فتحت قنوات التواصل الاجتماعي على الإنترنت الباب واسعاً على شكل جديد من أشكال تواصل المتلقي مع العمل الإبداعي ومع المبدع نفسه، حتى بات المتلقي يتابع سير المنجز التشكيلي أو الأدبي من مرحلة تكوينه الأولى كفكرة، إلى خروجه مكتملاً في صورته النهائية. وأحدث هذا الشكل من العلاقة الجديدة متغيرات كثيرة على سير العملية الإبداعية، التي والحال هذه، لم تعد عملية محفوفة بالسرية والكتمان كما كانت قبل توسع الفضاء الإلكتروني، يمارس فيها المبدع شكلاً من أشكال العزلة والتفرد، ليخرج بعد ذلك معلناً عن نتاجه. أصبح المتلقي اليوم يتابع مراحل رسم الفنان للوحة، ويعلّق ويعجب بقصيدة الشاعر قبل نشرها في ديوان مطبوع... وكذلك الأمر في سائر الأشكال والأجناس الإبداعية. والنماذج الإبداعية التي تعيش وتنتج في فضاء التواصل الاجتماعي لا حصر لها، إذ نادراً ما تجد مبدعاً من دون حساب يتفاعل فيه مع معجبيه ومتلقيه. وتشكّل «رسّامة تويتر ريما» (Rreemm44_art@) نموذجاً للفنانين الأكثر تفاعلاً ونشاطاً في تواصلها مع معجبي فنها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إذ تنشر بصورة متواصلة نماذج من أعمالها خلال الاشتغال عليها. تقدم مجموعة من اللوحات التي لم تنتهِ بعد، وتتابع ذلك حتى تنشر العمل في صيغته النهائية.غير أنها أرادت لنفسها أن تكون نجمة «تويتر»، فركزت رسماتها على ما يدور في الموقع، وانشغلت بتجسيد الشخصيات المهمة والفعالة فيه، فرسمت أكثر من 63 شخصية دينية وأدبية وإعلامية وفنية ورياضية، واستطاعت بفنها أن تقنع أكثر من 35 ألف متابع. وقالت ريما ل«الحياة» إنها بدأت مشروع رسم مشاهير «تويتر» لغرض تكريمهم من خلال الرسم، «تقديراً لما قدموه». وبعد موجة التعصب الحادة التي شهدتها الأوساط الرياضية السعودية في الفترة الأخيرة، أطلقت ريما حملة مواجهة التعصب بواسطة ريشتها عبر مواقع التواصل، ورسمت الرموز الرياضية لكثير من الفرق السعودية. وأفادت ريما بأنها «عمدت لإطلاق هذه الحملة بعد أن لاحظت تفشي ظاهرة التعصب الرياضي في أوساط المغرّدين»، وأرادت أن تسهم في توعية متابعيها، وإرضاء أذواقهم من خلال الرسم. وأكدت أن مواقع التواصل «أرض خصبة لنشر الإبداع»، ناصحة «كل من لديه أعمال ذات طابع إبداعي بعرضها في مواقع التواصل، وألا يلتفت إلى المحبطين والمثبطين». وما ينطبق على «رسامة تويتر»، ينطبق على كثير من المبدعين، حميد العلي، الذي يكتب الأشعار والقصائد، يكافئ معجبيه بين الحين والآخر بتضمين أسمائهم في أبيات شعرية وليدة اللحظة. وكثيراً ما تنتج من تلك الأبيات مساجلة شعرية بين معجبيه. وكان العلي يكتب القصائد قبل أن ينضم إلى أسرة «فيسبوك»، لكنه، كما قال ل«الحياة»، تعلّم الكثير بفضل مواقع التواصل، خصوصاً «بعد أن تجاذبت الأحاديث الثقافية والأبيات الشعرية مع نخبة من المبدعين والشعراء الذين يستخدمونها». وأكد أنه بفضل تلك المواقع استطاع أن يكوّن قاعدة جماهيرية لا بأس بها، وشدته إلى أن يقرأ أكثر لكي يكون تفاعله مع محبيه أكبر. من جانبه، أكد أستاذ الإعلام في جامعة أم القرى الدكتور أسامة حريري أن مواقع التواصل «باتت الحضن المفضل للمبدعين، إذ إن وسائل التواصل التقليدية في المجتمع غير كافية وغير واقعية، إضافة إلى أنها لا تحسن التعامل مع الإبداع، بل تعتبره أحياناً بدعة تجب محاربتها». ورأى حريري أن «تلك النظرة في المجتمع الواقعي جعلت المبدع السعودي يلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي من أجل إبراز إبداعه، ولا توجد أماكن وقنوات نظامية في الواقع تستوعب المبدعين، إضافة إلى أن المجتمع ينظر إلى بعض الإبداع، خصوصاً غير المألوف على أنه ضرب من البدع، فيما يكفي المبدع أن يطرح الفكرة في مواقع التواصل، ليجد من يتفاعل مع موهبته».