الهلال يكتسح الاتفاق بخماسية تاريخية ويقفز للمركز الثاني    إذا لم يدعك أصدقاؤك إلى الإفطار تغافل عنهم    أمير المدينة والنَّهضة الاقتصاديَّة    علماء الأمة في المدينة لتوثيق سيرة الشيخ بن صالح    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال69 لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الأديب إبراهيم مفتاح    انتهاء عهد بوستيكوجلو مع نوتينغهام فورست بعد كابوس دام 39 يوما    مدرب الأهلي يرفض الراحة بعد التعادل مع الشباب    القبض على إثيوبي في جازان لتهريبه (31.8) كجم "حشيش"    جمعية الإعاقة السمعية بجازان تنفذ ورش عمل تدريبية لفئة الصم بالتعاون مع بنك التنمية الاجتماعية    إتلاف أكثر من 69 ألف منتج فاسد في جدة    أمير جازان يطمئن على صحة الأديب إبراهيم مفتاح    سوريا: تفكيك خلية إرهابية في ريف دمشق    التحالف الإسلامي يطلق المبادرة العسكرية "كفاءة" في الغابون    لائحة لإنشاء الأوقاف وتمويلها عبر التبرعات    الهلال الأحمر بالقصيم ينقل مصاباً بالسكتة الدماغية إلى مستشفى بريدة المركزي عبر طائرة الإسعاف الجوي    الرضّع حديثو الولادة يتجاوبون مع اللغات الأجنبية    بلدية بيش تواصل تحسين الطرق ورفع كفاءة البنية التحتية في طريق الملك عبدالله    جمعية مرفأ للخدمات الأسرية تنظم "العيادة المجانية" للاستشارات النفسية والأسرية والقانونية بالتعاون مع شركة إثراء البينة وبيت الثقافة    هيئة الطرق توضح نظام ترقيم أنواع الطرق في المملكة    جمعية لياقة الرياضية بالشمالية تنظم ورش عمل رياضية متخصصة في النصف الأول من شهر أكتوبر    نجاح لافت للنسخة الخامسة من "ليلة اللغات الأوروبية" في الرياض    د. السليمان يدعو إلى رفع نسبة توطين "المختبرات الطبية" إلى 90%    تجمع الرياض الصحي الأول يواصل قوافله الطبية بوادي الدواسر    موسم جدة 2025 يطلق موجة الرعب والتشويق هورور كون    مسؤول أممي: الوضع الإنساني في غزة كارثي    المركزي الروسي يرفع سعر صرف الدولار إلى 80.98 روبلًا    انطلاق النسخة الرابعة من بطولة حائل الدولية لجمال الخيل العربية الأصيلة في نوفمبر المقبل    شارع السمحانية يجمع بين الطراز النجدي الأصيل والمعاصرة الحديثة    الشؤون الإسلامية بجازان تنظم محاضرة نسائية بقرية المدرك بعنوان «خطورة هجران القرآن الكريم» مساء اليوم    تُعلن شركة معاهد طيبة العالية للتدريب عن استحواذها على أكاديمية "إلسو" لتعليم اللغة الإنجليزية (ELSO)    ضبط أكثر من (23) ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    عمادة الدراسات العليا والبحوث تطلق برنامج "التمكين البحثي المتقدم" لتعزيز جودة البحث العلمي    البركة الخيرية" تخدم أكثر من 38 ألف مستفيد خلال الربع الثالث 2025    أمانة الطائف تطرح حديقة الملك فيصل للاستثمار    أكتوبر يجمع نجوم الصيف والشتاء في سماء عرعر    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    بحضور السواحه.. الطلاب السعوديون يحتفون بالبروفيسور عمر ياغي    يايسله مدرب الأهلي: أداؤنا غير متوقع أمام الشباب    مدرب الشباب: الحكم أهدى الأهلي ركلة جزاء    بنزيما يعتذر لجماهير الاتحاد    وزير الصحة يختتم مشاركته في أعمال الدورة 72 للجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ حملة التطعيم ضد الانفلونزا الموسمية    ليلة طرب.. السلطان وموضي والطلاسي يشعلون حماس جماهير جدة    خطيب المسجد النبوي: الدعاء سلاح المؤمن وسبيل الثبات في الشدائد    خطيب المسجد الحرام: العبد الموفق يعيش في خير لم يسأله ونعيم لم يتوقعه    سخاء المدني أول سعودية متخصصة في طب الفضاء والطيران    د. عبدالحق عزوزي يترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية    سباق الذكاء الاصطناعي تنافس بلا خط نهاية يهدد التوازن العالمي    هل استقام ظل لسلام الشرق الأوسط    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الشيخ العامري    أمير القصيم يرعى حفل تخريج 167 حافظًا لكتاب الله    رئيس أمن الدولة يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    لضمان تنفيذ وقف النار.. استعدادات لنشر قوة دولية في غزة    ضبط مليوني قرص إمفيتامين بشحنة مكسرات    العمري يبحث احتياجات أهالي صامطة    أمير مكة: مشروع بوابة الملك سلمان يعكس اهتمام القيادة بالتنمية في المنطقة    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القدس وأساطير التراث العمراني
نشر في الحياة يوم 28 - 11 - 2009

القدس بحكم تاريخها وموقعها، كانت خبرتها طويلة؛ لأنها خبرة تاريخ وحضارة وتنوع سكاني وديني، وبالتالي كان لهذا كله دور كبير، وفعال في تشكيل وتلوين الموروث الشعبي المقدسي في تعامله مع الآثار العمرانية والكائنات من طير وحيوان أو نبات أو جماد. فما من بناء في القدس العتيقة إلا وتُروَى حوله الحكايات، في بعضها عناصر حقيقية من التاريخ، ومعظمها نسجته المخيلة الشعبية الثرية، وهذا شأن المكان الذي تتراكم فيه طبقات التاريخ، فالأسطورة بقيت في الضمير الجمعي، وعبرت عن نفسها في مفردات التراث العمراني المقدسي الثري، الذي لا نستطيع تفسير الكثير من ظاهراته الحاضرة إلا من خلال دراسة عملية التطور التي مر بها ورؤية الناس له إذ هو المسرح الكبير الذي تجلت فوقه خصائصهم وخصالهم بشكل غير عادي. فهو يكشف عن الناس في العصور الإسلامية في أفضل أحوالهم وأسوأها في آن واحد.
كانت أول مفردة في منظومة التراث العمراني المقدسي هي الأبواب إذ كانت معلماً قديماً قِدَم مدن هذا الجزء من العالم، وما برح الرحالة والمؤرخون يشيرون إلى أبواب بيت المقدس وعجائبيتها. وهذا ما نلمسه في طيات حكايات الموروث الشعبي حول الطلاسم والأرصاد السحرية في أسوار وأبواب المدينة ومنها أيضاً باب التوبة الأسطوري الذي تحدث عنه الرحالة والمؤرخون كقول صاحب الأنس الجليل: «أنه بآخر المسجد من جهة الشرق مما يلي محراب داود مكان معقود به محراب وقد عرف هذا المكان بسوق المعرفة ولا أعرف سبب تسميته بذلك والظاهر أنه من اختراعات الخدام لترغيب من يرد إليهم من الزوار ونقل بعض المؤرخين أن باب التوبة كان في هذا المكان وأن بني إسرائيل كانوا إذا أذنب أحدهم ذنباً أصبح مكتوباً على باب داره فيأتي إلى هذا المكان ويتضرع ويتوب إلى الله ولا يبرح إلى أن يغفر الله له وأمارة الغفران أن يمحي ذلك المكتوب عن باب داره وان لم يمح لم يقدر أن يتقرب من أحد ولو كان أقرب الناس إليه» ويضيف الرحالة القزويني عن سليمان عليه السلام أنه كان قد :»بنى في بيت المقدس بيتاً وأحكمه وصقله فإذا دخله الورع والفاجر كان خيال الورع في الحائط أبيض وخيال الفاجر أسود».‏ واختلق الوجدان الشعبي الأحاديث والتفسيرات والتأويلات لآيات القرآن الكريم لتأكيد قيمة القدس الروحية والعجائبية والمعنوية في ما يتعلق بأسوار مدينة القدس. وتحضر هذه المعاني، عند تأويلهم لبعض الآيات القرآنية، كتفسيرهم للآية «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ» ق/41 . بأن المنادي هو إسرافيل، «ينادي من بيت المقدس بالحشر، وهو (أي بيت المقدس) وسط الأرض». وعن عبد الله بن عمر (ت 65 ه، 684م) قال: «إن السور الذي ذكره الله في القرآن: «فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ» الحديد/13. هو سور بيت المقدس الشرقي، باطنه الرحمة، أي المسجد، وظاهره قبله العذاب: وادي جهنم».
من هنا جذبت جبال القدس إلى زيارتها الكثير من الصحابة والتابعين، والعباد، للتعبد فيها، والتبرك في مشاهدها، وبعضهم فضل الإقامة فيها، وأحياناً حبذوا الموت والدفن في أطرافها، لاعتقادهم بأنها أرض المحشر والمنشر ولقد استثمر الوجدان الشعبي ملكة الابتكار، وأطلق لخياله العنان كي يبرز مدى التبجيل والتقديس الذي أحاط بجبل زيتا في بيت المقدس، وقد كان الدافع الروحي هو المحرك لخيال الضمير الشعبي الابتكاري فيما يخص (جبل زيتا أو طور زيتا)؛ «إذ كان رفع المسيح من طور زيتا - جبل شرقي بيت المقدس»، أضف لذلك شيوع الكثير من الأخبار عن معجزات وكرامات تنسب إلى عدد من المدفونين فيه، إذ أن في سفحه عدداً لا بأس به من قبور الأولياء والصالحين والصحابة والتابعين والأنبياء، وفيه دفن جماعة من شهداء المسلمين في الفتحين العمري والصلاحي وفيه دفنت (رابعة العدوية) المشهورة بين المقدسيين بأم الخير وكانت أشجار الزيتون تغطيه في سالف الأزمان إلا أن الجراد وبني آدم قد أتوا على هذه الأشجار فضلاً عن مزارات يؤمها الناس من المسيحيين والمسلمين مع أهل بيت المقدس ككنيسة الصعود مما سمح للخيال أن يشكل تاريخ هذا الجبل كما يشاء له، ويقيم بناءه الفني كما يحلو له، مبالغاً في محاولته الوصول إلى قلب المتلقي والتأثير فيه، خصوصاً أن جبل زيتا لم يكن مجرد جبل يلفه الصمت والمهابة، وإنما كان مسرحاً للنشاط اليومي للناس بفضل المأثورات الدينية الشعبية وارتباطه بقصص الأنبياء. يقول صاحب مثير الغرام نقلاً عن سلسلة رواة : «عن خالد بن معدان، قال: حاج جبل بيت المقدس إلى ربه تبارك وتعالى فقال: أي رب خلقتني جبلاً فذّا ذا كدي، وخلقت الأرض من غيري وفجرت فيها الأنهار، وأنبت فيها الأشجار، وأخرجت منها الثمار فأوحى الله تعالى إليه: يا جبل بيت المقدس، وهل تدري ما مثلي ومثلك، مثل رجل ابتنى قصراً، ثم ابتنى في ذلك القصر داراً، وجعل فيها أهله وماله، عيني عليك بالطل والمطر لا أنساك حتى أنسى عيني، ولا أنساك حتى تنسى ذو رحم ما فيرحمها».
عجائبية وقداسة جبل زيتا تكشف لنا عن مدى تجذر الديني وأيضاً الغيبي في الوعي وأُطُر حياتنا وانعكاس ذلك كله على النصوص في شكل يقين وحقائق لدرجة أن الاقتراب منها أحياناً يعد من المحاذير الكبرى. وتكشف لنا عن المكانة الممتازة لمدينة القدس بكل مفرداتها بين سائر المدن العربية والإسلامية لاقترانها بحدث عظيم له قداسته الكبرى عند المسلمين والعرب على اختلاف ديارهم وثقافتهم، وقد استمدت قدراً من القداسة التي أشعها ولا يزال ذلك الحدث العظيم وهو الإسراء والمعراج الذي سجلته القريحة والعقلية الشعبية بأسلوبها الذي يجمع معظم وسائل التعبير في قوس واحدة، أو أثر أدبي واحد.
فالقصة التي افترشت كتابات الرحالة والمؤرخين وأصحاب الفضائل عن عجائبية جبل زيتا في القدس يبدو أنها تأثرت بتلك المفاهيم التي سادت العالم حول أسطورية الجبال، وكذلك ربما تأثرت من معطيات عبادة العرب للأصنام التي كانوا يزعمون بشأنها: «أن الشياطين تدخل فيها وتخاطبهم منها وتخبرهم ببعض المغيبات». وإيمانهم بحلول هذه القوى الخفية في كل ما حولهم من مظاهر الطبيعة، ولعل بعض الجبال كان لها النصيب الأوفر من ذلك، حتى غدت ذات أثر في حياة الإنسان، وحسبنا معرفة أن الجبال عدت من الأمكنة الأسطورية في ملحمة «جلجامش» كجبل «الأرز» بوصفه موطن الآلهة، وكان جلجامش وأنكيدو يقدمان له قرباناً، طالبين أن يواتيهما الجبل بحلم مطمئن كما جاء في نص الملحمة: وأمام الإله شماس (أي الشمس) حفر بئراً... وصعد جلجامش إلى الجبل... وقدم وجهته إلى البئر... وقال: أيها الجبل أرسل حلماً.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.