في أحدث دراسة ل كي بي إم جي : الذكاء الاصطناعي يحقق قفزات نوعية في التميز في تجربة العملاء في السعودية    68.41% من الموظفات الجامعيات حصلن على تدريب عملي    اتفاقيات بالعلا لتدعيم السياحة    انتعاش الناتج الإجمالي النفطي لدول الخليج في 2026    الحوثي يجر اليمن إلى صراع إقليمي مفتوح    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة الرشيدة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    المسيرات تغرق بورتسودان في الظلام    خطة ثالثة تكشف نية إسرائيل المبيتة لتفكيك فلسطين    نائب أمير الرياض يعزي رئيس مركز الحوميات المكلف في وفاة شقيقه    ضبط شخصين تقدما بطلب إصدار تأشيرات زيارة لأشخاص خارج المملكة    إحباط تهريب 120 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر بجازان    القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    نائب وزير الخارجية ونائب وزير الخارجية التركي يترأسان الاجتماع الأول للجنة السياسية والدبلوماسية    نخبة آسيا عهد جديد لقلعة الكؤوس    أخضر الصالات تحت 20 عامًا يُقيم معسكرًا تدريبيًا في الدمام استعدادًا لأولمبياد آسيا    هيئة الصحفيين تنظم ورشة عمل " الذكاء الاصطناعي وتفعيل القوالب الصحفية "    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    نائب وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الاستثنائي ال47 للمجلس الوزاري الخليجي    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    سرك في بير    فائض الميزان التجاري السعودي يتجاوز 30 مليار ريال في فبراير 2025    قناة أطفال ومواهب الفضائية تحتفي برئيسها الفخري ومستشارها الإعلامي    ميرتس يؤدي اليمين مستشار جديدا لألمانيا أمام الرئيس شتاينماير    تشكيل النصر المتوقع أمام الاتحاد    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    125.7 ألف زائر يسدلون الستار على 12 يوماً من المتعة والمعرفة ل"الشارقة القرائي للطفل" 2025    تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا بوساطة إماراتية يشمل 205 محتجزين    موقف برونو فيرنانديز بشأن رغبة الهلال في ضمه    أمير حائل يدشّن برنامج الأمير عبدالعزيز بن سعد لبناء وترميم المساجد والعناية بها    وزير الشؤون الإسلامية يبدأ زيارة رسمية للمغرب    أمير الجوف يلتقي أهالي محافظة صوير    أمير حائل يرعى حفل التخرج الموحد للمنشآت التدريبية للبنين والبنات بحائل        مركز تأهيل إناث الدمام يعقد ورشة عمل في مهارات العرض والإلقاء    المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية    مذكرة تفاهم بين الجمعية السعودية لأمراض وجراحة الجلد وشركة آبفي وشركة النهدي الطبية    "سعود الطبية " تنظّم أول مؤتمر وطني لجراحة مجرى التنفس لدى الأطفال    أجنبيًا لخلافة المفرج في الهلال    زخة شهب إيتا الدلويات تزين سماء العالم العربي الليلة    فريق طبي في مستشفى عفيف العام ينجح في إجراء تدخل جراحي دقيق    حوار المدن العربية الأوروبية في الرياص    المملكة تختتم مشاركتها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    في أمسية فنية بجامعة الملك سعود.. كورال طويق للموسيقى العربية يستلهم الموروث الغنائي    توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز إبداعات الفنون التقليدية    دعوة لدمج سلامة المرضى في" التعليم الصحي" بالسعودية    "مايكروسوفت" تعلن رسمياً نهاية عهد "سكايب"    الإدارة الذاتية: رمز وطني جامع.. سوريا.. انتهاء العمليات القتالية في محيط سد تشرين    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    في إياب دور الأربعة لدوري أبطال أوروبا.. بطاقة النهائي بين إنتر وبرشلونة    هاري كين يفوز بأول لقب في مسيرته    جمعية الوقاية من الجريمة «أمان»    أزمة السكن وحلولها المقترحة    بنسبة نضج عالية بلغت (96 %) في التقييم.. للعام الثالث.. السعودية الأولى بالخدمات الرقمية في المنطقة    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    جامعة الملك سعود تستضيف مؤتمر "مسير" لتعزيز البحث العلمي والشراكات الأكاديمية    ممنوع اصطحاب الأطفال    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالعزيز القاضي
شعراء الغفلة!
نشر في الجزيرة يوم 28 - 08 - 2011

يغريني بالضحك حد فحص الأرض بالقدم, العربجي عندما يتقمص دور الرومانسي الرقيق, فيمسك القلم بيمناه ليكتب قصيدة يظن أن قلوب العذارى تذوب لها, وأن جفون الرجال ترِفُّ إعجابا بها وحسدا عليها, بينما يده اليسرى لا تزال تمسك بمفتاح 14!
أعلم أن الإبداع ليس مقصورا على الطبقات المترفة أو المتعلمة أو المثقفة, وأعلم أيضاً أن أعظم أدباء العالم ولدوا في الأحياء المدقعة فقرا, الراسخة بؤسا, لكني أقصد بأدباء الغفلة من صورت لهم أنفسهم البائسة أنهم أدباء حقيقيون يكتبون الشعر والنثر الذي يلهب المشاعر, ويطرب القرائح.
أعرف شخصا من الذين يمكن أن تُبرى بأظفارهم الأقلام جلافةً, ومن يكتسحون مقاييس الذكاء غباءً, ومن تهيم بحماقتهم صفحات موسوعة غينيس للأرقام القياسية, يصفُّ كلمات في قوالب شعرية ونثرية مفعمة بالبؤس شكلا ومحتوى, فيرى الجمال الفردوسي مجسّدا فيما يكتب, ويطرب له طربا يُسيل منه دموع النشوة, ويهز أعطاف السَّكرة, فيقول كما كان البحتري يقول: (لله دري من شاعر.. قولوا لي أحسنت). وهذا الكلام بالطبع مرفوض وهو يصدر من أحد رموز الشعر عبر العصور كالبحتري, فما بالك به إذا صدر من إنسان نكرة في حيّه وبيته وبين أهله!
عندما تصاب القريحة بعطب الجهل, تضيع منها حاسة التمييز والتذوق, وبعض الناس بلغ مرض فساد القريحة لديه مرحلة انتشار للداء لا يُرجى معها بُرءٌ, ولا يفيد فيها دواء! قال لي أحد هؤلاء ذات مرة: في كثير من الأحيان «عندما أكتب بيتا من الشعر تسيل من عيني دمعة الإعجاب عندما أقرأه», مع أني لا أعرف أن له شعرا جديرا بأن يوصف بأنه ولو شكلا شعر! ولو أنه قال لي بدلا من ذلك: إنني بعدما أقرأه أشعر بدوخة يتبعها غثيان, لكان صادقا في الشعور لو كان سليم القريحة!
لا ألوم الناس على تصوراتهم, ولا على انخداعهم بشخصياتهم الاجتماعية والأدبية, فكل يرى في نفسه ما يراه الناس في العظماء, ومن جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يُرى.. وهؤلاء المساكين تضج بهم المجتمعات التي يزدهر فيها الجهل والانغلاق وضيق الأفق, وبما أنه لكل ساقطة لاقطة فإن هؤلاء يجدون لهم من يملك نفس الرصيد في الغباء والحمق وضعف بل قل انعدام التمييز, من الجماهير التي تُلهب أكُفَّها تصفيقا لجمال ما تسمع من الكلام الصفيق القبيح, لذلك فإن أكثر أدباء وشعراء الغفلة أولئك يصنعون حولهم هالة من خواء, وأضواءً من سراب, فلا تراها سوى أعين التافهين في عالم الفكر والثقافة والأدب.
وترتفع حالة الحمق لدى أغبياء الثقافة والأدب لتصل إلى درجة ارتياد مجالات إبداعية أخرى يرون أنهم يُحسنون العزف على أوتارها إحسانا يفوق المختصين بها, وهذا شعور طبيعي عند من تبلغ حالة الحمق والنرجسية في نفسه مبلغا عظيما, وجنون العظمة يصور للمرء أنه متفوق تفوقا شاملا في كل شيء!
هذا النوع المتسلق من البشر ليس مقصورا على عالم الأدب, بل هناك من ينظّر للأخلاق وفي يده اليمنى سيجارة حشيش وفي اليسرى كأس من الخمر, وهناك من يتحدثون في القضايا الكبرى حديث الواثقين, ويخططون للمستقبل وهم لا يملكون ذرة من خلق أو دين أو ثقافة أو تصور صحيح للحياة والناس والكون.
تَخَفّي القبح خلف واجهة الجمال المصطنع سمة من سمات أغلب المتنفذين على وجه البسيطة, وهذا معروف لدى القاصي والداني وأولهم أولئك المتصنّعون, لكن المنخدعين بمواهبهم التي لا يرى تميزها سواهم ومن يماثلهم في الغباء دون الإقدام على تقديم المؤذي للفطرة السليمة من الكلام المزعوم أنه شعر أو أدب, هم الذين يثيرون في النفس الرغبة الحقيقية في التقيؤ!
شعراء الغفلة ليسوا كلهم من العامة المجهولين, بل منهم من فتحت لهم المنابر, وصُنعت لهم الدعايات الكبيرة, فصاروا في عُرف كثير ممن لا يستطيع تمييز الفلس من الدينار شعراء كبارا, وصدق هؤلاء أنهم كذلك فصاروا يصمّون أسماعنا, ويؤذون أنفسنا, ويجرحون أذواقنا وأخلاقنا بمشاهدتهم وهم يضخمّون ذواتهم أمام الملأ بلا حياء ولا احترام لأذواق وعقول الناس. والإعلام يغري ويخدع, وشعراء الغفلة هم أول من يخدعه الإعلام, فهم تماما مثل من يكذب كذبة ثم يصدقها هو نفسه بعد قليل, فيملأ السماء والأرض صراخا وهياطا على طريقة (أنا وأنا) وطريقة (حنا وحنا) وهو في الحقيقة نكرة لا يقدم ولا يؤخر, وليس له وزن أو قيمة سوى عند من ينخدع به ولا يعرف أنه ليس سوى طبل أجوف.
وسبق أن قلنا إن هناك فرقا بين الشعر الجميل والشعر الخالد, والجمال يذوي ويزول, لكن الخالد يبقى. وما شعر شعراء الغفلة من رواد الفضائيات سوى فقاعات لا تلبث أن تنفجر وتتلاشى فلا يبقى لها أثر.
الجمال - كل أنواع الجمال - له مقاييس عامة وخاصة, ومعظم المقاييس العامة يتفق حولها الكل, الأعمى والبصير, والمتذوق وغير المتذوق, أما أدباء الغفلة والغباء فلا يعرفون من مقاييس الجمال سوى ما ترسمه لهم أمزجتهم الملوّثة, هذا إن كان لهم أمزجة في الأساس!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.