل يدشّن عددًا من الحدائق الجديدة بالمنطقة .    المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة    البرازيل تمدد محادثاتها بشأن قضايا خلافية في قمة المناخ    المنتخبات السعودية ترفع رصيدها إلى 22 ميدالية في دورة ألعاب التضامن الإسلامي    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    تراجع أسعار الذهب 0.1 %    عقد شراكة بين فرع الهلال الأحمر السعودي وبيت الثقافة بمنطقة نجران    المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة    تحذير فلسطيني من تهجير قسري في قلنديا ينتهك القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف    ورشة استراتيجية مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة 2026–2030    الرياض تحتفي بانطلاق البطولة العربية للجولف للرجال والرواد    كريستيانو رونالدو: المونديال القادم هو الأخير لي    رئيس برشلونة ينفي تقارير عودة ميسي    صندوق الفعاليات الاستثماري يعزز قطاعات الرياضة والثقافة والسياحة والترفيه في المملكة    100 ألف وظيفة تستحدثها بوابة الاستثمار في المدن    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    «أفواج جازان» تقبض على مخالفَيْن لنظام أمن الحدود    ستة معايير سعودية تقود عملية تطوير مؤسسات التعليم العالي عربيًا    152 رحلة عبر تطبيقات نقل الركاب في كل دقيقة    ذاكرة الحرمين    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    الصادرات السعودية في معرض جاكرتا    وزير الخارجية يستعرض مع نظرائه الأمريكي والهندي والألماني المستجدات    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    في الميركاتو الشتوي المقبل.. الأهلي يخطط لضم الألماني«ساني»    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء اليوم    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    نوّه بدعم القيادة لتمكين الاستثمارات.. أمير الشرقية يدشن أكبر مصنع لأغشية تحلية المياه    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    نفذتها "أشرقت" بمؤتمر الحج.. وكيل وزارة الحج يدشن مبادرة تمكين العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    القيادة تعزي الرئيس التركي    تعزيز التعاون الإعلامي بين كدانة وهيئة الصحفيين بمكة    فرحة الإنجاز التي لا تخبو    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية كندا يستعرضان العلاقات وسبل تعزيزها    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    "تنظيم الإعلام" تقدم مبادرة "التصريح الإعلامي المبكر" ضمن مشاركتها في مؤتمر ومعرض الحج    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    وزيرا الثقافة والتعليم يدشنان أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء بجميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    وزير الصحة السعودي: الاستطاعة الصحية شرط الحصول على تأشيرة الحج    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    علاج جيني واحد يخفض الكوليسترول    أقراص تطيل العمر 150 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد بن سعد الشويعر
تنشئة الفتاة المسلمة 12
نشر في الجزيرة يوم 08 - 03 - 2002

هذا العنوان جزء من اسم كتاب، أصدره المنتدى الاسلامي في جزءين، وهو أيضا في أصله رسالة علمية للماجستير، من إعداد الطالبة: حنان عطية الطوري الجهني، في كلية التربية للبنات بالرياض: الأقسام الأدبية، قسم التربية وعلم النفس.
وقد جاء في المدخل، قبل المقدمة، توضيح بأن: هذه الطالبة نالت ببحثها هذا درجة الماجستير، بتقدير ممتاز، مع التوصية بالنشر، سنة 1419ه 1998م.
لقد اعتاد المنتدى على اصدار سلسلة من الكتب، بين الفينة والفينة، تحت مسمى كتاب المنتدى، ويأتي هذا مساهمة في نشر المعرفة، وتشجيع المؤلفين، فكان من حسن الاختيار أن يكون هذا الكتاب واسمه بالكامل: الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، في مرحلة المراهقة، الذي خرج في جزءين، وبين يدينا الجزء الثاني..
كان هذا الاختيار موفقا، لأهمية هذا الموضوع، ولما يؤمل فيه من الفائدة، حيث إن فترة المراهقة، فترة تتحول فيها النفوس، للذكور والإناث من حالة إلى حالة، وتتغير الطباع، وفق ما يطرأ على الجسم، من تحولات «فسيولوجية» وتأثيرات نفسية، تحتاج الى رعاية ومراقبة، خاصة وان الثقافات أتت من كل حدب وصوب، وغزا الغث قبل السمين: المخدرات في قعر دورهن، في ثقافة موجهة، وغزو متعمد، وفق الاتصالات الحديثة التي لا يحجبها حاجب، ولا يقف دون تغلغلها مانع.. اللهم إلا الحصانة الايمانية، والتمكن الديني..
وهذا الحاجز لئن كان متيسراً لدى من نضجت عقولهم من الشباب: ذكوراً وإناثاً، ووجهوا توجيهاً سليماً، فإن المراهقين والمراهقات، يحبُّون التطلع لكل ما فيه تجديد بالنسبة لهم، واستكشاف ما يراد تستيره عنهم، رغبة في حمايتهم، ولكنهم بحب الاستطاع، ينساقون مع قول الشاعر:
مُنِعْتُ شيئاً فأكثرت الولوع به
أحبُّ شيءٍ إلى الإنسان ما مُنعا
فقد كثرت مصادر الثقافة الوافدة من كل جهة، ما بين مسموع ومقروء ومرئي، ولا حاجب لذلك الكم الوافد، فكان لزاما على العارفين المدركين، أن يجندوا الطاقات، ولا يغفلوا عن ملذات أكبادهم، بحسن التوجيه والرعاية، وإعانتهم على حسن الاختيار: علماً وأدباً، بالارشاد والنصح.
وهذا الكتاب رافد من قنوات التوجيه والتعليم، ومواده التي طرحتها المؤلفة معينة على تخطي الصعاب، في تنشئة الأبناء والبنات، في سن النضج والتفتح، لترتكز حياتهم المستقبلية، على أسس متينة من الوعي والادراك، بما يحرص عليه الوالدان من تنشئة صالحة، وتأديب حسن، وبما تعين عليه المدرسة، من متابعة واهتمام.. لأن العقول في هذه المرحلة كالأغصان، تقوّم حسب ما يريد الانسان، ما دامت غضة وطرية، فإن أهملت وتركت حتى كبر عودها، وتغضن جانبها، بأن صارت خشباً، فإنه يستعصي تقويمها وتكييفها..
وهذا ما يجب أن يدركه الأبوان والمربون، نحو الشباب في سن النضج والتفتح، حيث يطلق على هذه المرحلة سن «المراهقة».. التي يحصل فيها تغيّر كامل في حياة الشباب من الجنسين، مع نشاط غدد الجسم وبدء النضج العقلي، والتفتح المعرفي.
وما سوف نعرضه عن هذا الكتاب، ما هو إلا الجزء الثاني منه، كما هو موضح بطرّة الكتاب، حيث لم يقع بين أيدينا الجزء الأول..
هذا الجزء الذي يقع في 370 صفحة من القطع المتوسط، مع الفهرس، وثبت المصادر، التي بلغت 287 مصدراً ومرجعاً.. وقد جعلت الكاتبة هذا الجزء في أربعة فصول.. في كل فصل مبحثان، ولكل بحث تمهيد، عدا الفصل الثاني فلم يقسم لمباحث، وإنما جاء له تمهيد.. ثم نتائج البحث وتوصياته.. وكأن ذلك الخاتمة، ويسبق ذلك مقدمة عن المراهقة.. شملت ثلاث نقاط هي:
تحديات مرحلة المراهقة.. والمراهقة في اللغة.. والمراهقة في الاصطلاح.
ولما كان البحث منصبًّا على تنشئة الفتاة المسلمة تنشئة صالحة، واعانتها في تخطي صعاب المراهقة، وما تمرُّ به الفتاة في هذه المرحلة، فقد اهتمت الباحثة في المقدمة بهذا الجانب تعريفا وتوضيحا، حتى يكون ذلك مدخلا معينا على ادراك الدور الذي يجب على الوالدين، ان يسيرا فيه، في تنشئة الفتيات، ورعايتهن في هذه المرحلة، حتى يفهمن الأساليب الحسنة، المعينة على تجاوز العقبات فيها.
فعرّفت المراهقة بأنها: مرحلة انتقال جسمي وانفعالي واجتماعي بين مرحلة الطفولة الساذجة الوادعة، ومرحلة الشباب أول مراحل الرشد، والنضوج والتكامل الانساني.. وفي تكوين شخصيته، لما يصاحبها من تغيرات عظيمة لها آثارها في مختلف مستويات الحياة..
وقد جعلت فترة المراهقة تعليمياً: تقابل المرحلتين المتوسطة والثانوية.. وكأنها تحددها بالعمر الزمني ما بين 1318 على اعتبار السن المحددة لدخول المرحلة الابتدائية بعدتجاوز السادسة من العمر.
فالمراهقة مرحلة معقدة نسبيا، وترتبط ارتباطا وثيقا بالوضع الحضاري السائد في المجتمع الذي ينتمي اليه المراهق. وعليه تتخذ المراهقة صوراً وأنماطاً متعددة، من بلد لآخر، وفق الثقافات الموجودة، والعادات المتبعة، هذا بالاضافة الى الاختلافات الفردية بين المراهقين في البلد الواحد، ذوي الثقافة الواحدة، والعادات المشتركة.. وليتها قارنت ذلك بحالة المراهقة في بلادنا بين وضع ووضع، ففي الوقت الحاضر حيث الوضح المدني، وتوسع الرزق لدى بعض الناس، وخاصة المدن الكبيرة، وتيسير أسباب الرفاهية والمغريات للمراهقين والمراهقات، كانت المراهقة تشكل عبئاً ثقيلاً على الوالدين والمدرسة، بينما وضعنا السابق في مجتمعنا الصغير، ومع انشغال الصغار: بنين وبنات مع أهاليهم في الأعمال المتنوعة، من أجل لقمة العيش، لم يكن للمراهقة ذكر في حياتهم، وان حصلت شطحات من المراهقين، فهي من القلة، بحيث ان الفرد العادي يستنكرها، ويحرص على التنبيه عليها، وتأديب المراهق والمراهقة: الرجال للأولاد، والنساء مع البنات، قبل أن يصل الأمر للوالدين، لأن المجتمع متماسك ومترابط، ولا يتأثر الفرد، ممن يلفت نظر أولاده، ويساعد في نصحهم، بعكس من يلاحظ الآن، حيث يعتبر بعض الوالدين، هذا الأمر من التدخل في شؤونهم الخاصة، وقد يصل الأمر الى الشجار.
وما ذلك إلا أن مراهقة هذا العصر، مع المغريات والمسببات، وتأثير وسائل الاعلام، مهمة جداً بالرعاية وحسن التوجيه، فمن ا ستقام منذ الصغر، يندر انحرافه، ومن انحرف ولم يُقَوَّم في هذه السن، فإن علاجه وتقويمه يشقُّ ويتكبد آثاره الوالدان والمجتمع.. كما قال الشاعر:
إن الغصون إذا عدّلتها اعتدلت
ولا تلين إذا كانت من الخشب
وقد جعلت ثلاثة تحديات، تواجه الوالدين في هذه المرحلة: الأول: يتمثل في خصائص فترة المراهقة، وقوة غرائزها واندفاعها. الثاني: ما يبذله أعداء الدين لابعاد المراهقين عن الدين بالتشويق وخبراتهم في التأثير على العقول. الثالث: التقدم الهائل في وسائل الاتصال والاعلام والنشر، مما يتعذر معه إقامة الحواجز أمام الغزو المسلط نحو المراهقين.
وفي المبحث الأول: خصص للتنشئة الروحية والجسمية، كان التمهيد يتركز على الدور التربوي للوالدين في التنشئة الروحية للمراهقة وفق ستة عناصر هي:
1 مساعدة الفتاة على تزكية نفسها، وتطهيرها من النيات السيئة والنفاق، مع متابعة تحذيرها من العمل المجرد من النية الصالحة، وتقوية المراقبة لله عقيدة، والخشية منه سبحانه في نفسها.
2 تعميق روح الجهاد في نفسية المراهقة.. ولعلها تريد مجاهدة النفس، وإلا فإن النساء لا جهاد عليهن، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«النساء عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة».
3 متابعة دعوة الفتاة الى توثيق صلتها بمصدر القوة، والايمان بالله سبحانه وتعالى، عن طريق الاهتمام بعبادته بالفرائض والنوافل، وفق شرع الله، مع مساعدتها على ادراك روح العبادات المختلفة.
4 التأكيد على جوانب العقيدة المؤثرة في روح الفتاة. ولعلها تعنى العقيدة بوحدانية الله ومراقبته في السر والعلن، وهذا هو الاحسان الذي جاء في تعريفه كما في حديث جبريل عليه السلام:«أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
5 تربية الفتاة روحياً عن طريق ربطها بأركان الايمان الأساسية. ولو زادت فيها: مع الحرص على تطبيق أركان الاعلام، وتفهيمها مدلولها، وأثرها النفسي والاجتماعي، خاصة وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال:«مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع»، ويقول لبلال عندما يحزبه أمر:«يا بلال أرحنا بالصلاة».
6 تربية الفتاة روحيا، عن طريق دعوتها، الى حماية الضروريات الخمس وحفظها.«ص15».
وقد سارت في التنشئة الروحية، ودور الوالدين مع المراهقة في ذلك، وتوسعت فيه من «ص1868»، حيث حرصت الباحثة على أن تفصِّل في العناصر الستة «ص1858»، وزادت عليها خمسة وهي:
7 الاستغلال الحسن من قبل الوالدين، لما لدى المراهقة من قابلية شديدة للاستهواء، وصيانتها عن قذارة الجاهلية، وتوعيتها بمكر الأعداء، وبما يحوكونه حولها.«ص5862».
8 تنمية شعور الحاجة المستمرة الى الله، لدى المراهقة «6263». وهذا العنصر في نظري داخل في فهم العناصر الستة السابقة وخاصة في 3، 4.
9 توضيح السعادة الحقيقية للمراهقة «ص6366» وهذا العنصر أيضا في نظري، داخل في مفهوم، ما تحدثت عنه في رقم 4، 5، لأن السعادة الحقيقية تنشأ من مفهوم العبادات، وحسن أدائها، حيث يجد المطبق لذة الايمان، وحلاوة طعمه، في روحانية مقرها الوجدان، لا يعدلها لذة.
10 أما عاشراً: دعوة الفتاة الى مجاهدة نفسها باستمرار «6667»، فهذا داخل في رقم 2 الذي يتضمن تعميق روح الجهاد في نفسية المراهقة «2328».
11 ومثل ذلك الحادي عشر: دعوة الفتاة الى محاسبة نفسها «6768»، فهذا الأمر لا يبتعد عن دلالة رقم 1، وهو مساعدة الفتاة على تزكية نفسها، وتطهيرها من النيَّات السيئة والنفاق، مع متابعة تحذيرها من العمل المجرد من النيَّة الصالحة، المراقبة لله عقيدة، والخشية منه سبحانه في نفسها «1822».
ولاشك أن هذا المبحث غنيٌّ بالأمور المهمة في حياة الفتاة المسلمة، التي من الواجب تحصينها بسلاح الدين القوي، بشعبه الثلاث: الاسلام والايمان والاحسان وأركان كل منهم، وتعميق الفهم في ذهن المراهقة التي هي في أمسِّ الحاجة الى تركيز الأسس المتينة عندها، تعينها في ادراك مهمتها في الحياة، وما حرص دين الاسلام على تمكينه من أثر في حياة النفس والمجتمع، من التحديات المراد منها زعزعة العقيدة من قلوب ناشئة المسلمين، حتى يسهل هدم بنيان هذا الدين، ونقضه عروة عروة.
ولذا كان أول تعليم من جبريل عليه السلام، جاء به في صورة دحية الكلبيّ، وجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأله عن هذه الشعب الثلاث: الاسلام والايمان والاحسان، وكلما أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صدقت.. كما جاء في هذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فلما ذهب قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لأصحابه:«أتعلمون من السائل؟. قالوا: لا. قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم»..
وقد حرصت الباحثة وفقها الله، الى أن يكون تعليم الأمور المهمة، التي يجب أن تتسلح بها الفتاة، ضد التيارات الموجهة لشباب المسلمين خاصة، مستقاة من هذا الدرس الأول لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أحسنت في هذا التنبيه على العناصر التي طرحتها، وما رافقها من نماذج سارت عليها نساء الصفوة من هذه الأمة، في الفهم والتطبيق.
ذلك أن المغريات والتحديات، التي تمر بالمراهقات، والثقافات الموجهة، إذا لم تتحصن الفتاة ضدها، ولم تفهم أضرارها ومقاصد من وراءها، قبل أن تصطدم بها، فإنها قد تقع فيها: إما حباً في كل شيء جديد، أو تقليداً لمن لم ينبه لها، وإما ترغيباً فيها لما وراءها من شهوات.. وكل ممنوع متبوع..
وقد كان حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه يقول: كان الناس يتعلمون الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة الوقوع فيه، والفتاة إذا حرص عليها الأبوان تعليماً وتوجيهاً، وتعبئة ذهنها الفارغ بالشيء النافع، فإن الضارّ لا يجد له مكاناً في ذهنها، حيث يزحزح الأقوى، وهو السابق بالتوعية من الأبوين، بهذه المفاهيم التي تطرقت إليها الباحثة، الدخيل الموجه وهو الضار.. لأن البقاء للأصلح، والشيء المحبب للنفوس، ويحارب الشهوات والمغريات، هو ما نمُي منذ الصغر، وهو ما حرصت عليه الباحثة، في عرضها للمبحث الأول: عن التنشئة الروحية.. وقد أحسنت في عرض العناصر المعينة على ترسيخ التنشئة الروحية للمراهقة، برعايتها منذ تفتح ذهنها على المعرفة، وحسن التربية من الأبوين لها.. فكان عرضا موفقاً، وإن حرصت فيه على عدم الاطالة، فقد يكون لذلك أمكن.. ثم دخلت الباحثة في المبحث الثاني وهو التنشئة الجسمية.
للحديث صلة..
فراسة عضد الدولة
اشتهر أمراء المسلمين وقضاتهم، بإقامة العدل في مجالسهم، وبالانصاف في أحكامهم لا يفرقون بين الغني والفقير، أو العظيم والحقير، واشتهر كثير منهم بالعقل، والفراسة والفطنة.. وعضد الدولة نموذج من نماذجهم، وقد جاء في قصص العرب عنه ما يلي كما ذكر التّنوخي:
مرّ رجل ببغداد في طريقه الى الحج، وكان معه عقد يساوي ألف دينار، فاجتهد في بيعه فلم يتيسر، فجاء الى عطّار ذكر له بالخير والأمانة، فأودعه إيّاه، ثم حج ولما عاد أتاه بهدية، فقال له العطار: من أنت؟ وما هذا؟. فقال: أنا صاحب العقد، الذي أودعتك إياه، فما كلمه حتى انتهره، ورفسه رفسة، رماه بها عن دكانه وقال: كيف تدّعي عليَّ بمثل هذه الدعوى؟ فاجتمع الناس وقالوا: ويلك، هذا رجل خير، وما وجدت من تدَّعي عليه إلا هذا؟. فتحيّر الرجل وتردد إليه، فما زاده ذلك إلا شتماً وضرباً، فقيل له: لو ذهبت الى عضد الدولة فله في مثل هذه الأشياء فراسة.
فكتب قصته ورفعها الى عضد الدولة، فصاح به الحاجب، فجاء وجلس بين يدي عضد الدولة فسأله عن حاله، فأخبره بالقصة فقال: اذهب الى العطار غداً، واقعد على دكَّته، فإن منعك فاقعد في دكة تقابله من بكرة الى المغرب. ولا تكلِّمه، وافعل هذا ثلاثة أيام، فإني سأمرُّ عليك في اليوم الرابع، وأقف وأسلم عليك، فلا تزدني على رد السلام، وجواب ما أسألك عنه، فإذا انصرفت فأعد عليه ذكر العقد، ثم أعلمني ما يقول لك، فإن أعطاكه فجئ به إليَّ.
فجاء إلى دكان العطار ليجلس فمنعه، فجلس على دكة تقابله ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الرابع، اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم، فلما رأى الرجل وقف وقال: سلام عليكم. فقال الرجل ولم يتحرك: وعليكم السلام. فقال عضد الدولة: يا أخي تقدم فلا تأتي إلينا، ولا تعرض حوائجك علينا؟ فردَّ عليه بما اتفقا عليه. ولم يشبِّعه الكلام.
وعضد الدولة يسأله ويلحُّ في السؤال، وقد وقف، ووقف العسكر كله، والعطار مع هذا الموقف قد كاد يُغمى عليه من الخوف.
فلما انصرف عضد الدولة، التفت العطار الى الرجل، وقال له: ويحك متى أودعتني هذا العقد؟. وفي أي شيء كان ملفوفاً؟. فذكِّرني لعلِّي أذكره.. فبدأ الرجل يصفه له، ويقول: من صفته كذا وكذا، فقام العطار: وبدأ يفتش يمينا وشمالا في دكانه، ونفض جرّة كانت عنده، فوقع العقد منها.. فقال للرجل: هل هذا عقدك، فقد نسيت، ولو لم تذكر فيما ذكرت، فأخذ الرجل العقد، وذهب به الى عضد الدولة فأعلمه، فبعث به مع الحاجب الى دكان العطار، فعلّق العقد في عنقه، ونودى عليه: هذا جزاء من استودع شيئا فجحده.. فلما طاف به الحاجب، وذهب النهار، أخذ العقد من عنق العطار، وسلّمه الى الرجل، وقال له: اذهب به إلى أهلك بارك الله لك فيه.. (بتصرُّف).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.