«فيدرا ربة الماعز والدجاج، فيدرا تضرعت بصلواتها من أجل المطر، عملت في مواقع بناء المدن الجديدة، تزوجت ملك الموتى، خاطت الملابس في آسيا... فيدرا ليس لها مسكن في أي مكان، فهي واست العجزة، وعشقت الصيد والقتلة، عاشت مع كاهن الصحرا، تحدثت في الظلام، وطردت أمها العجوز من المنزل، نسجت الخيوط طوال الشتاء، أشعلت النار منذ ملايين السنين»... بهذه الكلمات بدأ عرض مسرحية «فيدرا الطيور» عن نص فريدريك بواييه وإخراج جان باتيست ساستر، في مركز خليل السكاكيني الثقافي في مدينة رام الله، بنسخة عربية من بطولة الممثلة العالمية الفلسطينية هيام عباس (فيدرا) ومراد حسان (ابن زوجها)، بالاشتراك مع مركز يافا الثقافي في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين. وتجسد فيدرا وقائع «الحب المحرم»، فهي زوجة تيسيه ملك أثينا، تقع في حب هيبوليت ابن زوجها، وتتهمه زوراً عندما يرفض التجاوب مع مشاعرها، باغتصابها قبل أن تنتحر. ووفق مدير المركز الثقافي الفرنسي جوليان كيابونيه لوكيزي الذي تولى إنتاج المسرحية، فإن لشخصية فيدرا مكاناً في الذاكرة العميقة في أوروبا، فهي تلك المرأة العائدة دوماً الى المكان الذي وقعت فيه جريمة غامضة المعالم. تدور الفكرة الرئيسة في هذا العرض حول فيدرا المتعددة الشخصيات، والمختلفة الوجوه، فهي ليست شخصية واحدة بل «فيدرات» عديدة تستند بالأساس إلى نص شعري، تسعى من خلاله إلى تجسيد المسرحية الفريدة من نوعها، والمنبثقة من الذاكرة المرافقة للأساطير والأعمال الأدبية عبر كل الثقافات واللغات... في رام الله، وعلى مقربة من مكتب رمز فلسطين الشعري الراحل محمود درويش في مركز خليل السكاكيني، تألقت هيام عباس بصوتها وأدائها في تصوير الأحداث المأسوية التي تعيشها البطلة، بمرافقة جوقة غناء وممثلين مسرحيين من مركز يافا الثقافي في مخيم بلاطة. وعن دورها في المسرحية، تؤكد عباس أن شخصية فيدرا تعبر عن أي امرأة صدمتها الحياة، أو أي امرأة قتلتها الحياة أو حكمت عليها حكماً جائراً. وقالت ل «الحياة»: «أرى أن لعرض هذه المسرحية في فلسطين خصوصية كبيرة، فهي تتناول موضوع الظلم، والشعب الفلسطيني هو أكثر شعب تعرض للظلم ولا يزال. فكان مهماً بالنسبة إلي العمل مع شباب وأطفال من المخيم، لكونهم أكثر فئة مظلومة ومهملة من بين الفلسطينيين، وبالتالي كان لا بد من إسماع صوتهم عبر هذه المسرحية التي هي في الأساس قصيدة... كان عليهم تملّك القصيدة، وبالتالي رفع أصواتهم من خلالها عالياً، وهو ما كان». وأضافت عباس: «قدمت المسرحية بالإنكليزية والفرنسية والعربية. وهي مسرحية مميزة بالنسبة لي. وكل دور أختاره سواء في المسرح أو في السينما، يضيف إلى مسيرتي الفنية. وشخصية فيدرا تعبر عن المظلومين، لذلك كان لها صدى جميل بالنسبة إلي، فقد كنت على الدوام أراها تتحدث عن المظلومين من أبناء بلدي في فلسطين. فالإنسان لا ينسى وطنه وأصوله. وشخصية فيدرا أضافت لي شخصياً وفنياً. أما المخرج الفلسطيني محمد الحاج حمد من مركز يافا الثقافي، فأشار إلى أن الأمر بدأ مع متابعة الفنانة هيام عباس لعمل كان انتهى منه مع مجموعة من شباب وفتية وأطفال ينتمون إلى المركز في المخيم، ونال إعجابها، بخاصة مع ما يملكه المشاركون من طاقة وموهبة. و»من هنا بدأ العمل بين المركز الثقافي الفرنسي ومركز يافا، وكانت مسرحية «فيدرا الطيور»». يذكر أن التدريبات المكثفة تواصلت على مدى 10 أيام فقط، عمل خلالها فريق المسرح والمخرج ساعات طويلة لإخراج العمل بصورة رائعة وأداء مميز، وهو ما كان بالفعل في فترة يمكن وصفها بالقياسية، فيما ساد فترة العرض الذي استمر أربعين دقيقة، صمت تام من الجمهور الذي غصت به القاعة، للاستمتاع بأداء الممثلين وأصواتهم وشيء من الغناء لفنان كفيف خلال المسرحية.