برعاية أمير جازان.. ورشة تنفيذية للصحة تستعرض مشروعات 2026    الاتحاد الدولي للصحافة يعتمد كتاب صحافي سعودي كمنهج لتدريب الصحافيين الاقتصاديين    الذهب يتجاوز 4200 دولار وسط مخاوف الديون الأمريكية وخفض "الفائدة"    وفد سعودي يشارك في تمرين إيطالي لمحاكاة مخاطر البراكين ويبحث تعزيز التعاون في الحماية المدنية    تجمع الرياض الصحي الأول يحتفي باليوم العالمي للجودة ويستعرض منجزاته في تحسين الرعاية وسلامة المرضى    اليماحي يثمن الدور الرائد لدول الخليج في تعزيز مسيرة العمل العربي المشترك والدفاع عن القضايا العربية    وزارة الداخلية تحصل على جائزة أفضل جناح وتفاعل ومشاركة في مؤتمر ومعرض الحج 2025    سوق الموسم ينطلق من منطقة الطوالع التاريخية ب "النجناج"    مدة غياب بونو وكوليبالي عن الهلال    مفتي عام المملكة يستقبل وزير العدل    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية فرنسا لدى المملكة    خوارزميات الإنسان    هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة من يوم غدٍ الجمعة حتى الاثنين المقبل    خبراء: السجائر الإلكترونية تقوض حقوق الأطفال الإنسانية    توازن كيميائي يقود إلى الرفاه الإنساني    غرفة القصيم توقع تفاهمًا مع الحياة الفطرية    منسوبو وطلاب مدارس تعليم جازان يؤدّون صلاة الاستسقاء    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    نجاح فصل التوأم الملتصق الجامايكي «أزاريا وأزورا» بالرياض    محافظ صبيا يؤدي صلاة الاستسقاء تأسياً بسنة النبي واستجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين    التضخم في السعودية يبلغ 2.2% في شهر أكتوبر 2025    أمير القصيم يؤدي مع جموع المصلين صلاة الاستسقاء في جامع الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز ببريدة    تقني الشرقية تختتم "راتك 2025"    شراكة مجتمعية بين ابتدائية قبيبان وجمعية «زهرة» للتوعية بسرطان الثدي    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    مصرية حامل ب9 أجنة    الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    أمير حائل يدشّن عددًا من الحدائق الجديدة بالمنطقة .    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    تحذير فلسطيني من تهجير قسري في قلنديا ينتهك القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف    المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة    عقد شراكة بين فرع الهلال الأحمر السعودي وبيت الثقافة بمنطقة نجران    أمانة نجران تطلق حملة موسم التشجير لعام 1447    ورشة استراتيجية مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة 2026–2030    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    الرياض تحتفي بانطلاق البطولة العربية للجولف للرجال والرواد    كريستيانو رونالدو: المونديال القادم هو الأخير لي    رئيس برشلونة ينفي تقارير عودة ميسي    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    ذاكرة الحرمين    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    في الميركاتو الشتوي المقبل.. الأهلي يخطط لضم الألماني«ساني»    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    تصفيات مونديال 2026.. فرنسا وإسبانيا والبرتغال لحسم التأهل.. ومهمة صعبة لإيطاليا    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    النويحل يحتفل بزواج عمر    السعودية تقود اعتماد أول مواصفة عالمية للتمور    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التزامنية بين المتلازمة والاعتياد

تمثل أطروحة التزامنية Synaesthesia، وترجمتها الحرفية (ترافق الحواس)، فكرة استخدام حاسة بدلاً من حاسة أخرى وفي الواقعية الأدبية، تمثل أسلوبًا بلاغيًا يعرف بتراسل الحواس). ولقد انقسم المشتغلون على فكرة التزامنية لفريقين. ففريق هم من المهتمين بعلم الإدراك والبحث الدماغي، وهؤلاء يميلون للاعتقاد بأن «التزامنية»، ما هي إلا حالة مرضية تنشأ جراء تداخل إشارات في الدماغ بشكل عرضي، ويشيرون إلى أنها حالة شائعة بين النساء أكثر منها لدى الرجال وخصوصًا المشتغلين منهم بالفنون التعبيرية على اختلاف أشكالها (مسرح، بانتومايم، فنون جميلة)، فيصاب بها أربعة أشخاص من بين كل مائة شخص.
وعند تأمل تعاطي الناس مع أطروحة الحاسة البشرية، فسنجدهم ينطلقون في ذلك من خلال فهمهم التقليدي القائم على النطاق الضيق لفكرة الحاسة البشرية وتحديدًا ذلك التصور القديم الذي وضع لبناته الأولى الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي يعد صاحب الصنافة الأولى التي جعلت من الحواس خمسًا فقط.
في حين أن العلم الحديث قد تجاوز هذه الفكرة، ليصل تعداد الحواس في بعض الكتب العلمية لخمس عشرة حاسة لعل أبرزها:
- الإحساس بالضغط.
- التوازن.
- الإحساس بالحرارة.
- الجوع والعطش.
- المشاعر العاطفية.
- إدراك حركة الأجسام.
- الإحساس بالألم.
- الإحساس بالزمن.
- الحكة.
- الدهليزية.
- الكهربائية.
- الرغبة بالإخراج (تغوط، تبول).
وعند تأمل تلك التفسيرات والشروحات التي قدمها لنا علماء التفسير عبر المتتالية التاريخية، فإننا نجد بأن جلهم قد كانوا يخرجون بالمفردة إلى معانٍ محدودة يرتئونها هم ويرون أن لا بديل لها على المطلق، من ذلك لفظة (ذوقوا)، في قوله تعالي: (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) 106 آل عمران.
إذ إن بعض مفسري القرآن، قد خرجوا بدلالة مفردة «التذوق» لمعاني ضيقة فقط مثلت فهمهم الذاتي لهذه اللفظة، وربما أملتها عليهم الدلالات الظاهرية للمكون البنيوي التعبيري لمفردة «ذوقوا»، في حين أنهم قد غفلوا عن فكرة مشاعة بين علماء اللاهوت وهي أن النص السماوي صالح لكل زمان ومكان وما ندركه كمعنى ونسقطه على جانب ما، سنجد لاحقًا بأنه يمكن إسقاطه على جانب ثانٍ وثالث وهلم جرا، بحيث يكون امتداد الدلالة للمفردة القرآنية مرتبط بمتتالية الزمن المعيشي للإِنسان، وهذا الطرح يحقق لنا فكرة «زمانية» المفردة القرآنية.
ولو تأملنا الفرد الإنساني فسنجد بأنه -أحيانًا- قد تتداخل لديه أكثر من حاسة في الاستقبال والتعاطي مع بعض الأشكال الحياتية. كأن ترتسم في مخيلته صورة قارب يمخر عباب الماء حينما ينصت لسمفونية الدانوب الأزرق للموسيقار النمساوي يوهان أشتراوس. وهذا الأمر قد نحمله على تلك الدراسات التي بنيت على عمليات مسح دماغي أجريت لأفراد؛ ولوحظ بأن ثمة حدوث لنشاط بصري لهؤلاء الأفراد بعد سماعهم لأصوات بعينها.
في حين يرى المشتغلون بالإبداع بأن هذا الأمر يدخل في السياق الطبيعي للملكة العقلية الإنسانية للشخص المبدع. فهم يعتقدون بأن الألمعي وخصوصًا في مجال الفنون كالموسيقى والرسم والنحت قادر على تقدير الأشياء بحاستين أو أكثر في ذات الوقت. فالفنان في نظرهم يستمع للموسيقى بقلبه لا بإذنه.منطلقين في فهم هذا بقول الأديب الألماني يوهان غوته: «أن تعرف كيف ترى بعين سبق لها اللمس، وكيف تلمس بيد تجيد النظر».
وليس أدل على ذلك من قصة رسام ونحات عصر النهضة الإيطالي ميكيل انجيلو، مع منحوتته الشهيرة المسماة «تمثال موسى Mses Statue». إِذ قد جسد هذا العمل الفني مثالاً حيًا على عبقرية ميكيل انجيلو في منح الصخرة الجامدة تعبيرات الحركة والحياة، فهز قد صور النبي موسى على شكل رجل مفتول العضلات جالسًا منحنيًا بجسده إلى اليسار بعض الشيء ولافتًا برأسه إلى اليمين بالكلية وفي حالة من التوتر وكأنه ينظر إلى قومه بني إسرائيل بغضب وهم عاكفون على عبادة إلههم العجل.
وتشير الروايات إلى أنه بعد أن أنهى ميكيل انجيلو نحت تمثاله وطالع كمية العبقرية والإبداع التي أودعها في هذه المنحوتة - التي غدت الآن تحفة خالدة لاتقدر بثمن - فإنه قد أخذ يضرب دون وعي منه، بأزميل النحت الذي كان يحمله بيده، ركبة التمثال وهو يصرخ به: انطق موسى.. انطق موسى.، فنتج عن ذلك أن أصاب ركبة التمثال كسرًا طفيفًا جراء هذا الصنيع.
فهل كان هذا الألمعي الإيطالي الذي يعد واحدًا أعظم فناني مرحلة النهضة، قد وظف مع تمثاله حاستين مثلاً، بحيث تكون الأولى هي البصر في حين الأخرى هي الكلام (التخاطب)، أي هل رأى في منحوتته من الكمال ما يحرض على البوح، فتحدث إليه وانتظر منه الرد فلما أبطأ عليه التمثال بالرد سارع لمحاولة استنطاقه، أم كان يتخاطر عقليًا Telepathy، مع التمثال الذي شكله بيديه وينتظر منه الرد؟!
أم هل الأمر في مجمله ضرب من الجنون أو هو عرض صحي يمكن تسميته ب«التزامن الحسي Synaesthesia»، أم هي عملية عقلية يمكن توصيفها بتداعي المعاني، تتواجد لدى فئة من البشر ممن يمكن أن نطلق عليهم فنانين عباقرة؟
حقيقة لا أملك إجابة، لكن يميل البعض من المتتبعين لهذه الحالة العقلية البشرية، للاعتقاد بأن أول من فطن لها وعبر عنها كتابيًا هو الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو Jean-Jacques Russeau، في كتابه الشهير (أميل Emile)، وتحديدًا حين افترض أن هناك مولودًا حين ولادته قد خرج على شكل رجل كامل النضج، فقامته قامة رجل وملامحه الخارجية ملامح رجل قد بلغ أشده.بحيث وصف روسو هذا (المولود الرجل، أو الرجل الولد)، بأنه يكون تمثالاً جامدا، كامل البلاهة، فاقد للحس فلا يرى شيئًا، ولا يسمع شيئاً، ولا يعرف أحدًا ولا تكون الألوان في عينيه أو الأصوات في أذنيه موجودة، بل هي عوض عن ذلك تجتمع مجمل إحساساته في نقطة واحدة، ولا يكون له غير فكرة واحدة، هي فكرة الذات التي يرد إليها جميع إحساساته.
وربما هذا الطرح هو ما أوحى للبريطانية ماري شيلي بكتابة روايتها الشهيرة فرانكنشتاين، التي عبرت فيها عن التزامنية على لسان أحد أبطال عملها الروائي وهو المسخ، وذلك حين يقول: «من الصعب على أن أتذكر الأيام من حياتي، فجميعها تبدو كتلة ضبابية واحدة هائلة. كنت أرى، وأشعر وأسمع، وأشم في وقت واحد...لكنني تعلمت بعدئذ أن أميز بينها».
ولو تأملنا نتاجنا الأدبي العربي، فسنجد بأنه قد بنيت على فكرة التزامنية العديد من الأعمال التعبيرية، من ذلك ماكتبه الشاعر اللبناني وديع سعادة، وتحديدًا في قصيدته المسماة (ارتدادات الهواء)، التي يقول فيها:
عوضَ أن يسمع الصوتَ يراه
آتيًا، على عكاز، من أماكن بعيدة تَعِبًا.
على كتفه حمولات كلام يريد أن يوزعه أعلى آذان
وعلى دروبه آذانٌ ترى ولا تسمع
عوضَ أن يرى الطريق يسمعها مثل صدىً بعيد،
كأنه يمشي على ارتدادات هواء
وكأن الأرض ليست ترابًا بل صوت
تراب يسمعه ولا يراه
وصوت يراه ولا يسمعه
كأنما لا يسمع غير خرسه
ولا يرى غير عماه
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.