يثير مرض شلل الأطفال الذعر في صفوف السوريين عقب التقارير الإعلامية المتعددة التي تحدثت عن انتشاره في مناطق مختلفة من البلاد، خصوصاً تلك التي لا تزال بعيدة من حملات التطعيم. ويكمن الخوف في عدم قدرة الناس على الوصول إلى المراكز الصحية المخصصة للقاحات وعدم قدرة الطواقم الطبية على بلوغ المناطق التي يتواجد فيها الأطفال نظراً لانعدام الأمن أو عدم توافر اللقاحات. ويزيد توافر البيئة الخصبة التي تساعد على انتشار هذا المرض الوضع خطورة، كونه ينتقل من طريق الأطعمة والمياه الملوثة. ويمكن أن ينتشر بسرعة بين الأطفال دون سن الخامسة، لاسيما في مراكز إيواء النازحين غير الصحية في الداخل أو في مخيمات اللاجئين المزدحمة في البلدان المجاورة، وبالتالي يخشى أن يتحوّل هذا المرض إلى وباء قد يدمر مستقبل آلاف الأطفال السوريين. واكتشف المرض في أربع محافظات سورية هي دير الزور وريف دمشق وحماة وحلب، وقد بلغ عدد الإصابات المؤكدة 17 حالة وفقاً لمنظمة الصحة العالمية التي أعلنت الناطقة باسمها وجود حالات أخرى لا تزال تحت المراقبة وستكشف حال التثبت منها. في المقابل، أعلنت وحدة تنسيق الدعم المسؤولة عن المساعدات الإنسانية التابعة للائتلاف السوري المعارض اكتشاف نحو 60 إصابة. كما رجّح أطباء أن يكون الرقم أكبر من ذلك بكثير، خصوصاً في التجمعات السكانية النائية التي لا يتم التواصل معها ولا يتمكن المقيمون فيها من الإبلاغ عن حالات مشابهة. ويخشى هؤلاء الأطباء، كما أوضحوا ل «الحياة»، من عدم تحقيق نجاح واسع في عمليات التطعيم في المحافظات الأربع، بسبب المواجهات العسكرية التي تشهدها. وقد تساهم «هذه العرقلة» من إمكان امتداد هذا المرض إلى بقية المحافظات. الحكومة السورية التي تعهدت بضمان تسليم اللقاحات والسماح للطواقم الصحية المتخصصة بالوصول إلى مختلف أنحاء البلاد، قدمت على لسان وزير الصحة أرقاماً مذهلة ودقيقة حول أعداد الأطفال الملقحين، إذ قدرتهم ب 2.177 مليون طفل دون سن الخامسة. كما قدمت الحكومة السورية أرقاماً «دقيقة» لعدد الأطفال الحاصلين على اللقاح في كل محافظة على حدة، وعدد المراكز وفرق العمل والخبراء الذين نفذوا الحملة. لكنها أثارت شكوك كثيرين إثر مقارنتها بالأرقام التي أعلنتها منظمة اليونيسيف والتي أظهرت تفاوتاً كبيراً. فوفق وزارة الصحة، استفاد 294 ألف طفل من اللقاح في دير الزور، في مقابل 80 ألفاً وفق أرقام اليونيسيف! وفي أوسع نداء لها لإنقاذ الأطفال السوريين، أعلنت اليونيسيف إنها تحتاج إلى 835 مليون دولار خلال عام 2014 لتمويل جهود للحاجات الملحة للأطفال المتضررين الذين تقدّر عددهم بحوالى 4 ملايين طفل في الداخل السوري، إضافة إلى أكثر من مليون طفل لجأوا إلى بلدان الجوار. وهي جزء من الاستجابة الدولية والإقليمية لهذه الأزمة التي ألقت بظلالها على سورية إضافة إلى لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، والتي تقدّر موازنتها الإجمالية ب 6.5 بليون دولار، ستستخدم وفقاً للمنظمة الدولية في تلقيح 25 مليون طفل على الأقل ضد الأمراض ومنها شلل الأطفال، وفي توفير التعليم لحوالى 4.5 مليون طفل، وبرامج للدعم النفسي ومعالجة الصدمات لمليوني طفل، وتوفير المياه النظيفة ل 11 مليون سوري. وعموماً، تقدّر اليونيسيف عدد اللقاحات اللازمة لمواجهة الأزمة في سورية ب 10 ملايين لقاح، لكن توفيرها ليس هو التحدي الوحيد الذي يواجه جهود مكافحة مرض شلل الأطفال، فهناك تحديات أخرى لا تقل أهمية منها ما هو أمني يتعلّق بحماية الطواقم الصحية والخبراء القائمين على الحملات، ومنها ما هو لوجستي يتعلّق بانعدام البنية التحتية كالمراكز الصحية وعدم توافر مياه الشفة النظيفة ومرافق الصرف الصحي.