لطالما كان الشهيد محمد شطح واحداً من السياسيين القلائل الذين يلجأ إليهم الصحافيون من أجل الاستماع الى تحليل هادئ للأوضاع السياسية، أو للحصول منه على معلومة أو إشارة، عن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، نظراً الى سعة اهتماماته وتعددها، كسفير سابق للبنان في واشنطن، وكمستشار للشؤون الخارجية لزعيم تيار «المستقبل»، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وكمواكب لرئيس كتلة «المستقبل» النيابية وصديق لرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وللتزود منه بما يساعدهم على فهم الأحداث الدولية التي يتأثر بها لبنان. قبل أقل من 18 ساعة على شطب الوزير السابق شطح من الوجود، أي قرابة الساعة الثانية بعد ظهر أول من أمس الخميس، كان لمكتب «الحياة» في بيروت دردشة في اتصال هاتفي معه. كان التقى قبل يومين (الثلثاء الماضي) السفير الأميركي ديفيد هيل في بيت الوسط (منزل سعد الحريري). وسبق له أن شارك عن قرب في المشاورات التي أجراها قادة «المستقبل» مع الحريري، ومع قيادات أخرى من قوى 14 آذار، حول الموقف من المأزق الحكومي الذي انتهى الى تأكيد رفضها صيغة حكومة 9+9+6، لمصلحة حكومة من الحياديين أو غير الحزبيين. ولأن الشهيد شطح كان يتقبل المزاح، عايدناه بعيد الميلاد بالقول: ميلاد مجيد... ونقطة على السطر دكتور شطح (كان الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله استخدم العبارة في خطابه في 20 الجاري، ثم استخدمها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وأخذت تتحول مدار تعليقات). ضحك الدكتور شطح. وتابع تعليقه بسرعة بديهة يتمتع بها، وكانت تميز عقله، وبدلاً من أن ينساق الى التعليقات التي قيلت عن استخدام عبارة نقطة على السطر، بأنها تهديد ورد على التهديد فقال: «لكن عبارة نقطة على السطر، أصلها هو نقطة على أول السطر. وهذا يعني أن هناك سطراً جديداً سيكتب». ومع أن الدردشة لم تكن للنشر، بل للاستئناس برأي الدكتور شطح، وبتحليله، فإن اغتياله يسمح بنقل بعض ما قاله في تلك المحادثة الهاتفية. قلنا له: «يبدو مما قاله الرئيس سليمان أن هناك نية لتشكيل حكومة جديدة وأن فيه تلويحاً بأن تكون من الحياديين. وقوى 8 آذار و «حزب الله» يرفضانها. تقديرك هل سيقومون بإسقاطها في الشارع أم في البرلمان؟». أجاب: «اليوم (نائب الأمين العام للحزب الشيخ) نعيم قاسم رد على رئيس الجمهورية بأنه إذا كانت الحكومة معروف سلفاً أنها لن تنال الثقة فكيف يمكن أن تكون موجودة. أما في شأن إسقاطها فأفضل لهم إسقاطها في المجلس النيابي. هم يستطيعون إسقاطها في الشارع وفي البرلمان. لكن في الحالتين كلفة إسقاطها مرتفعة عليهم سياسياً. وهذه مسألة غير بسيطة. فحين تأتي للمجتمع اللبناني، خصوصاً الوسطي الذي تهمه الحلول ليكمل حياته، والذي كفر بالسياسة والسياسيين، بحكومة معقولة من أشخاص يستأهلون تسليمهم الشأن العام، لا سيما إذا كانوا أشخاصاً هم أفضل ما يمكن، بالمقارنة مع صيغ الحكومة السياسية، ثم يقوم «حزب الله» وحلفاؤه بإسقاطها في البرلمان، فهذا يحمّله عبء الأزمة وإفشال عملية الخروج من المأزق. فحكومة كهذه لن تكون حكومة 14 آذار. وهي ستنزل الى البرلمان حائزة على ثقة الرئيس سليمان كوسطي وثقة الرئيس تمام سلام المعروف عنه اعتداله واتزانه وثقة الناس غير المنحازين، لا الى 14 آذار ولا الى 8 آذار. وعلى الأرجح أن شخصية مثل البطريرك الماروني بشارة الراعي والمجتمع الاقتصادي والمجتمع المدني هم في عداد من سيؤيدون حكومة كهذه. لذلك أعتقد أن إسقاطها سينقلب على القوى التي ستسقطها حتى لو كان ذلك في المجلس النيابي. الكلفة السياسية والمعنوية لعملية إسقاطها ستنقلب على القوى التي تفعل ذلك إذا كانت تحظى بدعم القوى الاجتماعية الوسطية. وحكومة كهذه، عندما يسقطها «حزب الله» في وقت هو يأخذ حريته بالتدخل في سورية، فلن يكون لديه سبب وجيه ليفعل ذلك. هي لن تكون تحدياً لتدخله في سورية». واعتبر الدكتور شطح أن «حزب الله» ربما يدرك كلفة إسقاط الحكومة ولذلك يضغط ويستخدم التهويل بكل الوسائل لمنع تأليفها، بالمواقف التي تصدر عنه وعن حلفائه، حتى يتفادى دفع ثمن إسقاطها. حين لا تتألف الحكومة يبقى العبء (استمرار الفراغ) على كاهل جميع القوى السياسية، لكن إذا تألفت وجرى إسقاطها، العبء سيكون على من يسقطها. وماذا عن لقائه السفير الأميركي؟ أجاب الدكتور شطح: «ليس هناك مضمون مهم جديد في شأن الموضوع الداخلي، إذا كنت تقصد بسؤالك الحكومة وانتخابات الرئاسة، هم يرددون مواقفهم المعلنة المعروفة. كانت الجلسة لتقويم الوضع ومواقف الفرقاء». وحين سألناه عما يتردد من أن هناك تطوراً في موقف واشنطن بأنها لا تمانع تمثيل «حزب الله» في الحكومة، قال: «هم لم يقولوا في أي مرة إنهم يمانعون دخول «حزب الله» في الحكومة ولم يقولوا في أي مرة إن لا مانع لديهم في دخوله. والجميع يعرف أنهم تعاطوا مع حكومات تضم «حزب الله». أما موقفهم القانوني من الحزب الذي يعتبرونه إرهابياً فهم ما زالوا عليه. وليس هناك مؤشر الى أنهم يتساهلون فيه بسبب انفتاحهم على إيران، أو أن هناك تغييراً في هذا الموقف من الحزب. وليس هناك من رابط بين هذا الموضوع وبين السلة التفاوضية بينهم وبين إيران. وما زالوا على موقفهم رفض تدخل الحزب في سورية ويرددون اللازمة المعروفة بالحرص على استقرار لبنان وحمايته من تداعيات الأزمة السورية عليه». ورداً على سؤال، قال الدكتور شطح: «هم يأملون بمسار وعملية مستمرة في المفاوضات مع إيران. لكنهم لا يربطون الوضع اللبناني بسلة التفاوض معها. وإذا كان هناك من قضايا أخرى للبحث، فهم ينتظرون أن يسير موضوع النووي كما يجب، إذا كان هناك من مواضيع أخرى تتطلب البحث، من دون أن يعني أن الأمور الأخرى مجمّدة كلياً». وعن التوقعات في شأن مؤتمر «جنيف - 2» حول سورية، قال الدكتور شطح: «الأميركيون يأملون بمسار تفاوضي ويدركون الصعوبات التي تواجههم. وشعوري أنه يصعب توقع مقومات لعملية إخراج سورية مما هي فيه الآن». الحديث الأخير وكان شطح أدلى بحديث الى إذاعة «صوت لبنان - صوت الحرية والكرامة» أذيع زهاء السادسة مساء أول من أمس دعا فيه الى «مواجهة تحول لبنان الى مرآة للأزمة السورية، لأن ذلك يعتبر استسلاماً مرفوضاً». ووزعت الإذاعة مقتطفات مما قاله في برنامج «مانشيت المساء»، قال فيه: «علينا الاستعانة بما قاله القرار الدولي الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن في 12 آب (أغسطس) 2006 لضبط الحدود بالتعاون بين الجيش اللبناني والقوات الدولية المعززة لمنع تسرب المسلحين من وإلى سورية ولوقف نقل تداعيات ما يجري في سورية على لبنان». واعتبر أنه لا يمكن الحديث عن دولة سيدة في حال وجود سلاح في يد بعض المجموعات، وهذا السبب الأساسي لعدم وجود حكومة على رغم مرور 9 أشهر على تكليف الرئيس سلام. ورأى شطح أن من عوامل تعقيد التحولات في المنطقة ما يسمى الإسلام السياسي، «الذي يخوض تجربة والمجتمعات العربية التي تعيش تجربة الفصل بين الدين والدولة. كما أن هناك النزاع الجيواستراتيجي الضخم بين إيران والخصوم السياسيين لها في المنطقة. أضف الى ذلك عامل تقاسم الدول الكبرى الدول الصغرى، الذي انتهى ولم يعد من الممكن التحكم بمصائر الشعوب». ولفت الى «ظاهرة ثابتة تقول إن تأثير الدول الكبرى في قرارات الشعوب لم تعد بالقوة التي كانت فيها بالأمس».