الصناعات العسكرية تُنظّم معرض الدفاع العالمي فبراير 2026 بالرياض    إطلاق حملة تعلّم بصحة    انطلاق قادة الإعلام في سويسرا وتوقيع مذكرة مع جامعة EHL    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس سيراليون    تعليم جازان ينظم لقاءً افتراضيًا لمديري ومديرات المدارس استعدادًا للعام الدراسي الجديد    شهر للغة العربية في أذربيجان    السعودية وسوريا توقعان اتفاقية جديدة لحماية الاستثمار وتشجيعه    جمعية التكافل وشركة نهضة التنمية تبحثان عن سبل التعاون المشترك    جمعية عين تختتم مشروع عمليات اعتلال الشبكية بدعم من "غروس" وشراكة مع مركز بن رشد للعيون    قيادة المركبة دون رخصة مخالفة مرورية    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير سجون المنطقة الشرقية بمناسبة تعيينه    أمير تبوك يطلع على سير العمل بالمنشآت الصحية بالمنطقة    أمير حائل يستقبل مدير مكافحة المخدرات المعين حديثًا بالمنطقة    سوق الأسهم السعودية تغلق متراجعة 11.81 نقطة    فريق طبي بمركزي جازان ينجح في تركيب جهاز لتحفيز أعصاب المثانة لمرضى متلازمة فاولر    يايسله: هذا موسم الحصاد في الأهلي    الأحوال المدنية تطلق الإصدار الجديد من شهادتي الميلاد والوفاة    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ مبادرة استشر طبيبك لمنسوبيها    هجمات روسية تستهدف عدة مدن أوكرانية    نصف مليون فلسطيني في غزة على شفا المجاعة    الفريق الفرنسي "Karmine Corp" يحصد لقب "Rocket League" في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تايكوندو السعودية تواصل حصد الإنجازات العالمية    المملكة تستقبل وفدًا سوريًا استثماريًا برئاسة وزير الاقتصاد والصناعة    طبيعة ساحرة    عشّاق القهوة بمزاج أفضل بعد فنجانهم الأول    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    وسط تحذيرات من كارثة إنسانية.. الدعم السريع يقتل 31 مدنياً بقصف على الفاشر    الجيش يؤكد عدم اخترق أجواء سوريا.. وعون: لا تدخل في شؤون لبنان    الشرع: وحدة سوريا فوق كل اعتبار    أمر ملكي: إعفاء طلال العتيبي مساعد وزير الدفاع من منصبه    سرقة مليوني دولار من الألماس في وضح النهار    100 مليون ريال مبيعات تمور    إطلاق دليل لتحفيز الاستثمار في القطاع الجوي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر «مسؤولية الجامعات» يعزز القيم والوعي الفكري    صابرين شريرة في «المفتاح»    لا تنتظرالوظيفة.. اصنع مستقبلك    تربية غريبة وبعيدة عن الدين!!    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    «رونالدو وبنزيمة» يسرقان قلوب جماهير هونغ كونغ    الأرجنتيني كوزاني يحمي مرمى الخلود    ميسي يعود لإنتر ميامي بهدف وتمريرة حاسمة    قنصلية السودان بليبيا تطلق مبادرة العودة الطوعية    «إثراء» يدعم المواهب ويعلن المسرحيات الفائزة    مُحافظ الطائف يطلع على تقرير برنامج المدن الصحية    جامعة جدة تستعد لإطلاق ملتقى الموهبة للتعليم الجامعي    المملكة.. وقوف دائم مع الشعوب    زرع الاتكالية    «الحياة الفطرية» يطلق أكبر رحلة استكشاف للنظم البيئية البرية    الأمير تركي الفيصل ورسائل المملكة في زمن الاضطراب الإقليمي    فيضانات باكستان غضب شعبي وتحرك حكومي    استعراض إحصائيات ميدان سباقات الخيل بنجران أمام جلوي بن عبدالعزيز    تجمع مكة الصحي يخصص عيادة لعلاج مرضى الخرف    أمير تبوك يطلع على تقرير بداية العام الدراسي الجديد بمدارس المنطقة    المشاركون في دولية الملك عبدالعزيز يزورون مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف    "قيمة العلم ومسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة" موضوع خطبة الجمعة بجوامع المملكة    المشاركون في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يغادرون مكة متجهين إلى المدينة المنورة    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شو تهشون بين التجريد الفرنسي والمناظر الصينية
نشر في الحياة يوم 18 - 02 - 2014

تحت عنوان «الطريق إلى التجريد» يتعقّب متحف «البانكوتيك» الباريسي الاستعادي اعمال الفنان شو تهشون مستمراً حتى أواخر آذار (مارس). علينا حتى نصل الى محترف تهشون الرحب في فيتري (الضاحية القريبة من العاصمة) أن نتجاوز حديقة زهور مزدانة بما تشتهي الأنفس والريحان من ألوان وأنواع، تماماً كما وصف إبن بطوطة في مذكرته حدائق بكين وكانتون، وكما يذكر ميشيل فوكو بأن «الحديقة وعلى رغم أنها تشغل جزءاً متواضعاً من المكان، فهي تمثل الكون الطبيعي في مجمله». نتلمس من هذا المدخل صبوة الطبيعة «الطاوية» والانطباعية في مناظر شو تهشون.
هو من مواليد 1920 في آنهوي في الصين من عائلة مثقفة غالبيتهم أطباء وجامعو لوحات ومنهم والده وجدّه. تفتحت موهبته منذ بواكير نعومة أظفاره على ممارسة فن الخط الصيني، وعندما أصبح يافعاً عُرف على امتداد قارة بلاده كأحد أشهر المثقفين التشكيليين مع ارتباطه بالشعر والموسيقى. انخرط عام 1939 في أكاديمية تحت إشراف معلم عرف بولعه بالفن الفرنسي، وانتقلت هذه الذائقة إلى التلميذ فأصبح مولعاً بسيزان وجماعة الوحشيين وبيكاسو بعد الانطباعية. وذلك على رغم أنه كان يصوّر المناظر التقليدية الموروثة عن «رولوات» فترة سلالة تانغ (بين القرنين السابع والعاشر)، وسلالة سينغ (بين العاشر والثاني عشر).
تعلّم من الفلسفة «الطاوية» الانحياز إلى الجبال والطبيعة، وأنسنة عناصره ضمن منظور الرولو الصيني (بالورق والألوان المائية)، وظهر بذلك تفوقه في الأكاديمية، وأصبح معاوناً لمعلمه بعد نيله الدبلوم عام 1941 وبدأ يتردّد على شنغهاي وتايبي ليُغني تجربته، فعُيّن مدرساً في الأخيرة، ولكن هوسه بالفن الفرنسي شكَّل هاجساً مهنياً وثقافياً فحقّق هذا الحلم بسفره مع أحد الفنانين المعروفين الصينيين إلى مدينة مرسيليا قبل أن يستقر في باريس منذ عام 1955 إلى جانب مواطنه التجريدي المعروف والذي يكبره في العمر وهو زاووكي.
حذا تهشون حذوه في السعي إلى إيجاد توليف إبداعي أصيل بين تقاليد المنظر الطاوي الصيني والمناظر الانطباعية الفرنسية. ولم يكن هذا الطموح سهلاً على رغم تفوّق الثاني على الأول، ثم بعبوره من مدرسة «البوزار» («المعهد الوطني الأعلى للفنون الجميلة» في باريس - قسم التصوير) أصبحت تقنية لوحته أوروبية بحتة، وأصبح ينقل عن ذخائر متحف اللوفر، قبل أن ينضم إلى جماعة مدرسة «غراند شوميير» المعروفة بتأثير حريتها في التجريد الغنائي في التيارات الأوروبية والأميركية.
لعل أكبر صدمة إيجابية لعبت دوراً مركزياً في تطور لوحة تهشون ممثلة بمعرض التجريدي الفرنسي: نيكولا دوستائيل عام 1956.
وجد فيه كما كان يخبرني تلك العلاقة التوليفية الأصيلة بين التشخيص والتجريد، وبين تراكم تقاليد اللوحة وتطعيمها بمفاهيم أشد حداثة ومعاصرة. وكذلك المقابلة التقنية بين الصباغة الشفافة المختزلة والعجائن ذات النسيج الكثيف القريب من النحت الغائر. وهكذا وجد تجربته قرابةً أسلوبيةً ناعمة تقوم على التوليف الأصيل من دون التباس أو تحديث مفتعل. يعلن فناننا في حينه ان التجريد ما هو إلا الطريق الوحيد الذي يضمن عمق التأمل في النظر، مطبقاً ذلك في عرضه الأشد نضجاً ممثلاً لفرنسا في بينالي ساو باولو عام 1969، داخل فناء رحب وجدران سامقة صالحة لاستقبال لوحاته العملاقة التي تتناقض مع قزمية اللوحات التقليديّة الصينية. لوحات غارقة في الضوء، ذات أسود عميق، مزروعة بألوان فردوسية - بركانية - مرجانية - قزحية.
أما التكوين فيقوم على التوازن «الطاوي» بين «الفراغ والامتلاء»، محافظاً على وحدة الشعر الغنائي مع فراغ اللوحة، فقد كان في الصين يصوّر مثل أجداده. يكتب قصيدة شعر عائمة في الفراغ الأعلى الأيمن ويستلهم من مفاصل الكتابة المنظر الطبيعي. لم يكتسب الجنسية الفرنسية حتى عام 1979 مما هيأ له بعد أربع سنوات في 1983 أن يعود منتصراً إلى بلاده ويحصل على تكريم كبير، فقد وجد مواطنوه حفاظه على ثقافتهم التشكيلية على رغم تغريب التقنية ضميراً وطنياً، فسلوك الفرشاة هو نفسه مسار قصبة التخطيط الحروفي الصيني. فكان أحد رموز الانفتاح الصيني على العالم الخارجي بعد عقود من عزلة الثورة الماوية.
يعتبر تهشون اليوم من أبرز الفنانين التجريديين من أصول صينية، بما يتجاوز شهرة زاووكي موطنه السابق نفسه.
من محاسن الصدف أنه كان لي حظ التعرف إليه عن قرب والإبقاء على صداقته حتى اليوم، وذلك بمناسبة عرضنا المشترك (مع آخرين) في مهرجان أولمبياد برشلونة عام 1991 ولم أعرف عمره حتى كتابة هذا المقال، فقد كان يبدو أقل بعقود من عمره الحقيقي، فلا يزال حتى اليوم في أشد نشاطه وهو يتجاوز التسعين، وعلى رغم أنه تعرض لجلطة دماغية. فقد تكون للصينيين أسرارهم في حياتهم المعمّرة، حتى أن مختار حيّهم في باريس ظن أنهم يخفون موتاهم ولا يعلنون عنهم.
لا شك في أن ما هو أشد خلوداً وتعميراً هو لوحة تهشون، فهي بركانية التعبير تضج بالشباب والحيوية، بخاصة سقف دار الأوبرا في باريس التي كُلّف برسمها وتلوينها، ولا شك في أن المعرض الاستعادي اليوم يمثّلُ كنزاً لذخائر عمره المديد. لذلك استحق ضخامته وعناية الكتالوغ الملون المرافق للمعرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.