المركزي الروسي يرفع سعر الدولار ويخفض اليورو أمام الروبل    بوبا العربية تعقد شراكات تقنية وصحية في مؤتمر "Money 20/20" بالرياض    استشهاد 11 فلسطينيًا بينهم أطفال ونساء في غزة    البرلمان العربي يُرحِّب بتقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن الإبادة الجماعية في غزة    صحف عالمية: الأهلي يقلب الطاولة على الهلال في "قمة لا تُنسى"    أمطار رعدية غزيرة على عدة مناطق    جودة التداوي والكسب المادي    حق التعليم لا يسقط بالتقادم أين مرونة القبول    أثر الحوار في تعزيز المشاركة لدى طلاب الثانوي    الملحقية الثقافية السعودية: 201 مبتعث ومبتعثة في نخبة جامعات كندا    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    18حكماً يشاركون في إدارة مباريات خليجي تحت 17 عاماً    محافظ الطائف يتوّج الجواد "تلال الخالدية" بكأس الأمير عبدالله الفيصل و"وثاب المشاهير" بكأس الملك فيصل    الأخضر تحت 20 عاماً يواجه المكسيك في ختام مرحلة الإعداد الثانية لكأس العالم    توطين الوظائف يتوسع    البرتغال: سنعترف رسميا بدولة فلسطين    ماريسكا: حياة والدي الصياد كانت أصعب    الرويلي يشهد حفل تخريج دورة التأهيل العسكري للأطباء الجامعيين ال 12 من طلبة كلية الأمير سلطان العسكرية للعلوم الصحية بالظهران    مستشفى الدرب العام يشهد مبادرة "إشراقة عين" للكشف المبكر عن أمراض العيون    الأهلي يقلب تأخره إلي التعادل مع الهلال في الكلاسيكو    «سلمان للإغاثة» يوزّع (1,500) سلة غذائية في محلية شيكان بالسودان    ضبط (5) مخالفين لنظام أمن الحدود في عسير لتهريبهم (100) كجم "قات"    الفيحاء يتعادل مع الشباب في دوري روشن    المرور : ترك الطفل وحيدًا داخل المركبة.. خطر يهدد حياته    قطاع تهامة الإسعافي يفعل اليوم العالمي للإسعافات الأولية    راشفورد يعتزم صنع مجد مع برشلونة    زيارة دعم وإشادة وشراكات تنموية للتنمية الاجتماعيّة الأهلية بفيفاء    إمام المسجد النبوي: القرآن أعظم الكتب وأكملها ومعجزته باقية إلى يوم القيامة    الجهني: أوصي المسلمين بتقوى الله والاعتصام بالكتاب والسنة    جدة تغني حب وحماس في ليلة مروان خوري وآدم ومحمد شاكر    في النظرية الأدبية.. بين جابر عصفور وعبدالله الغذامي    محافظ بيشة يدشن جمعية التنمية الزراعية "باسقات"    جمعية نمو للتوحد تحتفي باليوم الوطني ال95    جمعية حقوق الإنسان تنظّم دورة للإعلاميين حول تعزيز المبادئ الحقوقية    خطباء الجوامع: وحدة الصف وحفظ الأمن من أعظم نعم الله على المملكة    جلسات منتدى حوار الأمن والتاريخ.. إرث راسخ ورؤية مستدامة للأمن والتنمية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع مجلس هيئة تطوير المنطقة    اختتام ورشة عمل بناء العمل الفني بالمدينة المنورة    نائب أمير تبوك يكرّم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز للتميز في العمل الاجتماعي    نائب أمير تبوك يدشن حملة التطعيم ضد الانفلونزا الموسمية    أمسية شعرية وطنية للأمير سعد آل سعود تدشن احتفالات الهيئة الملكية بينبع باليوم الوطني السعودي ال 95    مجلس الدفاع الخليجي المشترك يقرر تحديث الخطط الدفاعية وتبادل المعلومات الاستخبارية    ما مدى قوة الجيش السعودي بعد توقيع محمد بن سلمان اتفاق دفاع مع باكستا    أمير منطقة المدينة المنورة يرعى حفل تكريم الفائزين بجائزة جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز للتميز    "سترونج إندبندنت وومن"    العيسى والصباح يزفان عبدالحميد    قطر: حرب إبادة جماعية    السعودية تطالب بوضع حد للنهج الإسرائيلي الإجرامي الدموي.. الاحتلال يوسع عملياته البرية داخل غزة    فرنسا: حملة تدميرية جائرة    زراعة «سن في عين» رجل تعيد له البصر    29% ارتفاعا بأسعار البرسيم    سارعي للمجد والعلياء    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطى ثابتة لمستقبل واعد    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان.. في ذاكرة قرية
نشر في الجزيرة يوم 18 - 05 - 2019

بيان عاجل ومنتظر، يُعلن فيه عن دخول شهر رمضان المبارك وتحقق رؤية هلاله، ما أن يعلن المذياع هذا الخبر ، حتى تعم الفرحة أطفال قريتنا العتيقة (مصاولي) ، رشقات من الرصاص تطلق في الهواء ابتهالا وترحيبًا وفرحة وإعلانا بقدوم هذا الشهر الكريم.
كنا نعلم - كأطفال - مسبقًا ، أن هذا الشهر تكون الموائد فيه عامرة بما لذ وطاب من الطعام والشراب ، قياسًا بأوقات السنة الأخرى ، وخاصة (المحلبية) ذلك الطبق الاستثنائي الذي يُعالج (بقطر الموز) فيعطيها لذة لا تقاوم ورائحة لا تقارن.
لم يكن ينغص عليّ حلاوة رمضان سوى شويهاتنا ، فالغنم في قاموس والدي ووالدتي لها أولوية كبرى قد تسبق في بعض الأحيان ما نريده كأولاد في البيت ، كان رعي الغنم من الكوارث بالنسبة لي ، ففيه بعد عن البيت ، وفيه حرمان من مشاهدة برامج الأطفال في رمضان ، وخاصة مغامرات الفضاء في إصدارها الأول العجيب والغريب ، كانت الحلقة الأولى تعاد لي رواية من أخوي الصغيرين ، وكانت تفاصيل المعارك مع وحوش (بيغا) وقوة (غرانديزر) تشي لي بفيلم كرتوني مختلف لا يقاوم ، ولكن ما العمل ، وأنا مكلف برعي الغنم في عصر كل يوم رمضاني ؟! .
عزمت على تغيير الجدول المعد لنا مسبقًا من قبل أبي ، ففترة العصر كانت من نصيبي ، وكان استمراري في تغطيتها يعني حرماني من مسلسلات علاء الدين، وبعده ربوع بلادي بصوت الإعلامي الراحل العظيم خالد زارع الذي كان يأخذنا في رحلات إلى مناطق المملكة في سيارة الجمس الوارفة، وتلك الموسيقى الخالدة في أذهاننا وصوته الإذاعي الخالد .
كان لا بد من قرار سيادي من والدي يعفيني من رعي الغنم في فترة العصر ، فترة الذروة والمتعة في كل شيء .
استجمعت قواي ورباطة جأشي ، وذهبت إلى والدي وفي مرافعة تخللتها شيء من الدموع والرجاءات الحارة ، وافق والدي على تقسيم هذه الفترة بيننا نحن الثلاثة ، وهنا أصبحت قادرًا على متابعة برامج التلفزيون الخاصة برمضان .
في فترة ما بعد العصر تبدأ النساء ربات البيوت في تجهيز أنفسهن (وملاهبهن) لصناعة الخبز ، وخاصة خبز الشعير ذلك الخبز الذي يُعد بعناية فائقة ، فيخلط بمقادير محددة من الشعير مع (البلسن ) ثم يُسخن ويُنخل ثم يُخبز ، كانت روائح الخبز في أزقة قريتنا تملأ المكان وكان الجميع بانتظار اللحظة الفارقة لحظة الأذان لحظة الإفطار .
قبل ذلك كان عندنا طقوس ما يعرف بالفطرة ، وهي صدقة يجريها أحد المحسنين على المسجد ومصليه، كنا نذهب فتيانًا وفتيات ننتظر ذلك المحسن وهو يحمل على كتفه (زنبيل ) التمر الممتلئ ، ونكون جميعًا على أهبة الاستعداد في صفين متناظرين ، أحدهما للأولاد والآخر للبنات وبعد أن يأخذ كل طفل وطفلة نصيبه من التمر ، يبدأ تحد من نوع آخر بين الأطفال الأكبر سنًا منا ، وهو ما كان يعرف بتحدي (دق الرقبة) ، وفيه يقوم أحد الأطفال أو المتصدق نفسه برمي تمرة في الهواء ، ثم يبدأ الأطفال في انتظارها كل يحاول أن يحصل عليها ويسجل انتصارا رمزيًا ومعنويًا على أقرانه الآخرين، وقبل أن تلامس التمرة الأرض يبدأ العراك بالأيدي والأرجل في مشهد يذكرك بكرة القدم الأمريكية ، في الغالب تكون التمرة من نصيب الأكثر بسطة في الطول والعرض .. بالنسبة لي لم أكن أميل إلى مثل هذا النوع من التحديات ، فضآلة جسمي وقصر قامتي كانتا تحدان من طموحي في أن أشارك في هذه المنافسة القوية التي قد لا تُحمد عقباها على الضعفاء أمثالي .
قبل الأذان بوقت كاف ، نكون في البيت ويكلف والدي أحدنا لسماع الأذان من النافذة وخاصة أن مكبر الصوت كان يعمل مرة ومرات يصاب بجلطة فنية تمنعه من النطق .
يحين الأذان ونتناول ما لذ وطاب من الطعام والشراب ، والابتسامة لا تفارق والدي ، وهو يرى السفرة الرمضانية وقد أصبحت مصدر سعادتنا ومدعاة شغفنا برمضان وأجوائه الجميلة .
بعد الصلاة نتسمر خلف المذياع ، كونها كانت عادة قبل التلفزيون وحضوره الجديد ، فيبدأ أبي في تحريك المؤشر بين الإذاعات حتى يطل علينا الفنان العظيم (عبد العزيز الهزاع ) في يومياته الشهيرة أم حديجان ،
كان هذا المسلسل بالنسبة لنا منتهى الترف الدرامي والكوميدي ، كان ضحك والدي يزيد من مستوى الضحكات وتسارعها في فضاء المنزل العتيق الذي كانت تشاركنا فيه شويهاتنا، ويبدو أنها كانت تعيش ذات الأجواء الفرائحية التي كنا نعيشها في تلك الأيام الجميلة .
رمضان في القرية سابقًا، كان صورة من صور الجمال والتكافل والنقاء ، كانت البساطة سائدة بين الناس وكان هذا الشهر المبارك يزيد من العدالة الاجتماعية بين الناس فيوحدهم شعورًا وخشوعًا قبل أن يوحدهم مأكلًا ومشربًا ، ويزيد من أواصر محبتهم وتعاونهم للتغلب على الحياة ومصاعبها المستجدة ومشقاتها المختلفة .
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.